نظرة داخلية في الرأي العام السعودي

 

شبكة النبأ: ما هي القضايا التي تهم المواطنين السعوديين العاديين؟ كيف ينظر المواطن المتوسط إلى حالة الاقتصاد المحلي؟ ما هي المواقف العامة السائدة تجاه التطرف الديني؟

للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها كتبَ ديفيد بولوك، زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف نشرة المجهر السياسي باللغة الانكليزية، مقالاً جاء فيه: يعتمد الإستقرار طويل الأجل في المملكة السعودية - بدرجة أو بأخرى - كما هو الحال في معظم البلدان، على القبول الشعبي للنظام الحالي. وحتى على المدى القصير، مما لا شك فيه أن الحكومة السعودية، التي هي أبعد من أن تكون ديمقراطية، حساسة تجاه التيارات الاجتماعية غير السلسة وردود الفعل المتنوعة لمبادراتها. ونتيجة لذلك، فإن فهم الرأي العام السعودي هو جزء هام من قياس الاتجاهات المستقبلية المحتملة التي ستتبعها البلاد. ومع ذلك، تكاد تكون استطلاعات الرأي غير معروفة في المملكة، ولا يمكن الاعتماد على وسائل قولية أو غير مباشرة عن هذه المواضيع الحساسة جداً بحيث تعكس إحصائية حقيقية.

ويضيف بوبوك، لكي يتم تدارك هذا النقص التحليلي، تَعْرض الفقرات التالية نظرة نادرة قائمة على البيانات المتعلقة بالقضايا السياسية والإجتماعية الحالية في المملكة العربية السعودية، كما يراها مواطني المملكة أنفسهم. ويكشف هذا الإستطلاع عن وجود رأي عام معتدل وراض -- ولكنه قلق أيضاً إزاء الأوضاع الإقتصادية. والأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أنه يبين بوضوح أن العديد من السعوديين مستعدون للإعراب عن قلقهم بشأن الفساد والتطرف الديني. ويريد معظم هذا الجمهور أيضاً اتخاذ خطوات سياسية جديدة مثل إجراء إنتخابات محلية -- ولكن، كما ذكر سابقاً، فخلافاً لبعض المفاهيم الخاطئة الغربية، لا يكاد يكون هذا البعد من الحياة العامة على رأس جدول أعمالهم كما هو الحال بالنسبة لقضايا أخرى.

ويؤكد بولوك، تستند هذه النتائج في المقام الأول على مجموعة بيانات فريدة من نوعها تعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2009، تم الحصول عليها من قبل "مؤسسة پيختر لإستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط"، وهي مؤسسة أبحاث خاصة وجديدة، مقرها في مدينة پرينستون في ولاية نيوجرسي الأمريكية. وظهرت البيانات في أعقاب دراسة إستقصائية قامت بها شركة تجارية إقليمية على درجة عالية من الكفاءة حيث استطلعت عينة تمثيلية تألفت من 1000 مواطن سعودي في المناطق الحضرية الرئيسية الثلاث: جدة والرياض والدمام/الخبر. وقد سبق أن نُشرت نتائج أخرى من هذه الدراسة الإستقصائية، التي تركزت على قضايا السياسة الخارجية، في المرصد السياسي # 1618 ("الرأي العام السعودي يؤيد فرض عقوبات على إيران ولكنه منقسم حول القيام بعمل عسكري") و # 1614 ("استطلاعات آراء السعوديين والمصريين: إيران والجهاد والإقتصاد").

وجهات نظر متباينة حول الإقتصاد

ويقول بولوك، في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2009، كان السعوديون الساكنون في المناطق الحضرية منقسمون حول ما إذا كانت المملكة تسير في الإتجاه الصحيح (54 في المائة) أو في الإتجاه الخاطئ (39 في المائة). وفيما يتعلق بالقضايا الإقتصادية، كانوا أكثر تشاؤماً إلى حد كبير حول أوضاعهم الفردية: فقد قال 40 في المائة منهم أن آفاقهم الإقتصادية الشخصية قد انخفضت خلال العام الماضي، مقارنة مع 36 في المائة قالوا أنها قد تحسنت؛ ولم يرى 23 في المائة منهم أي تغيير. ومن ناحية تطلعهم إلى المستقبل، لم يتوقع سوى ربع المستطلعين بأن وضعهم الإقتصادي سيتحسن خلال العام المقبل، في حين توقع نصف المستطلعين بأن وضعهم سيبقى على ما هو.

وبالمثل، كانت وجهات نظر المشاركين في الإستبيان حول أمنهم الإقتصادي الشخصي مختلطة. فقد قال أقل من نصف المستطلعين بأنهم شعروا "أكثر أمناً من الناحية الإقتصادية" في العام الماضي مقارنة بما سبق، ولكن كانت هناك نسبة متساوية التي اختلفت عن هذا الرأي (6 في المائة فقط قالوا أنهم لا يعرفون أو رفضوا الإجابة على هذا السؤال).

