أزمة جوجل الصينية... معركة سياسية أم حسابات اقتصادية

واشنطن تحتج وبكين تطالب باحترام القانون

شبكة النبأ: هز تهديد عملاق البحث على الإنترنت جوجل بالانسحاب من السوق الصينية إذ لم تتخل السلطات عن أساليب الرقابة الكثيفة، أوساط الصناعة على مستوى العالم، لكنه لم يحدث التأثير المطلوب، بعد إهمال بكين لوعيد جوجل.

ولم تبد الصين، التي تحوي 360 مليون مستخدم للإنترنت، أي مؤشر على تقديم تنازلات، بل سارعت إلى مطالبة جوجل وغيرها من الشركات العاملة في البلاد، التعاون مع أشكال الرقابة التي تفرضها الدولة على الانترنت.

وكانت جوجل قالت إنها ربما تغلق خدمتها باللغة الصينية ومكاتبها في الصين بعد هجمات الكترونية مصدرها الصين استهدفت أيضا شركات أخرى وكذلك هجمات على معارضين باستخدام خدمة البريد الإلكتروني الذي تقدمه الشركة  جي ميل.

وقال بيان للشركة إنه على إثر تلك الهجمات، فإنها قررت عدم الانصياع لمرشحات الإنترنت التي تفرضها السلطات الصينية، وهددت بالانسحاب من البلاد إذا لم تتعاون الحكومة معها.

وربما تؤدي قضية جوجل إلى تفاقم التوترات بين بكين وواشنطن اللتين تختلفان حول قيمة اليوان ونزاعات تجارية، وقد حث كبير المشرعين الصينيين وو بانغ الولايات المتحدة على "احترام المصالح الجوهرية للصين، ومعالجة المسائل الحساسة على النحو الملائم.

من سيكسب المعركة

من جهته قال كبير محامي "جوجل" ديفيد درموند بأن الشركة "تود الحديث إلى الحكومة الصينية حول إمكانية تشغيل محرك بحث لا يخضع للرقابة في البلاد، لكن إذا تعذرت سبل الحوار فإننا سنفكر في خيارات أخرى منها إغلاق موقعنا ومكاتبنا بالصين بالكامل."

لكن الوزير وانغ تشين من مكتب إعلام مجلس الدولة الصيني حذر من المواقع الفاضحة ومن الهجمات الالكترونية ومن الاحتيال عبر الانترنت ومن الشائعات قائلا إن لدى "الحكومة ووسائل الإعلام على الانترنت مسؤولية تجاه تشكيل الرأي العام." بحسب (CNN).

وتحجب "جوجل" الكثير من موضوعات البحث التي تعتبر حساسة في الصين، وتنصاع مثل غيرها من شركات الإنترنت لقوانين تفرضها الدولة على مزودي خدمات البحث أو الاتصال بالشبكة الدولية.

التقليل من أهميتها

الى ذلك قللت الصين، من أهمية تهديد شركة "جوجل" بالانسحاب من البلاد، بسبب هجمات قرصنة، ومسألة الرقابة الحكومية، قائلة إن هناك العديد من الحلول أمام جوجل، ومشددة على ضرورة التزام جميع الشركات بالقوانين الصينية.

وقال ياو جيان المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية إن هناك "الكثير من السبل لحل مشكلة جوجل،" لكن على جميع الشركات الأجنبية في البلاد بما فيها جوجل يجب أن تلتزم بالقوانين الصينية."

وأضاف "أي قرار تتخذه جوجل لن يؤثر على العلاقات التجارية الصينية الأمريكية والعلاقات الاقتصادية إذ أن الجانبين لديهما كثير من السبل للتواصل والتفاوض مع بعضهما... لكننا لدينا ثقة بشأن تطوير علاقات تجارية سليمة مع الولايات المتحدة."

لكن الولايات المتحدة دعمت قرار جوجل بعدم الاستسلام لرقابة بكين على البحث على الانترنت، وقال لورانس سومرز المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض "يبدو لي أن المبادئ التي تحاول جوجل الالتزام بها ليست مهمة في إطار أخلاقي أو حقوقي فحسب ولكنها ذات أهمية كبيرة أيضا على الصعيد الاقتصادي."

وكان عملاق البحث على الإنترنت هدد بالانسحاب من السوق الصينية التي تحوي 360 مليون مستخدم للإنترنت، إذ لم تتخل السلطات عن أساليب الرقابة الكثيفة، لكن الصين لم تبد أي مؤشر على تقديم تنازلات، بل سارعت إلى مطالبة "جوجل" بالتعاون مع أشكال الرقابة التي تفرضها الدولة.

