المنظمات المعلنة.. ونظيرتها المخفية

أحمد شهاب

تضم دول الخليج العديد من المنظمات والجماعات السياسية، بعضها معلن والبعض الآخر مخفي.. في الغالب، فإن الجماعات السياسية المعلنة تمارس أنشطتها وفق صيغة الأمر الواقع، ولكن من دون اعتراف رسمي بها من جانب الدولة، باستثناء مملكة البحرين، التي أقرت في السنوات الأخيرة قانون تنظيم عمل الجمعيات السياسية، أتاحت بموجبه للجماعات والكتل النشطة العمل تحت مظلة القانون.. يقول بعض المعنيين إنها خطوة في اتجاه تقنين الأحزاب. وسائر دول الخليج الأخرى، لاتزال متحفظة تجاه اتخاذ خطوة مماثلة، على الرغم من تعاطي بعض رموز السلطة معها بمسمياتها السياسية.

في الكويت على سبيل المثال، تمارس غالبية الجماعات والكتل السياسية أنشطتها بصورة علنية، ويمتلك معظمها صحف، أو مجلات مرخصة تتحدث بلسانها، وتمثلها في البرلمان والحكومة شخصيات معروفة بانتماءاتها وتوجهاتها السياسية، وتشارك باستمرار شخصيات في مواقع رسمية بأنشطتها الاجتماعية وغبقاتها الرمضانية وتلبي دعواتها الخاصة، لكنها حتى اللحظة تفتقر للإطار القانوني الذي ينظم أنشطتها وبرامجها.

في المقابل، تنشط داخل دول الخليج التشكيلات السياسية غير المعلنة، وغير القانونية بطبيعة الحال، مثل العديد من المنظمات الصغيرة والتشكيلات الخفية، التي تحاول أن توجه الرأي العام من خلال شبكة الإنترنت، أو المنظمات التي تتحالف معها الجماعات السياسية المعلنة في سبيل تحصيل دعمها خلال الانتخابات البرلمانية، أو التي تُشرف على أنشطة ذات صبغة سياسية، ولكن بصورة غير مباشرة، وأخيرا من خلال تلك الجماعات التي تظهر بين فترة وأخرى بصورة مفاجئة بعد أن يتضح أنها قد أعدت العدة للقيام بأعمال عنف وتخريب.

تمارس المنظمات الخفية والمعلنة أنشطتها المعتادة كافة في المجتمع على حد سواء. في الكويت على سبيل المثال تعمل الخفية منها والمعلنة على تبني أو دعم مرشحين لمجلس الأمة، وتسعى لامتلاك او التغلغل في الصحافة اليومية، وإقامة الندوات السياسية، وإبداء الرأي حول القضايا المتعلقة بالساحة. وبينما تميل الكتل والتوجهات السياسية للتعبير عن أفكارها وأولوياتها عبر وسائل الإعلام الرسمية، أو شبه الرسمية، وتتقدمها شخصيات معروفة، فإن المنظمات الخفية تلجأ إلى وسائل اتصال حديثة تكفل لها الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، لكنها تحرص في الوقت ذاته على إخفاء الهوية الشخصية أو التقليل من ظهورها.

التشكيلات المجتمعية الخفية ليست خفية على الجميع بطبيعة الحال. فهي في الغالب معروفة لدى قطاع واسع أو محدود من المجتمع، وربما تتفاعل وتتعاون بعض الشرائح معها لأسباب اجتماعية و ثقافية وسياسية، وذلك حسب الإمكانات المتوافرة لديها، فهي مختلفة من حيث القوة والضعف، بعضها يمتلك امكانات تضاهي التشكيلات المعلنة من حيث الموارد المادية والمعنوية، وبعضها الآخر محدود الموارد، لكنه قادر على تغذية الأفراد بالثقافة المناهضة للمجتمع أو السلطة، وجميعها تعتمد اليوم تقنية النشر والاتصال الحديث عبر المدونات ورسائل الإميل والمنتديات الحوارية، وقد وجدنا خلال تصاعد الأحداث الأمنية في العراق، كيف لعبت بعض المدونات والمواقع الإلكترونية دورا أساسيا في تغذية العناصر المتشددة، واستخدم بعض رجال الدين المتشددين في الخليج تلك المواقع لتوجيه خلايا العنف في العراق.

