وصايا المرجع الشيرازي في الثبات على خطى أهل البيت والقول والتعامل الحسن

 

- المرجع الشيرازي.. يجدر بالمؤمنات والمؤمنين أن يردّوا بالتي هي أحسن على من يسيء معهم الكلام والتصرّف فالقول والعمل الحسن مثلهما كالعطور تزيل الراوئح الكريهة

- أن تحلّي اﻹنسان بالأخلاق الحسنة في تعامله مع الناس عمل صعب لكن يسهل بالصبر والتحمّل، فتحمّل الصعوبات والصبر في سبيل التحلّي باﻷخلاق الحسنة هو مقدّمة للخلاص من نار جهنم والدخول إلى الجنة

- إذا عزم اﻹنسان على ترك الغضب فستقوى نفسه على ذلك شيئاً فشيئاً ويصبح ترك الغضب عنده شيئاً طبيعياً ولا يثور إن استفزه أحد، وسيسهل عليه الالتزام باﻷخلاق العالية والرفيعة

 

شبكة النبأ: قال سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، إذا عزم اﻹنسان فالله تبارك وتعالى يعينه ويوفّقه كما قال القرآن الكريم " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ"، فكل واحد بمقداره قد حصّل من فضل الله تعالى عليه في شهر رمضان المبارك من القرب إلى الله ومن التوفيق لمستقبل حياته، فاعزموا ايها الؤمنون على الثبات والمواصلة حتى يزيد الله تعالى في توفيقكم جميعاً.

وقال سماحته، يجدر بالمؤمنات والمؤمنين أن يردّوا بالتي هي أحسن على من يسيء معهم الكلام والتصرّف، فالقول الحسن والعمل الحسن مثلهما كالعطور تزيل الراوئح الكريهة.

واضاف سماحته، هنالك بعض اﻷفراد يحبّهم الناس ويسرّون بمجالستهم وذلك لحسن أخلاقهم وحسن تصرّفهم. وهنالك من لا يرغب الناس بمجالستهم بل يجتنبون مجالستهم ويحاولون دوماً أن لا يلتقوا معهم أو بهم أبداً وذلك لسوء كلامهم وسوء تصرّفهم. وقد وصفت الروايات الشريفة المروية عن أهل البيت صلوات الله عليهم مجالسة القسم اﻷول بـ(حسن المحضر) والقسم الثاني بـ(سوء المحضر). إذن علينا جميعاً أن نتصف ونتحلّى بالأخلاق الحسنة في تعاملنا وفي كلامنا مع الناس كي يسرّوا ويفرحوا بلقائنا وبمجالستنا.

وقال سماحة المرجع الشيرازي، إن العين الطاهرة هي العين التي لا تنظر إلى اﻵخرين وإلى أموالهم ومحارمهم نظرة خائنة. فالشريك مثلاً لا ينظر إلى مال شريكه نظرة خائنة، والرجل لا ينظر إلى محارم جيرانه أو أقاربه أو محارم من يرافقه بالسفر نظرة خائنة، وغير ذلك.

جاء ذلك في عدة مناسبات تخللتها زيارات جموع من المؤمنين والمؤمنات لسماحة المرجع الشيرازي حيث انتهلوا من تعليماته ونصائحه وتوجيهاته ما يقوّمون به الصفات والاخلاق ويزيدون منه العلم والايمان والمعرفة، بحسب موقع الرسول الاكرم.

ضرورة ثبات المؤمنين في سيرهم على خطى أهل البيت

زار المرجعَ الدينيَ سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله جمع من الأخوات والإخوة أعضاء (حملة العقيلة) من السعودية، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة يوم الجمعة الموافق للخامس من شهر شوال المكرّم 1430 للهجرة، واستمعوا إلى توجيهات سماحته القيّمة التي جاء فيها:

أسأل الله تعالى أن تعودوا إلى بلادكم وأهليكم سالمين غانمين وموفورين، وأن تكونوا قد حفظتم العزم بالسير على خطى أهل البيت صلوات الله عليهم في عقائدهم وأخلاقهم وأحكامهم، وخاصة بعد شهر رمضان المبارك.

وقال سماحته مؤكداً: إذا عزم اﻹنسان فالله تبارك وتعالى يعينه ويوفّقه كما قال القرآن الكريم: «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ». فكل واحد منكم بمقداره قد حصّل من فضل الله تعالى عليه في شهر رمضان المبارك من القرب إلى الله ومن التوفيق لمستقبل حياته، فاعزموا على الثبات والمواصلة حتى يزيد الله تعالى في توفيقكم جميعاً.

بعد ذلك ألقى نجل سماحته حجة اﻹسلام والمسلمين فضيلة السيد حسين الشيرازي دام عزّه كلمة قيّمة فيهم أيضاً قال فيها:

إن الناس كلّهم في الدنيا يعانون من مشاكل يكون أغلبها غير قابلة للحل أو العلاج كالمرض المزمن أو الفقر أو مشكلة اجتماعية وغيرها، كما في قول الشاعر:

كل من تلقاه يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن

وأكبر مشكلة أو معضلة اﻹنسان في الدنيا هي مسألة الرزق، وطلب الزيادة في الرزق في كل شيء، وقال فضيلته: إن الله سبحانه قد قسّم الرزق لكل الكائنات بما فيها الإنسان، كما في قوله تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا». فاﻹيمان رزق، والعلم رزق، والأولاد رزق، والكرامة اﻹجتماعية رزق. فبعض رزقه الله اﻹيمان، وبعض رزقه العلم، وبعض رزقه المال، وبعض رزقه الكرامة والوجاهة الاجتماعية، ولا يوجد إنسان رزق بكل اﻷرزاق، وذلك ﻷن الله تعالى يعلم بمصلحة العباد. فالإنسان يطغى إذا رزق بكل شيء، فمثلاً إذا صار اﻹنسان وفوراً في العلم فستتولد فيه حالة الترفّع، وهكذا من يحصل له وفور في المال.

