كواشف المتفجرات البريطانية في العراق: فضيحة بحجم الفساد

تحذيرات سابقة لم تحول دون استيرادها..أجهزة قد تكون ساهمت في قتل آلاف العراقيين

 

شبكة النبأ: تواصل قوات الأمن العراقية استخدام أجهزة لكشف المتفجرات رغم الشكوك حول فاعليتها بعد اعتقال مدير الشركة البريطانية التي تصنّعها ومن ثم الإفراج عنه بكفالة مالية، في حين يؤكد برلمانيون عراقيون المطالبة بتشكيل لجنة للتحقيق في الامر.

ومن جهته قال المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية عقيل الطريحي انه حقّق في شراء أجهزة كشف المتفجرات التي باعتها شركة ايه تي اس سي قبل سنتين وتبيّنَ له أنها أجهزة "لا تعمل" وأنها بيعت بثمن مبالغ فيه. واقترحَ ألا يشتري العراق هذه الأجهزة. مبيناً ان الفساد يكتنف هذه الصفقة، وأنه أشار الى ذلك ورفع تقريره الى وزير الداخلية ولكن الصفقة تمَّت.

وفي هذه الغضون أعلن الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ ان رئيس الوزراء نوري المالكي قد أمر بتشكيل لجنة رفيعة المستوى للتحقيق في هذه القضية والاستفهام عن ملابساتها وكشف الحقائق.

استخدام أجهزة كشف المتفجرات رغم الشكوك بفاعليتها

وكانت الشرطة البريطانية أعلنت توقيف رجل الاعمال جيم ماكورنيك (53 عاما) مدير شركة "ايه تي اس سي" بشبهة الاحتيال بالتزامن مع اصدار قرار يمنع تصدير منتجات هذه الشركة من اجهزة كشف المتفجرات.

وقال النائب هادي العامري رئيس لجنة الامن والدفاع في البرلمان لوكالة فرانس برس "سنجري تحقيقا لمعرفة المسؤول عن التقصير واذا كانت الشركة هي المسؤولة فسنقاضيها عبر وزارة الخارجية العراقية".

وقال ملازم اول في الجيش العراقي كان يراقب عمل نقطة تفتيش وسط بغداد "نعلم ان هذه الاجهزة لا تعمل وتم حظر استخدامها من قبل بريطانيا، لكننا ما نزال نستخدمها رغم انها دون جدوى".

واكد العامري ان "البحث جار لمعرفة المسؤول عن التقصير، فهل السبب الشركة ام ان هناك تقصيرا من جانبنا" في اشارة الى احتمال سوء استخدام الاجهزة من قبل العراقيين.

ورغم هذه الشكوك، تواصل قوات امنية استخدام هذه الاجهزة المعروفة ب"الذراع السحرية" من طراز "اي دي اي 651" وهي كناية عن مقبض مزود بدائرة الكترونية شديدة الحساسية تجاه بعض المواد.

وقامت شركة بريطانية بتصنيع هذه الاجهزة التي تتضارب الارقام حول ثمنها الحقيقي في ظل غياب معطيات واضحة بهذا الشان.

ورغم رفض معظم عناصر الامن التحدث عن كفاءة هذه الاجهزة، فقد دافع رياض مهدي وهو شرطي يقف في احد نقاط التفتيش في منطقة الصالحية (وسط) قرب مبنى محافظة بغداد، عنها قائلا "انها تعمل بشكل جيد (...) تكشف الزيوت والوقود والعطور".

ويُذكر ان اللواء جهاد الجابري مدير مديرية مكافحة المتفجرات أشاد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بهذه الاجهزة بعد تصريح احد المسؤولين الاميركيين انه لا يثق بعملها. وقال الجابري آنذاك "لا يهمني ان كانت سحرا او علما، انها تكشف المتفجرات".

من جانبه، قال النائب عمار طعمة عضو لجنة الامن والدفاع ايضا لفرانس برس "سنطالب الحكومة بمقاضاة الشركة لتسببها بوقوع ضحايا من المدنيين لان الاجهزة التي كانت معتمدة لم تكشف نشاطات الارهابيين". واضاف ان "فشل الاجهزة سبب مآسي كثيرة للعراقيين".

