تداعيات إلغاء مشاريع الدروع الصاروخية

مرتضى بدر

مقابل تخلّي الولايات المتحدة عن مشروع الدروع المضادة للصواريخ في الجمهورية التشيكية ومنصات الصواريخ الاعتراضية في بولندا، قررت روسيا التخلّي عن مشروع نشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد، الجيب الروسي الواقع بين ليتوانيا وبولندا.

وبهذا القرار المهم، أغلق البلدان صفحة من التوتر الأمني في أوروبا بعد أن أوجدتها إدارة بوش المحافظة تحت ذريعة احتمال تطوير إيران لمنظومتها الصاروخية في السنوات العشر المقبلة. خديعة إدارة بوش لم تمر بسهولة على القيادة الروسية التي أصرت على إلغاء جميع المنظومات الدفاعية الإستراتيجية من أوروبا، وكان ذلك الشرط الأساس في إعادة التعاون بين روسيا والحلف الأطلسي. لا شك أن تطوير منظومة الصواريخ البالستية الإيرانية خلق حالة من الخوف لدى الغربيين من جهة، وحالة من الرعب في إسرائيل من جهة أخرى، إلا أن ذلك لم يكن مبررًا لإدارة المحافظين لوضع دروع مضادة للصواريخ على حدود روسيا، خاصة مع علم القادة العسكريين من كلا الطرفين بأن منظومة الصواريخ الإيرانية ليست بتلك الدرجة من التقنية؛ لتتمكن من تهديد أمن أوروبا.

إذاً المسألة كما عرفتها القيادة الروسية هي احتواء روسيا وتشديد الخناق عليها من قبل الأطلسي من ثلاث جهات، من الشرق حيث بحر قزوين، ومن الغرب حيث بحر البلطيق، ومن الجنوب منطقة القوقاز. إدارة أوباما عرفت أن مشروع الدرع الصاروخي ضرره أكبر من نفعه من الناحية السياسية والاقتصادية، خاصة بعد أن وصلت العلاقات بين الطرفين الأمريكي والروسي إلى درجات متقدمة من التعاون؛ نتجت عنها إزالة الكثير من المخاوف بعد سنوات طويلة من الحرب الباردة، والتي تركت آثاراً سلبية في الصراعات الإقليمية وعلى العلاقات الدولية.

 إلغاء الدرع الصاروخي من الطرفين قد يفتح الباب لمزيد من التفاهم في ملفات عالقة كثيرة بين القوتين كإعادة التوازنات، وحلحلة الأزمات في العديد من المناطق في العالم. قرار الإلغاء سوف لن يمر بسهولة على إدارة أوباما داخلياً، فالمحافظون ومعهم جماعات الضغط  (لوبيات) في شركات التسليح سوف يفتحون معركة داخلية ضد أوباما وإدارته بهدف تضعيف الديمقراطيين من جهة، وحفظ مصالحهم في سوق السلاح من جهة أخرى.

التساؤل الذي يُطْرَح حالياً في المحافل الدولية وإدارات صنع القرار في المنطقة هو كالتالي: ما هو انعكاس إلغاء مشروع الدرع الصاروخي على منطقة الشرق الأوسط؟ النقاش حول القدرات الصاروخية الإيرانية سوف يشتد احتداماً في الفترة القادمة، خاصة مع بدء المناورات العسكرية الأمريكية - الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط والأخبار التي يتداولها الخبراء الإستراتيجيون عن احتمال إدماج (إسرائيل) ضمن المنظومة الكونية الصاروخية للولايات المتحدة؛ لتقليل مخاوفها من الصواريخ الإيرانية في حال نشوب مواجهات، رغم وجود تحليل آخر يرفض هذا الاحتمال؛ لما يحتويه من مخاطر كبيرة على مصالح الولايات المتحدة على المدى القريب والبعيد.

 ورغم أن المناورات الجارية حالياً هي روتينية يجريها البلدان كل عامين، إلا أن تطوير (إسرائيل) لأنظمة الدفاع الصاروخية الجديدة وبتمويل أمريكي يثير لدى العديد من حكومات المنطقة الكثير من التساؤل والمخاوف عن مستقبل التعاون والتحالف العسكري الأمريكي - الإسرائيلي وانعكاسهما على ميزان القوى، وأمن المنطقة، وعملية السلام. في الواقع إن ما يدعو للحيرة والأسى هو وقوف معظم الأنظمة العربية موقف المتفرج، وإظهار بعض المخاوف من خلف الكواليس دون القيام بأية مبادرة عملية لتقوية قدراتهم الدفاعية، وكأن التحولات الجارية في تطوير القدرات الصاروخية في كل من إيران والكيان الصهيوني لا يعنيهم في شيء !؟

خوفنا أن يستمر العرب في سباتهم، وحينما يفيقون يجدوا أنفسهم محاطين بمجموعة من أنظمة الدرع الصاروخية المتطورة. حينئذ لا ينفع الندم والبكاء على اللبن المسكوب. أتمنى أن لا يُعرَف من كلامي هذا بأنّني أدعو إلى الهرولة نحو سوق السلاح، وتكديس المزيد من الأسلحة والتي بسببها تورمت مخازننا العسكرية وأصاب معظم تلك الأسلحة الصدأ، فقد ولّى زمن الأسلحة والحروب التقليدية. إنّ ما أدعو إليه هو التحرك الجاد نحو التقنية الحديثة في مجال التصنيع الحربي وفق رؤية جماعية، وضمن منظومة الدفاع العربي المشترك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تشرين الثاني/2009 - 15/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م