خلال تلك الفترة أيضا انتشر ما عرف بفتاوى الإنترنت، وقدمت المواقع الإلكترونية والإميلات فتاوى غريبة وشاذة لعدد من المشايخ المغمورين، ووجدت تلك التشكيلات والمشايخ شرائح واسعة من المتابعين والمقلدين، حتى حذر بعضهم من قدرة مشايخ الإنترنت على سحب البساط من تحت أرجل المشايخ الرسميين، ولاسيما بعدما نجح هؤلاء في تقديم ما يمكن وصفه بالخطاب غير التقليدي، والذي جذب إليه بعض الشرائح الاجتماعية خصوصا من فئة الشباب، في مقابل الخطاب التقليدي الذي تجمدت داخله المؤسسة الدينية الرسمية.

من الواضح ان وجود تشكيلات خفية، لا يعبر بالضرورة عن خلل في فكر أو سلوك جميع تلك التشكيلات. فبعضها يلتقي على أجندة وطنية وإصلاحية لا تختلف عن الأطروحات المتداولة في الساحة، مثل المجاميع الشبابية التي تبرز قبيل الانتخابات البرلمانية لتوجيه الناس نحو خيارات محددة، وبعضها الآخر، لا يخرج عن إطار النقد والتبرم من الواقع القائم، لكنها بالضرورة تشير إلى عجز القانون عن استيعاب مختلف التعبيرات المجتمعية، بما يهدد بتحولها إلى جماعات خطرة، وإن لم تكن كذلك في بداية نشأتها وتكونها.

خلال السنوات الماضية لجأت بعض تلك التشكيلات إلى الاستعانة بما يمكن تسميته بأدوات الفتنة، من خلال الضرب على الوتر الطائفي، وإثارة النعرات الطائفية والقبلية، والبحث عن كل ما يفرق المجتمع ويمزقه، وتورطت في إثارة الأحقاد والتحريض على العنف والكراهية.. وفي المقابل لم تعمد الدولة إلى استيعاب ذلك الحراك وتهذيب أدواته، بل تعاملت معه، إما كقضية أمنية، أو كقضية مهملة. وكان من المفترض أن تبادر دول الخليج إلى تأطير أنشطة تلك التشكيلات وفق الاجماع الوطني وقبولها وتفهم مطالبها وأنشطتها، بما يوجه جهودها وحراكها للصالح العام، إذ أن استبعادها والتعاطي معها عبر نظرية الإهمال، يؤدي إلى بقائها خارج أسوار مصالح الدولة.

إن قدرة الدولة على استيعاب الأصوات المختلفة داخل المجتمع، ومنحها فرص التعبير عن أفكارها في مناخ يكفل حرية التعبير، ولا يؤاخذ الآخرين على أفكارهم ومتبنياتهم، مهما بدت جريئة وغير متعارف عليها، يعتبر من جملة الإجراءات التي من شأنها أن تغلق الكثير من بؤر الصراع والتوتر داخل الدولة نفسها.

فتنظيم الأنشطة والتعبيرات من شأنه تحويل التشكيلات الخفية والمعلنة إلى جزء من الحركة الطبيعية للمجتمع والدولة. أما إذا اقتصر التعامل معها على الإطار الأمني وحده، فإن ذلك سوف يستولد مشكلات وأزمات حادة نحن بغنى عنها بالقطع.. فضلا عن أن ذلك لا يحل المشكلات البتة.

* كاتب من الكويت

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/تشرين الثاني/2009 - 9/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م