السعوديون الأصغر سناً هم أكثر تفاؤلاً

ويتابع بولوك، حول سؤالين من هذه الإسئلة السابقة، عبّر المستطلعين ما بين 18-24 سنة (وهي مجموعة تضم ما يقرب من ربع إجمالى تعداد السكان البالغين في المملكة) عن آراء أكثر إيجابية إلى حد ما من تلك التي عبر عنها السعوديون الذين هم في الفئة العمرية 55 سنة فما فوق (نحو 10 في المائة من جميع البالغين). فعلى سبيل المثال، قال 59 في المائة من المجموعة الأصغر سناً بأن المملكة العربية السعودية تتحرك في الإتجاه الصحيح، مقارنة بـ 51 في المائة من الفئة الأكبر سناً. وبالمثل، اعتقد 39 في المائة من المستطلعين الشباب بأن وضعهم الإقتصادي قد تدهور خلال السنة الماضية، مقارنة بـ 46 في المائة من الفئة الأكبر سناً.

سكان جدة هم أكثر الساخطين ولكن ليس من الناحية الإقتصادية

وولّد السؤال حول الإتجاه العام للمملكة العربية السعودية إختلافات إقليمية كبيرة ومثيرة للدهشة. ففي الرياض والدمام/الخبر، كانت وجهات نظر الأغلبية الكبيرة من السكان إيجابية فيما يتعلق بالمسار الحالي للمملكة. ومع ذلك، أشارت الردود من جدة، عن وجود إستياء أكبر بين عامة الناس: وأعربت أغلبية ضئيلة عن رأي سلبي حول الإتجاه التي تسير به البلاد. بيد، لا تتوافق هذه الإختلافات الإقليمية مع المفاهيم الإقتصادية. وفي الواقع، إن سكان مدينة جدة هم أقل عرضة بصورة هامشية من غيرهم لأن يقولوا بأن حالتهم الإقتصادية الشخصية قد ازدادت سوءاً خلال العام الماضي، وهو الأمر فيما يتعلق بحصول تحسن في حالتهم الإقتصادية في المستقبل القريب.

معظم السعوديون يعتبرون الفساد مشكلة خطيرة

ويقول بولوك، عموماً ترى الغالبية من المستطلعين (63 في المائة) أن الفساد هو مشكلة خطيرة في المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، عندما سئلوا في سؤال منفصل ومفتوح حول تسمية "أخطر" مشكلة تواجه المملكة، استشهد خمس المشاركين في الإستبيان بأنه الفساد – وكانت هذه النسبة أكثر من تلك التي استشهدت بالبطالة، ولم تكن بعيدة إلى حد كبير عن تلك التي عبرت عن أولئك الذين قالوا بأنه التضخم. ومع ذلك، رأى أقل من نصف المستطلعين (42 في المائة) في جدة، أن الفساد هو مشكلة كبيرة، بالمقارنة مع أغلبية كبيرة في كل من الرياض (74 في المائة) والدمام/الخبر (85 في المائة).

ومع ذلك، وكما ذُكر أعلاه، فإن عامة الناس في هاتين المدينتين الأخيرتين هم إلى حد ما أكثر احتمالاً أن يكونوا راضين عن الإتجاه العام للبلاد من أولئك في جدة. وربما يرى مواطنيهما بأن بعض مشاكل المملكة العربية السعودية هي سيئة إلا أنها آخذة في التحسن، في حين أن سكان جدة هم ليس فقط أقل اهتماماً، بل أيضاً أقل احتمالاً أن يتوقعوا الحصول على الكثير من التحسن.

مخاوف بشأن التطرف الديني

ويضيف الكاتب، قال أكثر بقليل من نصف السعوديين (54 في المائة) في المناطق الحضرية أن التطرف الديني يمثل مشكلة خطيرة في بلادهم، مع ربع المجيبين يؤيدون "بشدة" هذا الرأي. ينبغي أن ينظر إلى هذه الردود في سياق آخر، تم ذكره سابقاً في هذه الدراسة: 20 في المائة من السعوديين في المناطق الحضرية عبروا عن بعض التأييد لتنظيم «القاعدة».

لقد كانت الآراء المتعلقة بموضوع التطرف الديني موحدة تماماً عبر مجالات المسح الثلاث، خلافاً لغيره من المواضيع؛ والأمر الأكثر غرابة أيضاً، كانت تلك الآراء قابلة للتطبيق عبر الأفواج العمرية والفئات التعليمية المختلفة. ومع ذلك، فقد وفر تحديد نوع الجنس، تبايناً ديموغرافياً مثيراً للإهتمام: 48 في المائة من المشاركين الذكور يعتقدون أن التطرف الديني يعد مشكلة خطيرة، ولكن هذا النسبة ارتفعت بشكل طفيف بين النساء ووصلت إلى 59 في المائة.