وتستخدم هذه الاجهزة في نقاط التفتيش في عموم العراق للكشف عن المتفجرات والاسلحة داخل السيارات. واكد طعمة "سنطالب خلال الايام القادمة بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة اسباب استيرادها وما اذا كان هناك متورطون باستيرادها".

وكان مصدر امني رفيع اكد ان "الاجهزة التي اثيرت حولها الشكوك والاتهامات بعدم جودتها متوفرة في مديرية مكافحة المتفجرات وتستخدم في محافظة بغداد او قرب المباني الرئيسية".

واضاف المصدر لفرانس برس رغم ذلك "تم استهداف هذه المباني بثلاثة تفجيرات دامية وسرت شكوك كبيرة حيال عمل الاجهزة وبلغ الامر اتهام مستخدميها بعدم الخبرة او عدم جودة الاجهزة ما ادى الى خروقات امنية مكنت الارهابيين من الوصول لمواقع التفجيرات".

مسؤول عراقي: حذّرنا من شراء الأجهزة

وقال المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية عقيل الطريحي انه حقق في شراء أجهزة كشف المتفجرات التي باعتها شركة ايه تي اس سي قبل سنتين وتبين له أنها أجهزة "لا تعمل" وأنها بيعت بثمن مبالغ فيه. واقترح ألا يشتري العراق هذه الأجهزة.

وقال الطريحي لرويترز ان الفساد يكتنف هذه الصفقة وأنه أشار الى ذلك ورفع تقريره الى وزير الداخلية. ولم يذكر الطريحي أي تفاصيل في مزاعم الفساد.

وأضاف أنه قال ان الشركة التي تعاقدت معها الوزارة لا تتمتع بسمعة دولية طيبة في مجال كشف المتفجرات وان ثمن الاجهزة التي تبيعها مبالغ فيه ولا يتناسب مع امكانياتها.

ولم يتبين بعد السبب الذي أدى الى توقف الأمر عند نقطة تقديم المفتش العام لتقريره وعدم اتخاذ المسؤولين العراقيين خطوات تحول دون استيراد المزيد من هذه الأجهزة أو تخرجها من الخدمة.

ودافع بعض المسؤولين العراقيين عن الأجهزة وقال الطريحي ان التحقيق المبدئي كشف قدرتها على كشف بعض القنابل.

وقالت الهيئة البريطانية للأعمال والابتكار والمهارات يوم الجمعة انها ستحظر صادرات جهاز كشف المتفجرات ايه دي اي 651 الى العراق وأفغانستان.

تحقيق للـ بي بي سي يكشف الفضيحة

وقد أدى تحقيق صحفي أجرته كارولين هاولي، الصحفية في بي بي سي إلى إعلان الحكومة البريطانية منع تصدير أجهزة كشف المتفجرات إلى كل من العراق وأفغانستان.

فقد ساهمت الهجمات والتفجيرات التي وقعت في بغداد مؤخرا بإثارة الشبهات حول فاعلية أجهزة الكشف عن المتفجرات نظرا لوقوع الهجمات في قلب المناطق المحمية أحيانا بعشرات الحواجز التي تستخدم أجهزة كشف المتفجرات والقنابل.

وقامت الصحفية باختبار أجهزة كشف المتفجرات المستخدمة في العراق، وذلك في مختبر كامبريدج وتبيّنَ لها أن نوعاً من أجهزة كشف المتفجرات لا يعمل بتاتا.

وأنفقت الحكومة العراقية قرابة 85 مليون دولار، وفقا لب بي سي على جهاز ADE-651 وتثار المخاوف إلى أن استخدامها لم يساهم في كشق وإيقاف عمليات التفجير التي تقتل المئات من الأبرياء. ويسري منع تصدير هذه الاجهزة ومنها جهاز ADE-651 اعتبارا من اليوم. ولا تضم هذه الأجهزة أي ذاكرة أو أي مكون يمكن برمجته لقراءة البيانات وفهم أداء هذه الاجهزة. وبيعت هذه الأجهزة بالآلاف لعشرين دولة بينها العديد من الدول العربية إلى جانب باكستان.

