استخدام العنف لمعالجة المشاكل في اليمن

لن تجدي نفعاً وستجعل الوضع أكثر تعقيداً

محمود الربيعي

مرحلة الحروب الداخلية

في نظرنا أن الحكومة اليمنية مسؤولة مسؤولية كاملة عن حالات الإقتتال الداخلي الذي يجري على أرض اليمن وبالأخص في منطقة صعدة شمال اليمن، كما أنها مسؤولة عما يجري من التظاهرات والإحتجاجات في مناطق الجنوب مما لم يعد خافيا على المحلل السياسي الذي ينظر الى عدم إكتراث السلطة في إجراء حوار جاد مع مواطنيها بسبب مايلقونه من التهميش السياسي والإقتصادي ويعانون من العزلة الاجتماعية بسبب التخندق الحزبي والمحاصصة الحزبية المقيتة.

الإعتقالات العشوائية غير المدروسة وآثارها السلبية في حياة المواطنين

إن ماتشهده اليمن من حملات إعتقالات عشوائية لم يعد خافيا، فقد أصبح الإعلام اليوم غير الإعلام بالامس..  ففي كل يوم تنشر وسائل الإعلام اليمنية عن طريق الصحف والمواقع الالكترونية مايجري داخل اليمن من أحداث، بالإضافة الى ماتجريه الفضائيات العربية والدولية المتتبعة لإحداث اليمن الداخلية ومايجري من الصراعات على أرضها، وبالخصوص أخبارالإقتتال الداخلي الذي دخل مرحلة صعبة من التدخل الإقليمي الخارجي من قبل بعض الدول المجاورة ذات الطابع الطائفي التي سبق لها أن تدخلت في الشؤون الداخلية للعديد من الدول الاسلامية والعربية لتكرر نفس الفتن التي تشعلها هنا وهناك على حساب دماء الابرياء من شعوبنا المظلومة ولاجل تحقيق مصالحها، وبسبب هواجسها الأمنية ومخاوفها من التغيير الذي قد يطالها وهي تتتعامل مع رعيتها بكل قسوة مع من يخالفها في العقيدة والرأي والمذهب.

الخلط بين الحرية المذهبية والسياسية، والنزاع على السلطة

إن الدولة الديمقراطية التي أختارت لنفسها هذا المنهج عليها أن تلتزم به مع شعبها.. ومن الضرورات الديمقراطية الحرية المذهبية التي يجب ان لاتقتصر على مذهب معين او مذهبين بل يجب أن تسمح للجميع باختيار الفكر والعقيدة الدينية المناسبة له حسب تصوره والتي يجب ان لاتنحصر بتلك الحدود المذهبية الضيقة، وينطبق الامر نفسه على الخيارات السياسية الوطنية والتي يجب أن لاتقتصر على سياسةِ وفكرِ الحزبِ الواحد،  ولابد للساحة الديمقراطية اليمنية أن تشهد ممارسة واقعية جديدة وليست شكلية من أجل أن يكون هنالك تداول سلمي للسلطة.

الحجر على الأفكار خطة طائفية وهابية

إن الدول التي أختارت الديمقراطية سلوكاً سياسياً لها عليها أن تتخلى عن المشروعات السياسية الطائفية، وأن تبتعد عن ممارسة السلوك السياسي الطائفي، وأن توقف كافة أشكال التعاون مع الدول ذات الطبيعة الطائفية، خصوصاً تلك التي تتعلق بالمجال العسكري والأمني الذي يجب أن لايكون عبئا على شعوبها تمارس من خلاله كافة أشكال التصفية الدموية تجاه الطوائف التي تختلف معها في فكرها.

أتباع المذهب الجعفري مسلمون عرب ولهم خياراتهم الفكرية

والمعروف أن أصول المذهب الجعفري أصول عربية نبعت من عمق الجزيرة العربية خلافا لغالبية المذاهب الإسلامية الأخرى التي نبعت من خارج المنطقة العربية والتي ليس لنا طعن فيها بقدر مانريد أن نلفت الأنظار الى حقيقة المذهب الجعفري الذي يتخوف منه البعض رغم مانشر عن هذا المذهب من تشخيص لعقائده وأفكاره وفقهه وممارساته بحيث أطلع عليها القاصي والداني وكان سببا لتغيير إختيارات الكثير من المفكرين والمثقفين ثقافة عالية كما أتخذه بعض علماء الدين منهجا جديدا لهم بعدما وجدوا فيه ماكانوا يفتقدونه من أجابات على تساؤلات كثيرة كانوا بحاجة اليها.

إلتقاء المذهب الجعفري مع سائر المذاهب ومنها المذهب الزيدي

لقد عبر الكثير من الباحثين والمتخصصين والمفكرين والمثقفين عن حقيقة إلتقاء المذاهب والتقارب فيما بينها على الرغم من نداءات التكفير والفتاوى التي تتسبب في خلق النزاعات المذهبية بين المسلمين، ولقد وجد هؤلاء العلماء والمفكرين أن المذهب الجعفري هو من أهم المذاهب الاسلامية التي لاتختلف في جوهرها عن بقية المذاهب الاخرى.

 وإذا بسطنا البحث في المدرستين الرئيسيتين في الإسلام ألا وهما مدرسة أهل البيت ومدرسة الصحابة،  لوجدنا شدة الإرتباط التأريخي والعقائدي والفقهي بينهما واجتماعهم على الكثير من الأصول والفروع، في حين يحاول البعض إنتهاج  سياسات خاطئة في حكم البلاد الاسلامية والتفريق بين المسلمين لإغراض سياسية وإقتصادية لاتمثل روح الدين ولامحتواه الحقيقي.