من جانبها اعلنت الخارجية الامريكية انها ستحتج رسميا على الهجمات المعلوماتية التي تشنها الصين على شركة جوجل العملاقة للبحث على الانترنت.

وقال بي-جاي كراولي المتحدث باسم الوزارة ان واشنطن ستستفسر لدى بكين رسميا بهذا الشأن وعما تعتزم القيام به في هذا الشأن.

وكان وزير التجارة الأمريكي، جاري لوك، قد قال إن الصين مطالبة بضمان تأمين بيئة تجارية لجوجل وشركات أخرى.

احترام القوانين

في السياق ذاته قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية انه على الشركات الاجنبية ومن بينها شركة جوجل الامريكية احترام القوانين الصينية واللوائح الجمركية.

وصرح ما تشاوشو بأنه لا يعلم ما اذا كان المسؤولون الصينيون قد أجروا محادثات مع المديرين التنفيذيين لجوجل عملاقة البحث على الانترنت.

وأضاف على الشركات الاجنبية العاملة في الصين احترام القوانين واللوائح الصينية واحترام العادات والتقاليد الصينية وتحمل المسؤوليات الاجتماعية ذات الصلة. وبالطبع جوجل ليست مستثناة من ذلك." بحسب رويترز.

وحين سئل ما مرة اخرى عن شكاوى جوجل من تعرض شبكتها لهجوم في الصين قال المتحدث ان الشركات الصينية تتعرض للهجوم أيضا وان أكد معارضة بلاده لهذه الممارسات.

وأبلغ مستشار للامن القومي الهندي صحيفة تايمز اللندنية ان الحكومة الهندية كانت أيضا هدفا لهجمات على الانترنت بدأت من الصين. وقال ما حين سئل عن ذلك "لا اساس لهذا الزعم."

خطط النمو

من جانب آخر أسعدت شركة جوجل المدافعين عن حرية التعبير عندما هددت بالانسحاب من الصين بسبب مخاوف بشأن القرصنة والرقابة لكن التهديد يقلب رأسا على عقب واحدة من أهم مبادرات نمو الشركة في السوق الصينية.

وقال محللون ان قرار جوجل بمثابة الانسحاب من أكبر سوق للانترنت في العالم حيث يوجد أكثر من 360 مليون مستخدم لان من غير المرجح بشكل كبير أن تسمح الحكومة الصينية بأن يعمل محرك البحث جوجل في الصين دون رقابة. بحسب رويترز.

وقال سانديب أجاروال وهو محلل في مؤسسة كولينز ستيوارت "نرى أن الصين واحدة من أكثر أسواق الانترنت الاستهلاكية جذبا.

"لكن جوجل لا يمكنها تحمل هذا الهجوم بصفتها لاعبا عالميا. ولهذا أعتقد أنها تقوم بتقييم ما اذا كان يجب الانسحاب تماما من الصين."

وتقول شركة أناليسيس انترناشونال للاستشارات في قطاع التكنولوجيا والإعلام والاتصالات ان جوجل تسيطر على نحو 31.3 في المئة من سوق البحث على الانترنت في الصين مقابل 63.9 في المئة لمحرك البحث المحلي بايدو. وتقدر عوائد البحث على الانترنت في الصين بأكثر من مليار دولار سنويا.

وجوجل هي اللاعب الثاني في السوق الصينية لذا فانها لن تتأثر على الفور بانسحابها من الصين. ويقدر محللون أن عوائد جوجل في الصين لا تذكر بالمقارنة مع العوائد السنوية للشركة في 2008 وهي قرابة 22 مليار دولار.

ومع تباطؤ نمو الشركة في أسواق متشبعة مثل الولايات المتحدة فان جوجل بحاجة لكل مصادر النمو التي يمكن العثور عليها كما أن الصين سوق استراتيجية لمعظم شركات التكنولوجيا.

وأطلقت جوجل محركها للبحث باللغة الصينية عام 2006 ويطبق الموقع قوانين محلية تفرض الرقابة على مواد معينة مثل المواد الاباحية واللغة المبتذلة.

وقال كايسر كو وهو معلق في شركة تشاينا انترنت ومدير سابق للاستراتيجية الرقمية في شركة أوجيلفي تشاينا "هناك الكثير من المشاكل التي سبق أن أعاقت جوجل لكن لم يكن كلها بسبب تضييق الحكومة الصينية الخناق عليها."

