جشع الكوادر الطبية وضعف الخدمات اللازمة للمواطن

 

شبكة النبأ: عندما يضمحل دور الرقابة الذاتية ويضعف دور الضمير في مراقبة افعال حامله، ستُركَن المبادئ الانسانية والاخلاق جانبا وستطغي على الانسان نزعة الطمع فيبدأ يمارس جميع الحالات المرفوضة دينيا واخلاقيا وعرفيا من اجل الحصول على المال.

وقد لا يستغرب المراقب ظهور حالات الطمع والجشع في قطاعات تجارية او اقتصادية او مالية تابعة للقطاع الحكومي اوغيره، لكن ان تتصاعد وتيرة الطمع والجشع في المراكز والمستشفيات التابعة للحكومة او العيادات الخاصة، فهذا الامر يشكل علامة استفهام قوية ويدعونا الى البحث الدقيق في اسباب هذه الظاهرة ومحاولة القضاء عليها او الحد منها في اضعف الايمان.

إن معالجة الانسان كائنا من كان، هي فعل انساني قبل أن يكون سببا لاستحصال المال او غيره من الاهداف، ولهذا السبب أُطلقت التسمية المعروفة على الاطباء ومساعديهم (ملائكة الرحمة) وهي صفة يتداولها الناس حتى الفقراء والبسطاء منهم، بل كثير منهم آمن فعلا بأن الطبيب هو ملاك الرحمة الذي يعالجه في شتى الظروف وينقذ حياته من الموت او من الآلام التي قد ترافقه مدة طويلة بسبب المرض فتشل حياته وتدمر حاضر ومستقبل عائلته.

ولكن مع تقادم الايام واختلال القيم في المجتمع وظهور نزعة الجشع والاستحواذ وحب المال واكتنازه، بدأت مبادئ (ملائكة الرحمة) بالتراجع الى الوراء وأخذ الضمير يضعف ويتراجع بدوره لتحل محله ظاهرة الحصول على المال من المرضى تحت شتى الظروف والاساليب التي لا تمت للانسانية بصلة.

ولكي لا يكون كلامنا غير مدعوم بالحقائق نذكر هذه الحادثة التي وقعت في احد مستشفيات الولادة، فقد أرسل احد الازواج زوجته على اثر نوبات الطلق الى مستشفى الولادة المذكور بعد أن اكتملت شهور الحمل التسعة، بيد أن القائمين على هذه المستشفى أي كادرها الطبي (طبيبات وممرضات وغيرهن) أخبروا الزوج بعد الفحص (الشكلي) من لدن المختصين بأن الولادة لم تحن بعد، فعاد الى بيته مجبرا، لكن حالات الطلق عادت لزوجته من جديد مما دفع الزوج الى العودة بها الى المستشفى المذكور، وقد أخبره الكادر الطبي نفسه بأن وقت الولادة لم يحن بعد، ثم سّرِّب الى الزوج هذا القول من احدى الممرضات (عليك أن تُدخِل زوجتك في قسم التوليد العام مقابل 350 ألف دينارا) وقد فوجئ الزوج بهذا المبلغ كونه من الكسبة ولا يستطيع ان يقدم مثل هذا المبلغ مقابل توليد زوجته، وهكذا بقيت هذه الحالة في دوامة عوز الناس وجشع (ملائكة الرحمة) التي لم تعد كذلك أبدا في ظل بحثها الجامح عن المال واكتنازه على حساب الفقراء.

وهكذا نرى أن حب المال اصبح البديل المهم للقيم الانسانية عند أغلب  الكوادر الطبية ولا يُستثنى من هذه الحالة القطاع الطبي الخاص، فالطبيب الفلاني المختص في هذا الجانب او ذاك يفرض مبالغ كبيرة مقابل الكشف عن المريض لا تتناسب مع دخل الفقير او الكاسب ولهذا يمكن ان نقول ان مثل هذه العيات مخصصة للاثرياء والقادرين على الدفع، أما الفقراء فهم في معزل عن مثل هذه الخدمات، كما اننا يمكن ان نلاحظ اختلاف تعامل الطبيب مع مراجعه في عيادته الخاصة وبين مراجعته للمستشفى الحكومي مع انه يتقاضى راتبا جيدا عن خدماته تلك.

 ولذلك ينبغي أن تتدخل الدولة بقوة في هذا المجال، وأن تضع آلية محددة وواضحة للتعامل مع ذوي الدخل المحدود لا سيما في هذا الجانب الذي يتعلق بحياتهم وصحتهم، إذ ينبغي مثلا الغاء الاقسام الخاصة في المستشفيات العامة، أي تقديم العلاج المجاني للناس بلا استثناء مع تشديد الرقابة على (المرتشين) من اصحاب النفوس الضعيفة التي لا تؤمن بأنها هي وذويها تأكل السحت الحرام بمثل هذه الافعال.

على أننا يجب أن نشير الى الاعمال الطبية الجيدة التي تقوم بها بعض الكوادر كالحملات المنتظمة الخاصة بتلقيح الاطفال، كذلك ما تقدمه اقسام مستشفى الاطفال من رعاية للمرضى الصغار اذا ما تعرضوا لامراض معدية خطيرة.

لذلك فإننا لا نريد أن نلغي الجهود المخلصة التي تبذلها بعض الكوادر الطبية بل نشيد بها ونؤكد على انها تقدم ما مطلوب منها في المجال الصحي، لكن هذا لا يعني أن نغض الطرف عن اولئك الذين نسوا بأنهم ملائكة رحمة وأن المال الذي يحصلون عليه بالاساليب الرخيصة المنافية للدين والقيم الاخلاقية والعرفية هو مال حرام لا يجوز ان يطعموا اطفالهم منه ولا انفسهم ولا يجوز ان يقضوا حاجاتهم به لأنه مال وبال عليهم قد يحرقهم في الدنيا قبل الآخرة.

وأخيرا نتمنى أن يعود هذا الكادر او من يرتكب الخطأ منهم الى نزعتهم الفطرية الانسانية التي تهفو الى الخير وحب الناس، وتضع في حسابها إن الله تعالى غير غافل عن الظلم، وفي المقابل يبارك الاعمال الصحيحة لهذا الكادر الانساني او غيره، واذا كان الدور الحكومي الرقابي ضعيف حاليا فليكن الرقيب الذاتي هو الذي يصحح الافعال والمسارات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/كانون الاول/2009 - 26/ذو الحجة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م