لذلك فمن أعظم فضائل الله تعالى ونعمه علينا أن جعل أرزاقه محدودة، لذلك تجد إنساناً قد رزق ثروة كبيرة لكنه يعاني من مرض مزمن مثلاً أو حرم من الذرية، وغير ذلك.

وقال فضيلته مؤكداً: إن اﻹنسان إذا تمكّن من أن يتصرّف بالنعمة اﻹلهية وبالرزق اﻹلهي تصرّفاً معقولاً ولم يسيء استخدامهما عندها سيحظى بالوفور في كل جوانب. فقد قال مولانا اﻹمام الصادق صلوات الله عليه: «أحسنوا جوار النعم. فقيل له: وما حسن جوار النعم؟ فقال: الشكر لمن أنعم بها، وأداء حقوقها».

إذن على اﻹنسان أن يتعامل مع نعم الله تعالى ـ أياً كانت ـ بالطريقيتن التاليتين:

اﻷولى: أن يستعمل النعمة في محلّها.

الثانية: أن يشكر الله على النعمة، قولاً وفعلاً.

القول الحسن والتعامل الحسن مقدمة لدخول الجنة

وقام بزيارة المرجع الشيرازي دام ظله ـ وكالسنوات السابقة ـ جمع من اﻷخوات، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الجمعة الموافق للثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك 1430 للهجرة، فأفاض سماحته عليهن بتوجيهاته القيّمة، حيث استهلها باﻵية الكريمة: «ادفع بالتي هي أحسن السيئة» وقال:

يجدر بالمؤمنات والمؤمنين أن يردّوا بالتي هي أحسن على من يسيء معهم الكلام والتصرّف، فالقول الحسن والعمل الحسن مثلهما كالعطور تزيل الراوئح الكريهة.

وقال سماحته: هنالك بعض اﻷفراد يحبّهم الناس ويسرّون بمجالستهم وذلك لحسن أخلاقهم وحسن تصرّفهم. وهنالك من لا يرغب الناس بمجالستهم بل يجتنبون مجالستهم ويحاولون دوماً أن لا يلتقوا معهم أو بهم أبداً وذلك لسوء كلامهم وسوء تصرّفهم. وقد وصفت الروايات الشريفة المروية عن أهل البيت صلوات الله عليهم مجالسة القسم اﻷول بـ(حسن المحضر) والقسم الثاني بـ(سوء المحضر). فإذا كان أفراد العائلة يسرّون ويفرحون بوجود أمّهم أو أختهم في البيت فإن هذه الأم وهذه اﻷخت يعدّ حضورها بحسن المحضر، والعكس بالعكس أيضاً.

إذن علينا جميعاً أن نتصف ونتحلّى بالأخلاق الحسنة في تعاملنا وفي كلامنا مع الناس كي يسرّوا ويفرحوا بلقائنا وبمجالستنا.

وأضاف سماحته: ليسعَ الجميع وباﻷخص اﻷخوات المؤمنات في اﻷيام الباقية من شهر رمضان المبارك إلى أن يجعلوا تحفتهم من هذا الشهر الفضيل بأن يكونوا ممن يوصف أو تسمى مجالستهم بحسن المحضر.

وقال سماحته: إن من يخاف الناس مجالسته ويستاؤون من الحديث والتعامل معه سيكون مكانه في النار والعياذ بالله وإن قضى حياته كلها بالعبادة بقيام الليل والصيام بالنهار، بل حتى إن عمل بالمستحبّات كلّها. وأما من يفرح الناس بمجالسته ويسرّون في الحديث والتعامل معه فإن الجنة ستكون مأواه، وإن اكتفى في حياته بالعمل بالواجبات وبترك المحرّمات فقط.

وأردف سماحته: لا شك أن تحلّي اﻹنسان بالأخلاق الحسنة في تعامله مع الناس عمل صعب ولكن يسهل بالصبر والتحمّل، فتحمّل الصعوبات والصبر في سبيل التحلّي باﻷخلاق الحسنة هو مقدّمة للخلاص من نار جهنم والدخول إلى الجنة.

وتطرّق سماحته في حديثه إلى بيان جوانب من الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ذكرت الروايات الشريفة أن الناس كانوا برؤيتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ينسون مشاكلهم وهمّهم وغمّهم.

وخاطب سماحته اﻷخوات المتزوّجات وقال: إن ما يريده الله تعالى ورسوله اﻷكرم واﻷئمة المعصومين صلوات الله عليهم منكن هو أن تتعاملن بالخلق الحسن مع أزواجكن في القول والعمل، فتكونن قدوة وأسوة لنظيراتكن وحتى يثنين عليكن وعلى عملكن. فالعديد من حالات الطلاق التي تقع بين الزوجين وتهدم كيان الأسر سببها التعامل بالسوء في القول والعمل من قبل أحد الزوجين أو من قبل كليهما.

وأكد سماحته: ليسعَ الجميع إلى أن يكونوا ممن وصفت الروايات الشريفة مجالستهم بحسن المحضر، وأن لا يكونوا ممن وصفت الروايات الشريفة مجالستهم بسوء المحضر. فمن حسن محضره كان أجره أكبر وأكثر ممن يقضي سنة من عمره في العبادة بقيام الليل والصيام في النهار.

كما على المