السكن في العراق معاناة مكتوبة على رمال الصحاري

علي الطالقاني

يدل المشهد العام عن الأوضاع المعيشية في العراق على جملة من التعقيدات ويعود ذلك لأسباب اصطنعتها الأنظمة السياسية التي حكمت العراق طوال خمسة عقود، وعلى رأس هذه التعقيدات أزمة السكن، ونجد عملية الاستجابة لهذه الحاجة المتنامية بطيئة جداً وربما معدومة. لتتحول أزمة السكن فيما بعد إلى أزمة اقتصادية أثرت على ارتفاع أسعار الإيجارات حيث شكل هذا الارتفاع المؤثر الأكبر في السوق حيث أدى إلى تمزيق العوائل الكبيرة.

تشير الأرقام البيانية الخاصة بالأزمات في العراق إلى أن السكن على رأس الجدول، وأن هذه المشكلة المستعصية تتطلب البدء بمعالجتها، حيث لم يعد امتلاك دار للسكن أمراً هيناً وسط ارتفاع أسعار العقارات وصولا إلى بدل الإيجار، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن العراق بحاجة إلى أكثر من مليوني ونصف وحدة سكنية، حيث يسكن17% بطريقة عشوائية، أما الذين يسكنون في أراضي تابعة للحكومة تبلغ نسبتهم 21%، فيما يسكن 23% من العائلات في منازل غير مؤهلة صحياً وأن ثلثي دور السكن تشكو من اختناقات سكانية، في حين أن الأسر الجديدة لا تستطيع الانفصال عن العائلة الأم لأسباب اقتصادية.

ويبلغ معدل الذين يسكنون في الغرفة الواحدة من خمسة أشخاص إلى ثمانية. وما يزيد الأمر تعقيدا هو توقف توزيع قطع الأراضي على المواطنين من قبل الحكومة، وارتفاع أسعار مواد البناء، وعرقلة مشاريع الإسكان الحكومية.

والأكثر خطورة من ذلك الحملة التي يطلقها بعض رموز السياسة لطرد مايسمى "بالمتجاوزين" على الأراضي التابعة للدولة والتي يتخذها بعض المواطنين سكنا لهم. في حين نجد بعض المسؤوليين يمتلكون أراضٍ في مواقع إستراتيجية ويسنون قوانين تخص المهجرين -على اعتبار هم أنفسهم مهجرون- لمنحهم مزايا عن باقي أفراد الشعب من أجل الحصول على قطعة أرض وسلفة للبناء وغير ذلك من التسهيلات.

كان هؤلاء المسؤولون قبل كل انتخابات يبالغون في الشعارات والخطابات التي تحمل عناوين براقة بمكافحة أزمة السكن، ولكن ما أن حصلوا على مرادهم الانتخابي حتى انقلبت الموازين وتوارت الشعارات، فأسقطوا هذه الشعارات وبدلوها بشعار الهدم القائل "دمر وألعب على كيفك" يبذلون جهداً من أجل تهديم غرف مهترئة يقطنها مواطنون لا يتملكون شبراً من الأرض في وطنهم، ولا يترددون في تهديم مبنى عائد لمواطن فقير لم يجد ملجئاً سوى غرفة من الطين، يقولون أن هذه الأراضي هي ملك للدولة. معطلين نصوصا في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تتحدث عن حرية التملك فهناك حديث نبوي يقول "الأرض لله ولمن عمرها"، وحديث آخر  ينص " بأن "من أستطاع أن يحيي أرضا ميتة فهي له"...الخ.

إضافة إلى إدعاءات تنص على أن الكثير من بيوت "التجاوز" يقطنها لصوص وعصابات، وآخرون من محافظات عراقية أخرى وبالتالي أن الحكومات المحلية غير قادرة على توفير المدارس والسكن والكهرباء والماء. فعليهم أن يعودوا إلى محافظاتهم.

لقد تفننوا في صياغة أساليب مصادرة المنازل، وتذرعوا بأن الأراضي هي للنفع العام في حين أن هناك أراضي تم الاستيلاء عليها بحجج واهية وزعت على فئات أخرى من الناس، بينما نرى معاناة الإنسان العراقي الفقير مكتوبة على رمال البراري الواسعة والصحاري التي يقطنها ممن ليس لهم جهة قوية تقف خلفهم. أما بعد تهجيرهم فتقرر هذه العوائل  أما أن تسكن بمنطقة أبعد في الصحراء أو تضطر للسكن بالإيجار أو تفترش المتنزهات، حتى تبيع هذه العوائل كل ما تمتلكه من مواد منزلية ومن ثم يموتوا وفي صدورهم غصة السكن المريح.

إن الحلول الجذرية لهذه الأزمة المستعصية يصعب حلها بقرارات وقتية كما حدث في محافظة كربلاء فعندما قررت الحكومة المحلية عام 2007 بترحيل بعض العوائل التي تسكن بطريقة "التجاوز" جاء كتاب رئاسة الوزراء ليوقف عمليات الهدم للمنازل بعد أن توسط الدكتور أحمد الجلبي بين المواطنين والحكومة.

قبل أن يجري ترحيل باقي العوائل التي لا تمتلك دارا للسكن ينبغي أن تشن حملة سياسية وإعلامية قبل الانتخابات النيابية المزمع عقدها في مطلع هذا العام، تقول إن فكرة الخروج من المنازل غير ممكنة وان تقديم الضمانات من قبل الأحزاب الكبيرة لهذه العوائل بات أمرا مطلوبا وإستراتيجيا لعله يساعد في تملك هذه الأراضي.

ومن بين الحلول الأخرى والمهمة أن يفعَّل قانون الاستثمار الذي يوفر أرضية ويمنح مزايا للشركات والمستثمرين من أجل تنمية مشاريع الإسكان عبر تخصيص الأراضي، ومن أهم ما يكون هو تخصيص أراضي تقام عليها مشاريع سكنية، وإيجاد آلية قادرة على توفير القروض الميسرة للمواطنين، وإيجاد آلية تساعد الفقراء  وأصحاب الدخل المحدود في الحصول على مسكن مريح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 10/كانون الثاني/2010 - 24/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م