الحريات و الحقوق والخصوصية

في ضوء ظاهرة رسائل الهاتف الجوال

مازن الياسري

هل هنالك احترام لحقوق المواطنين و حرياتهم و خصوصياتهم.. ام ان هذه المقدسات الشخصية لا تستخدم في مجتمعنا الا لتزين شعارات السياسيين او لتندرج حبراً على ورق يطلق عليه الدستور، اما على ارض الواقع فلا وجود لها.. اليست هنالك اجراءات رسمية او اعراف واقعية لصيانة حقوق المواطنين و خصوصاتهم و حرياتهم، اليست هنالك حرمة لخصوصية معلومات المواطنين و لحرياتهم في صون خصوصياتهم و عدم السماح للمتطفلين بأزعاجهم او بعبارة اخرى اين حق المواطن في ان يكون مخير و ليس مسير..

قبل مدة قرأت مقال للكاتبة الامريكية من اصول سورية (مرح البقاعي) تتحدث فيه عن خرق ما بعده خرق لخصوصية المواطن الامريكي و تعدي على خصوية بيانات مستخدمي الهاتف الجوال في الولايات المتحدة.. عندما استيقظت (الكاتبة) صبيحة يوم اعلان نتائج الرئاسة الامريكية في الرابع من تشرين الاول من العام السابق على رسالة هاتف محمول ( sms ) تقول (A great day in America, it is time for Obama)، ما معناه : (هذا يوم عظيم لأميركا، إنه زمن أوباما)، الكاتبة عالجت في مقالها المعنون (زمن أوباما العربي) و بأستياء معنى هذا الخرق الجارح للخصوصية و لحرية الاختيار.. و الذي يرتبط بأستخفاف بخصوصية معلومات المستخدمين لدى شبكة الهاتف.. التي قدمت ارقام مشتركيها لتستلم هكذا رسالة.. الكاتبة اعتبرت ان هذه الظاهرة تعني ان الغزو الثقافي الامريكي تجاه العالم العربي ما هو الا خدعة.. فالحقيقة ان العرب هم من غزو بثقافتهم امريكا.. بأشارة ساخرة لثقافة العرب الاعلانية بتقديس الشخصيات السياسية حد العبادة كما فعل اسلافهم مع الاصنام.

ولعلي اتذكر كم ازعجني هذا المقال عندما قرأته.. ليس اعتراضاً على فكرته او نصه، على العكس، الا ان ما زعجني هو المقارنة بين الخصوصية التي يتمتع بها المواطن الامريكي.. و بين خصوصية المواطن العراقي و حقوقه و حرياته المنتهكة حتى النخاع.. و مع ايماني بصدق وجهة نظر الكاتبة حول قدسية الحريات و الحقوق و الخصوصية  للمواطن.. الا انني اتذكر انني علقت على المقال معتبراً ان بطراً او ترفاً ان ينزعج مواطن من رسالة هاتف جوال تخبره بأن اوباما اصبح رئيساً للولايات المتحدة.. في حين و في بلادي في موسم الانتخابات تلقيت ما يزيد عن عشرين رسالة تروج لمرشحين، انا من ادعي اني الكاتب السياسي لم اسمع بهم فكيف المواطن البسيط.. فالمقال يشعر القارىء العراقي بمدى الانتهاك الصريح لخصوصيته.

بطبيعة الحال كنت قد عزمت كتابة مقال انتقد به ظاهرة ارسال الدعايات الانتخابية عبر رسائل الهاتف للمستخدمين.. وهي خرق صريح لخصوصية المستخدم، و سلوك غير امين مع خصوصية المعلومات (ارقام هواتف المستخدمين) لدى الشركات.. كما ساهم قيام بعض الجهات الحكومية الرسمية بالتهنئة عبر رسائل الهاتف الجوال ايضاً ببعض المناسبات كالاعياد من ازدياد امتعاضي على هذا اللا احترام الصريح لخصوصية المواطنين.. فلم يكتف بعض الساسة بما يمتلكوه من منظومات اعلامية صحف و فضائيات و مواقع انترنيت.. بل ازدادوا غياً بإرسال الرسائل القصيرة للمواطنين.. بالتالي لم اعد افهم هل زالت دكتاتورية البطش لتحل محلها دكتاتورية فرض الاراء، و هل زالت حكومة (الاعلام الموجه) لتحل مكانها حكومة (الاعلان الموجه).. لست اعلم !

 وما استوقفني قبل الكتابة.. ان هذا الانتهاك لخصوصية المواطن يأتي ضمن برنامج ذو مردود مالي للشركة (اعلان مدفوع الاجر) و هذا يعني الازدياد الطردي للظاهرة مع ازدياد الارباح بالتالي ازدياد الانتهاك لخصوصية المستخدم.

