في انتظار القطار

لطيف القصاب

الحرب من الحقائق الانسانية الازلية التي سوف تظل الى امد غير معلوم تنهش في لحم بني الانسان فردا فردا وشعبا شعبا، ومع كل ولادة صراع جديد او نكأ اخر قديم لابد من ان يتوقع المجتمع امكانية نشوب حرب في اية لحظة.

 وللحرب اسباب كثيرة ليس اولها الاقتصاد وليس اخرها الدين، وقد تبدأ الحرب بانذار ومن دون انذار،  وهناك الكثير من انواع الحروب اشعلتها الكلمات العنيفة بين هذا الطرف وذاك ولم تنته الا بعد عمر مديد وموت فظيع.

وبما ان حقيقة الحرب بصرف النظر عن اسبابها وحيثياتها ومقدماتها ونتائجها كانت من اوائل البديهيات التي ادركها العقل البشري وتنبه الى اخطارها وتداعياتها الجسيمة على الحرث والنسل، فقد آلت الشعوب الانسانية على اختلاف انواعها واشكالها ان تكيف اوضاعها الحربية بما يحد من طغيان الدمار فيما بين المتصارعين قدرالامكان.

 وقد اجتهد نفر منهم في ايجاد لائحة تنظيمية اصطلحوا عليها قديما باخلاق الفرسان وحديثا بالشرف العسكري وتقضي هذه اللائحة بجملة امور لاسبيل الى استعراضها جميعا في هذه السطور القليلة، الا اننا نختار من تلك اللائحة  قاعدة عدم التعرض للمدنيين العزل في اوقات النزاعات والحروب من قبل الاطراف العسكرية المتنازعة، وقد وجدت هذه القاعدة الشريفة صدى طيبا في نفوس الغالبية من المقاتلين حتى غير الشرفاء منهم على اثر النكبات والكوارث التي خلقها عدم التقيد بحدود ومباديء هذه القاعدة الذهبية.

وقد سجل لنا التاريخ ان بعض المقاتلين والجيوش المتحاربة كانت اشرف من غيرها في ادارة دفة الصراع والقتال في ساحات الوغى والعفو عن العدو المدجج بالسلاح عند الظفر به اسيرا فضلا عن عدم التعرض باي نوع من انواع الاذى الى العزل والضعفاء من النساء والاطفال وحتى الرجال، وكما اسلفنا فان من اسباب الحروب دواعي دينية وعقائدية وقد نقلت الاخبار مؤخرا ان  بعض المقاتلين الدينيين في العراق اتفقوا فيما بينهم على عدم التعرض بسوء الى قوافل الزوار العائدين من كربلاء بعد نهاية زيارة الاربعينية كما تعودوا على ذلك كل عام وسموا هذا الاتفاق بمشروع الشرف الديني على غرار الشرف العسكري الذي المحنا اليه في مقدمة الحديث.

وقد انتهت الزيارة المليونية قبل ايام ولم يحدث ان تكبد الزوار بفواجع توازي ما تكبدوه في السنوات العجاف الماضية وقد كدت اجزم بان قاعدة الشرف الديني قد اخذت بالتحرك في عروق هؤلاء المقاتلين وان مقاتلي القاعدة ومن شاكلهم في الفكر والسلوك قد جرى في بعض عروقهم كمية لاباس منها من الشرف، الا ان ما منعني من الاسترسال في تبني هذه القناعة الجديدة حتى النهاية ان حشود الزوار المساكين ما تزال تهيم على وجهها في شوارع وارصفة كربلاء وان البعض منهم ما يزال متلفلفا في بطانيته انتظارا منه على ما يبدو للقطارات التي كان قد وعد الزوار بها وزير النقل والقطارات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/شباط/2010 - 25/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م