استئناف الانتخابات البلدية

في عام 2005، أجرت المملكة العربية السعودية إنتخابات المجالس البلدية الأولى في البلاد، وكان ذلك في المدن الثلاثة التي تم فيها الإستطلاع في هذه الدراسة، على الرغم من أن التصويت وعضوية المجالس كانت للذكور فقط. وتمثلت عملية الإنتخاب بتقسيم عضوية المجالس المحلية بالتساوي بين المسؤولين المنتخبين والمعينين، وهكذا ستجري العملية في المستقبل. وكان من المقرر أن تجري جولة ثانية من الإنتخابات في عام 2009، لكن تم تأجيل تلك العملية. وفي هذه الدراسة، قال نصف عدد المستَطلعين في المناطق الحضرية بأنه كان يجب أن تجرى تلك الإنتخابات في موعدها؛ ولم يوافق ثلث المشاركين في الإستبيان على ذلك. وعلاوة على ذلك، قال ثلثي المستَطلعين بأن الإنتخابات المحلية يجب أن تعقد بحلول عام 2011.

وعندما سئلوا عن الدور الذي ينبغي أن تضطلع به هذه المجالس البلدية، استشهد معظم المشاركين في الإستبيان بإجراء تحسينات على البنية التحتية أو إحداث تحسينات اقتصادية. وقال نصفهم بأنهم سوف يفاتحون المجالس [المنتخبة] حول القضايا المحلية مثل إصلاح الطرق أو خدمات الصرف الصحي.

ومع ذلك، يجب أن توضع هذه الأرقام في سياق الأولويات المألوفة الأخرى. فعندما سئلوا بطريقة مفتوحة ما التي ينبغي أن تكون أهم الأولويات الوطنية، لم يستشهد أياً من المجيبين بالإنتخابات أو الديمقراطية. وبدلاً من ذلك، كانت القضايا الإقتصادية والإجتماعية، بما فيها الفساد، الأولويات المفضلة بصورة ساحقة. وبالمثل، عندما سئلوا عما ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة في المنطقة، استشهد 13 في المائة فقط من المستطلعين بأن تعزيز الديمقراطية هي خيارهم الأول أو الثاني – ولكن كان هناك عدد أكبر بكثير من الذين ذكروا أن الدعم الإقتصادي أو اتخاذ إجراءات بشأن القضايا العربية الإسرائيلية المختلفة هي خيارهم الأول أو الثاني.

تصورات حول مجلس الشورى

ويتابع بولوك، عندما سئلوا عن مجلس الشورى في بلادهم، وهو المجلس الوطني الإستشاري المعين، قال 70 في المائة من السعوديين في المناطق الحضرية بأنهم على علم بقيامه. ومن بين تلك المجموعة، قال حوالي النصف بأن الدور الرئيسي للمجلس يكمن في المجال القانوني، مع حوالي الربع استشهد بالوظائف الإقتصادية وربع آخر بالوظائف الإجتماعية. ولم يعرف واحد من كل عشرة سعوديين كانوا على علم بقيام المجلس، ما هي وظيفته أو قالوا بأن ليس له أي دور حقيقي وهو مجرد إجراء شكلي.

التداعيات على السياسة  

تشير هذه النتائج غير العادية وذات المصداقية العالية عن وجود بيئة بين الرأي العام في المملكة العربية السعودية التي يمكن التحكم فيها، حتى فيما يتعلق بالقضايا المحلية القابلة للإنفجار. هذه أنباء مشجعة، من ناحية المصالح الأمريكية المتعلقة باستقرار السعودية، وربما كذلك، من ناحية مرونة الرياض بشأن بعض الموضوعات المثيرة للجدل ذات الإهتمام المشترك.

وفي الوقت نفسه، يظهر أن المناخ المتعلق بإجراء إصلاحات داخلية يسمح بتقديم تساهلات. ويبدو أن السعوديين عموماً مرتاحين من الوتيرة التي يسير بها الإصلاح التدريجي حتى الآن، ويظهر أنهم يميلون في الغالب إلى اتخاذ تدابير متواضعة في هذا الإتجاه في السنوات المقبلة. وعلى الرغم من أنهم يريدون إجراء انتخابات محلية جديدة في غضون السنوات القليلة المقبلة، إلا أنهم نادراً ما يطالبون بها.

ويختم بولوك بحثه قائلا، لقد برز الفساد باعتباره إحدى المسائل التي تنطوي على إشكالية. وعلى الرغم من الاختلافات الإقليمية، أعرب المشاركون في الاستبيان عن قلقهم إزاء هذا الموضوع بمستويات مرتفعة نسبياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/شباط/2010 - 17/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م