الا ان متغيراً طرأ على ألية رسائل الدعاية عبر الهاتف الجوال.. ربما اكثر غرابة من ما قلته اعلاه.. حيث دأبت شركة (زين) وهي اتحاد لشركتين عالميتين تؤمن خدمة المحمول للعراق.. مع شركات اخرى بطبيعة الحال، بموجة محمومة و جارفة من الرسائل القصيرة الاعلانية و بشتى المواضيع.. و بدون مراعاة لخصوصية المستخدمين او لآوقات استخدامهم.. رسائل قصيرة تأتي بأوقات مختلفة لا يراعى بها حتى جنس المستلم فتارة تستلم نصائح عن الجمال و اشترك بقناة البنات لتحصل على نصائح للبنات وهي يفترض ان تكون موجهة حصرياً للسيدات و تارة استلم رسالة تدعوني للاشتراك لمعرفة نتائج نادي ريال مدريد او نوادي اخرى، فضلاً عن دعوات الاستماع للذكر الحكيم او للادعية.. كأن ليكون دعاء باسمك، و رسائل تدعوك لقراءة الحكم و المواعض او المواضيع الرومانسية.. او اهداءات الاغنيات او رسائل مسابقات اختبار الذكاء او لمعرفة الطقس.. اضافة الى عشرات الرسائل اسبوعياً التي تطلب مني ان ارسل رقماً او كلمة لاربح مبلغاً بالدولار، او اعرف برجك.. و الى اخره من شتى المواضيع التي تصل دوماً كرسائل قصيرة.. هذا فضلاً عن التهاني بالاعياد و التعازي بالمناسبات الدينية.. اليست هذه مهزلة.. ثم لنترك هذا الكلام كله..

اليس من المستغرب ان استيقظ من غفوتي في الساعة الرابعة فجراً على نغمة وصول رسالة، لا اعلم فحواها في هذه الساعة من الفجر هل حصل مكروه لاحد ما.. ما هذه الرسالة.. وفي ذهول و استعجال افتح الرسالة لاجدها دعوة للمشاركة بمسابقة بأرسال رقم كذا لكذا لتحصل على جائزة 100 دولار.. اي مهزلة و استخفاف هذا.

انا لست ضد شركات المحمول.. و لست معني بأرباحها من الاعلانات.. فهذا شأنها التجاري و هي حرة فيه.. ما يعنيني هو ان احصل على خدمة جيدة في الاتصالات.. و ان تحترم خصوصيتي كمستخدم.. فالشركة قادرة ان تستخدم الاعلانات بأي وسيلة لا تسيء لخصوصية المستخدم او تصل معه الى درجه اقرافه بعشرات الرسائل اسبوعياً او شهرياً.. هنالك وسائل دعائية اكثر امكانية للوصول و لا ترتبط بأنتهاك خصوصية المشتركين او تتعدى على مزاجهم اليومي و ساعت عملهم او رخائهم.. فبإمكان شركة الهاتف المحمول ان تشتري قناة فضائية لتروج لخدماتها ليل نهار كما بأمكانها تقديم موقع الكتروني يقدم هذه الخدمات و مزيد ايضاً.. الا ان يبقي المستخدم اسيراً لرسائل دائمة.. فهذا ازعاج شديد وتعدي على خصوصية المستخدم.

و لتنتبه الشركة ان التفاعلية بين المنتج و المستهلك ليس من جانب واحد و انما من جانبان.. فليس من الانصاف ان تقدم الشركة ما تريد ايصاله بأسهل الطرق و هو الرسالة القصيرة.. في حين يعجز الكثير من المستخدمين و لساعات طويلة بالاتصال بخدمة الزبائن الخاصة بالمستخدمين.. بالتالي لو كان هنالك موقع انترنيت او شبكة تفاعلية او فضائية مختصة او اذاعة ربما.. تتبع للشركة المانحة الخدمة، سيساهم ذلك بتفاعلية ايجابية بين الشركة والمستهلك.. وستتيح للشركة زج ما تريد من اعلانات و تتيح للمستخدم استعمال ما يريد من المعروضات.. لا ان يتحول هاتف المستخدم الى صندوق دعائي او منبر انتخابي.

و نحن اليوم مقبلين على انتخابات وفي ظل موسم ديني.. لابد ان يحترم الساسة والشركات العاملة في مجال خدمات المحمول في العراق.. ان للمواطن و مستخدم الهاتف خصوصية مقدسة لا يجوز خرقها بأسم الاعلان المفروض او الموجه او الاجباري.. و اذكر الساسة خصوصاً ممن تعودوا ارسال ارقام قوائمهم.. الم تقرأوا عن الحريات و الخصوصية وحقوق المواطنة.. ام ان هذه المسميات الجميلة لا تستخدمونها الا في ادبياتكم و خطبكم.. اما على ارض الواقع... فلا تعليق

www.alyasery.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/كانون الثاني/2010 - 16/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م