ويباع الجهاز الصغير المحمول بحوالي خمسين ألف دولار فقط، وتزعم الشركة أنه يكشف المواد المتفجرة، واعتقل صاحب الشركة جيم مكورماك مؤخرا بتهمة الاحتيال التجاري.

ويقول سيدني ألفورد كبير خبراء المتفجرات الذي يقدم استشاراته لكل فروع الجيش البريطاني إن بيع هذه الاجهزة هو عمل "لا أخلاقي قطعا" فاستخدامها سيؤدي إلى شعور زائف بالأمان قبيل مقتل المئات.

الدباغ: يمكن مقاضاة الشركة المصدِّرة إذا لم تكن وهمية

من جهته قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، إن هناك امكانية لمقاضاة الشركة البريطانية التي صدرت اجهزة كشف متفجرات غير فعالة للعراق “إذا لم تكن وهمية”، واذا كان العقد مستوفيا للشروط والمعايير القانونية.

وأوضح الدباغ في لقاء مع فضائية العراقية شبه الحكومية، مساء الأحد، ان “هناك امكانية لمقاضاة الشركة البريطانية التي صدرت اجهزة كشف متفجرات غير فعالة الى العراق إذا لم تكن وهمية، واذا كان العقد مستوفيا للشروط والمعايير القانونية”، مشيرا الى ان “مقاضاة الشركة المصدرة حينها ستتم بالاعتماد على الآليات القانونية وعبر غرفة التجارة”.

واستدرك “اذا كانت الشركة المصدرة وهمية فمن الصعب تعقبها وتعقب الأشخاص العاملين فيها، حينما يكونون مسجلين بأرقام او أسماء وهمية”، معربا عن خشيته من ذلك.

وكانت شكوك دارت حول كفاءة بعض اجهزة الكشف عن المتفجرات التي تستخدمها الاجهزة الامنية العراقية في اعقاب سلسلة من الهجمات استهدفت بغداد في النصف الثاني من العام الماضي، الا ان الجهات المعنية باستيراد تلك الاجهزة في وزارة الداخلية اكدت انها تعمل بشكل جيد، لكن ملف تلك الاجهزة عاد للواجهة بعد قرار  الحكومة البريطانية فرض حظر على تصدير تلك الاجهزة بعد أن أظهرت التحقيقات بأن أحد انواعها والتي تنتجها شركة بريطانية ويستخدم على نطاق واسع في العراق لا يعمل، وفق ما ذكرته شبكة BBC الإخبارية.

وأعرب الدباغ عن استغرابه من أن “الشخص الذي تم التعاقد معه لا يمتلك مكتبا ولا شركة في بريطانيا فكيف تم التعاقد معه، وبعقد بهذا الحجم الكبير”، لافتا إلى ان “هناك اجراء فوريا سيتخذ من قبل جميع القطاعات الامنية اعتبارا من الغد للتحقق من مدى دقة اجهزة كشف المتفجرات تلك وامكانية الاعتماد عليها مائة بالمائة”.

لجنة النزاهة أشرت عدم صلاحية الأجهزة

وقالت النائبة عالية نصيف، إن لجنة النزاهة أشرت مرارا عدم صلاحية أجهزة كشف المتفجرات والافتقار للشفافية في العقود المتعلقة بشرائها وطالب نائب آخر الحكومة  باتخاذ موقف حاسم بشان الموضوع، في حين  نفى مدير إعلام مديرية المتفجرات رداءة الأجهزة واصفا أيها بـ”ذات الكفاءة العالية”.

وذكرت النائبة عالية نصيف لوكالة أصوات العراق أن لجنة النزاهة “أثارت أكثر من مرة مسألة عدم وجود شفافية في عقود شراء أجهزة كشف المتفجرات لاسيما بعد أن عرضت للتجربة وتبين أنها غير صالحه للمهمة”، مشيرة إلى أن الأمريكان “بينوا أيضا عدم إمكانية استعمال هذه الأجهزة”.