الحركة الحوثية حركة سياسية داخلية وليست مذهبية

الحركة الحوثية حركة سياسية يمنية داخلية ذات طابع عربي أصيل، ولاتحمل في شعاراتها سياسات مذهبية،  ولاتمثل في صراعها مع الحكومة الطابع الزيدي المذهبي لانها تحمل في أهدافها مطالب وطنية مشروعة في السلطة والبرلمان وفي بقية المصالح الإقتصادية الوطنية والخدمات.

والحركة الحوثية ليست لها علاقة بالحركات السياسية الجعفرية فالعلاقة التي تجمع بين الحركات السياسية الجعفرية والزيدية وبقية الحركات السياسية التي تعتمد فيها على مذهب إسلامي معين إنما تلتقي في مطالبها الوطنية المشروعة داخل النظام الوطني المستقل. فالحركة الصدرية وحركة حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى وغيرها من التشكيلات السياسية داخل العراق تعمل لأجل مواطني العراق دون أن يكون لها أية علاقات جانبية تخل بالأمن الوطني اليمني وهي تحمل خصوصية خاصة تدعو جميع اليمنيين حكومة وشعبا الى حل المشاكل الداخلية بطريق الحوار والطرق السلمية بعيداً عن أعمال العنف المضرة.

المذهب الجعفري له تأثيره الايجابي في المجتمعات العربية والإسلامية

إن نظرة منصفة للتراث العربي الاسلامي الجعفري يجد من خلالها الباحث قيمة التأثير الإيجابي للمذهب بما أثراه من فكروثقافة وفلسفة تعين الأفراد والمجتمعات المدنية للحصول على فرص حياة معتدلة ومنظمة تحفظ لهم حقوقهم الانسانية وتشرع لهم سلوكا منضبطا وفق أسس التشريع الإسلامي من منابعه العربية الإسلامية التي تحترم جميع المجتمعات الإنسانية العربية وغير العربية عبر قادته من الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، بدءاً من قيادة أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام وحتى ألامام المهدي المنتظر  بعقيدة المسلمين والثاني عشر بعقيدة الأثني عشر والذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا وهو منطلق كافة المذاهب الإسلامية التي تنتظر خروجه على اختلاف تصوراتهم لشخصه وشخصيته، ولكنهم مجتمعون على دوره في إنقاذ العالم من مشاكله ومصائبه.

لقد كان لهذه المدرسة العربية الإسلامية الأصيلة والمتمثلة عموما بشخص الإمام جعفر الصادق عليه السلام، والذي يمثل امتداداً للسلالة العربية الشريفة من أبناء علي بن أبي طالب عليه السلام، والتي أمتدت بعده حتى عصور الأئمة الميامين موسى بن جعفر وعلى بن موسى الرضا عليهما السلام، وإنتهاءاً بالإمامين العسكريين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام،  والتي مدَّت العالم العربي والإسلامي بمختلف العلوم الإنسانية، والطبيعية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك وغير ذلك من العلوم بطريق تلامذتهم النجباء.

الحديث عن إعتقالات جديدة في صنعاء وبقية المحافظات

لقد تاكد لنا تماما وجود إعتقالات في عدة محافظات يمنية ومنها صنعاء طالت بعض الشيعة الجعفرية من أهل اليمن من الذين ليس لهم علاقة بالحوثيين على الإطلاق، وليست لديهم أية نشاطات سياسية، وهم فقط يحملون عقيدة التشيع لآل البيت عليهم السلام والتي كما ذكرنا أنها عقيدة الجعفرية العربية المنشا والأصل والتي لاتدعو الى إثارة الفتن والإضطرابات والتي تلتزم بالمنهج الفكري العام والذي لايلتقي مع المنهج التكفيري للوهابية، كما أنّ ليس من منهجه إستخدام العنف ضد أحد، وهؤلاء المعتقلون ليس لهم أية علاقة بالحركة الحوثية لامن قريب ولامن بعيد، وعلى السلطات اليمنية ان تتفهم طبيعة هؤلاء الشيعة ولاتجعلهم في قائمة الأعداء، إذ ليس من الحكمة زج من ليس له علاقة بالسياسة العامة للدولة، ولايحمل عداءاً لأحد، وليس له علاقة بما يجري على الساحة اليمنية من صراع في الشمال أو الجنوب، وفي الوقت الذي ندعو الحكومة اليمنية الى إتباع طريق الحوار مع الجماعات الحوثية المسلحة كبديل للنزاع الدائر معهم، لابد من الفصل بين أتباع المذهب الجعفري الذين يعتنقونه كفكر وعقيدة وبين الحركة الحوثية كحركة سياسية داخلية.

وفي تطور جديد أعلن الحوثيون أن المملكة العربية السعودية سمحت للقوات اليمنية بإستخدام أراضيها ضد الحوثيين في صعدة نأمل أن تعيد الحكومة اليمنية النظر في حساباتها الوطنية والدولية وبما يعزز الوحدة الوطنية ويمنع التدخلات الإقليمية التي لن تزيد الحالة إلاّ تعقيداً أكثر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/تشرين الثاني/2009 - 10/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م