ميكروسوفت لا تعتزم الخروج

من جهة أخرى قال الرئيس التنفيذي لشركة ميكروسوفت ان الشركة ليس لديها خطط للانسحاب من الصين مقللا من مخاوف تتعلق بالهجمات في الآونة الأخيرة على الانترنت والرقابة التي أثارتها شركة جوجل المنافسة.

وقال ستيف بالمر الرئيس التنفيذي لميكروسوفت لرويترز بعد اجتماع بشأن تحديث خدمات الحكومة في البيت الأبيض "تقع هجمات كل يوم. ولا اعتقد ان هناك شيئا غير معتاد ولذا لا أتفهم. بحسب رويترز.

"نتعرض لهجمات يوميا من كل اجزاء العالم ولا اعتقد ان الاخرين جميعا يتعرضون لذلك ايضا. لم نر شيئا غير معتاد."

وفي رده على سؤال عما اذا كانت ميكروسوفت لديها اي خطة لسحب اعمالها من الصين قال بالمر "لا". وقال بالمر "لا افهم كيف سيفيد ذلك في شىء ولا افهم كيف سيساعد الصين."

وفي وقت سابق من قال بالمر لمحطة "سي.ان.بي.سي" التلفزيونية ان ميكروسوفت ليس لديها خطط للخروج الصين.. "نحن واضحون تماما سنعمل في الصين وسوف نلتزم بالقانون."

احتمال تورط أحد موظفيها

على صعيد متصل قال مصدران ان شركة جوجل الامريكية عملاقة البحث على الانترنت تحقق فيما اذا كان موظف أو أكثر من موظفيها في الصين قد تواطأ لتسهيل هجوم على شبكتها في منتصف ديسمبر كانون الاول.

وقال المصدران المطلعان على الموقف أن موظفين في مكتب جوجل بالصين ربما يكونوا قد سهلوا الهجوم الذي استهدف أناسا لديهم امكانية الوصول لاجزاء معينة من شبكات جوجل.

وقال متحدث باسم جوجل "لا نعلق على الشائعات ولا التكهنات. التحقيق مستمر وببساطة لا يمكننا التعليق على التفاصيل." بحسب رويترز.

وقال محللو أمن أن البرنامج الخبيث المستخدم في الهجوم على جوجل هو نسخة معدلة من أحد برامج حصان طروادة (تروجان) يسمى هايدراك. وحصان طروادة هو برنامج خبيث يتيح فور دخوله أحد أجهزة الكمبيوتر الوصول غير المسموح به لهذا الجهاز.

علي بابا تنتقد ياهو

من جهته وصف شريك ياهو في الصين موقف محرك البحث العملاق بأنه غير مسئول لدعمه جوجل في نزاعه مع بكين بشأن هجمات اليكترونية مزعومة.

وقالت شركة ياهو انها منحازة لموقف جوجل بان انتهاك خصوصية الانترنت امر مثير للقلق ويستحق معارضته. الا ان متحدثا باسم مجموعة علي بابا قال ان شركته لا تتفق مع هذا الراي .

وكانت شركة ياهو اغلقت مكاتبها في الصين قبل عدة سنوات عندما باعت معظم اعمالها هناك لمجموعة علي بابا، التي تملك ياهو 39 في المئة من اسهمها.

وتدير تلك المجموعة موقع تاوباو، اكبر موقع تجارة تجزئة اليكتروني في الصين، واكبر موقع للتجارة الاليكترونية في الصين: علي بابا دوت كوم.

وكانت متحدثة باسم ياهو قالت ان الشركة تدين اي محاولات للتسلل الى شبكات الشركات للحصول على بيانات مستخدميها .

وتفيد الانباء بان موقع ياهو تعرض ايضا لهجمات القراصنة في الصين لكنه لم يعلق على الامر.

وقالت المتحدثة لصحيفة وول ستريت جورنال: نتضامن مع وجهة النظر بان تلك الهجمات مثيرة للقلق ونعتقد ان انتهاك خصوصية المستخدمين امر يتعين علينا نحن رواد الانترنت ان نعارضه .

لكن المتحدث باسم مجموعة علي بابا، جون سبليش، قال ان شركته ابلغت ياهو ان بيانها بانها منحازة لموقف جوجل غير مسؤول لعدم وجود ادلة ثابتة. واضاف: مجموعة علي بابا لا تتفق مع وجهة النظر تلك .

ورفضت متحدثة باسم ياهو التعليق على احتمال ان تبيع الشركة نصيبها في الشريك الصيني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/كانون الثاني/2010 - 5/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م