وأضافت أن هنالك “فسادا إداريا وماليا في عملية شراء هذه الأجهزة بالرغم من الميزانية الكبيرة التي خصصت لها”، كاشفة عن وجود تقارير دولية وصلت اللجنة بشأن “عدم صلاحية هذه الأجهزة”.

من جانبه نفى مدير إعلام مديرية المتفجرات في وزارة الداخلية العقيد ستار جبار أن تكون أجهزة كشف المتفجرات “رديئة النوعية”، مشيرا إلى أنها كانت “ذات كفاءة عالية وحققت انجازات كثيرة لاسيما في حملات صوله الفرسان وبشائر الخير وأم الربيعيين”.

وأفاد جبار لوكالة أصوات العراق أن القوات الأمنية “كشفت العديد من مخابئ الأسلحة والعبوات الناسفة والعجلات المفخخة باستعمال هذه الأجهزة”، منوها إلى أنها “جربت ميدانيا وعمليا ولدينا الكثير من الأدلة والإثباتات الموثقة لدينا ولدى الفضائيات بشأن التجارب على هذه الأجهزة”.

واستدرك في بعض المرات “حدثت هفوات لكنها كانت بسبب المشغلين لا الأجهزة، وتابع “لو استعملت هذه الأجهزة من قبل المشغلين في السيطرات بنحو صحيح لأثبتت فعاليتها وجدارتها في الشارع والميدان”، بحسب تعبيره.

الافراج عن مصنّع الأجهزة المثيرة للجدل

وأفرجت السلطات البريطانية بكفالة عن مدير الشركة المصنعة لاجهزة كشف المتفجرات المستخدمة في عشرين بلدا شرق اوسطيا من بينها العراق، بعد اعتقاله الجمعة الماضية، فيما أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بتشكيل لجنة تحقيقية بالاجهزة، بحسبما ذكرته شبكة بي بي سي الاخبارية.

وقالت الشبكة إن مدير شركة المنظومات المتطورة ATSC جم ماكورماك (53 عاما) اعتقل الجمعة للاشتباه بممارسته الاحتيال من خلال التحريف، حسب ما ذكرت شرطة افون وسوميرست. واخلي سبيله بكفالة.

وبيّنت بي بي سي أن هذا الاعتقال جاء بعد أن اجرت تحقيقا تلفزيونيا يقول إن جهاز ADE-651 غير ناجح، مشيرة إلى أنها علمت أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي امر باجراء تحقيق عن كاشفات القنابل هذه، ويتوقع أن يصدر تقرير بشانها في وقت قريب.

واعلنت الحكومة البريطانية حظرا على تصدير الجهاز إلى العراق وافغانستان، حيث توجد قوات بريطانية.

وكان ماكورماك قال إن الجهاز، الذي يباع من مكاتب في سباركفورد وسوميرست، يستخدم بطاقات الكترونية خاصة تستبدل فيه لكشف المتفجرات.

لكن بي بي سي أوضحت أن تحقيقا لها نقل أن مختبرا للكومبيوترات ذكر أنه فحص بطاقة الجهاز ووجد أنها تحتوي فقط على شريحة تستخدمها المحال التجارية لمنع السرقة.

ويذكر أن الجيش الامريكي في العراق اشار قبل شهر تقريبا إلى عدم فاعلية اجهزة كشف المتفجرات المستخدمة في العراق، فيما ذكرت الشبكة أن هناك مخاوف من أن اجهزة الكشف فشلت في ايقاف الهجمات التي اودت بحياة المئات من الاشخاص.

ويتكون الجهاز من هوائي متحرك يقف على قبضة اليد. ولا يعمل الجهاز بالبطارية، بل من الكهرباء الساكنة في جسم المستخدم، حسب ما تقول الاعلانات الترويجية.

وقالت الشبكة إن جهاز ADE-651 قد بيع منه بالفعل إلى مجموعة من بلدان الشرق الاوسط ومناطق بعيدة مثل بانكوك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/كانون الثاني/2010 - 11/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م