صناعة الرأي العام أو إعادة تشكيله

مرتضى بدر

كيف تتعرف على نبض الشارع؟ كيف يُصنَع أو يُقاس الرأي العام؟ لماذا أصبح قياس الرأي العام ضرورة حيوية لصُنّاع القرار في الدول الديمقراطية؟ ما هو دور الرأي العام في صناعة القرار وصياغة القوانين؟ هل تحوّل استطلاع الرأي العام إلى علم بذاته؟ ما هو الدور الذي تلعبه الحكومات وجماعات الضغط (اللوبيات) والشركات الإعلامية في تشكيل أو توجيه الرأي العام في عالمنا العربي والإسلامي؟ ما هو الفرق بين صناعة الرأي العام والتأثير في الرأي العام؟

 مصدر الفكرة هو العقل، إنما طريقة بروزها إلى النور فهي العاطفة. ولكي تؤثّر في الرأي الآخر عليك أولاً بإثارة عواطفه، ومن ثَمّ تخاطب عقله، وبهذه الطريقة تضمن استحكامك وتأثيرك في الرأي الآخر.

منذ الثمانينات من القرن الماضي أُدخِلت تحسينات متطورة، ومؤثرات عديدة، وأساليب جديدة، وتقنيات حديثة، في عمليات صناعة الرأي العام أو إعادة تشكيله وفق مصالح وأهداف، إما سياسية أو عسكرية أو تجارية.

 إنّنا نستطيع تسمية عصرنا الحاضر بعصر المؤثّرات الإعلامية؛ ذلك لأنّ الإعلام وبفضل التقنية الرقمية والإنترنت أصبح سمة من سمات العصر الحالي، وأصبح المتحكّم في العقول والعواطف. اليوم أضحى الإعلام هو القوّة المؤثّرة التي لا يقلّ تأثيرها عن الأسلحة المدمرة، وعادةً ما يتحول الإعلام الموجّه إلى أسلحةٍ للخداع الشامل، خصوصا في فترة الصراعات السياسية والعسكرية بين الدول.

 الكيان الصهيوني استخدم بضراوة سلاح الإعلام في فترة الحرب على غزة، مستخدماً القنوات الفضائية وشبكة الانترنت، كما اتبع أسلوب استطلاعات الرأي بلغات عدة بهدف تضليل الرأي العام العربي والعالمي، وكذلك فعل الإعلام الغربي قبل وبعد الحرب على يوغسلافيا والعراق. إذًا الإعلام هو سلاح ذو حدين، خفيف الوزن، لكنه مثير للعقل، ومُحفّز للضمير، قد يصنع الحدث من لا شيء، أحياناً يضخّم حدثًا ما وفق مقتضيات المصلحة، وأحيانًا آخر يحجب أو يقلّل من شأن حدث آخر، وهكذا دومًا كان ومازال خبراء الإعلام يتلاعبون بالعقول.

الكاتب خالد اللحام ألّف كتاباً بعنوان (صناعة الرأي العام) وحسب تعريف الناشر: “ربما يكون الكتاب مفيداً لطلاب الإعلام، فهو في صلب اختصاصهم، وفيه يتعرفون على أساليب صناعة الرأي، وطرائق الكذب والتضليل، والتدريب على تبيّن الخبر الصحيح من الخبر الكاذب، والتمييز بين الخبيث من الطيب”. وأما في الغرب فقد صدرت عشرات الكتب التي تتحدث عن استطلاعات الرأي وصناعة الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة.

وفق ما أوردت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 4 يناير من هذا العام، فقد نشر فلويد ألبرت ((Floyd.H.Allport بحثاً في دورية الرأي العام الأميركية بعنوان “نحو علم للرأي العام” ((Towards a science of public opinion، عرّف فيه الرأي العام بأنّه تعبير عدد كبير من الأفراد عن آرائهم حول موقف معين، تأييدًا أو معارضةً، بحيث يكون عدد المؤيدين أو المعارضين كافياً لممارسة التأثير على موضوع أو سياسة معينة، سواء كان التأثير مباشرًا أو غير مباشر، وسواء كان تعبيرهم بمبادرةٍ منهم أو بناءً على استفتاءٍ يقدَّم لهم”.

من المعروف أن الصحافي جورج غالوب George.H.Gallop هو أول من أقدم عام 1974 على استطلاع عالمي للرأي؛ بهدف معرفة التباينات في آراء الأفراد بخصوص المتغيّرات السياسية والاقتصادية والصراعات المسلحة في العالم... في خضم المعلومات الهائلة والأرقام والنسب المئوية التي تنشرها الصحف ومراكز الرأي العام المنتشرة في العالم حول المستطلعين آراؤهم في العديد من الدول عن قضايا مختلفة، فإنّنا نتساءل: أين دور العالم العربي في هكذا نوع من البحوث والمتابعات للرأي العام؟ أليس استطلاع الرأي يُعتبَر رافدًا مهمًا لمعرفة آراء وتوجهات المجتمع في قضايا مختلفة؟ لماذا يتم تجاهل آراء الناس في قضاياهم اليومية والمصيرية؟ ولماذا يُستخدَم الإعلام فقط للتضليل والتضخيم والبهرجة، وإعادة تشكيل الرأي العام وفق مصلحة السلطات الرسمية؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/كانون الاول/2009 - 4/محرم/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م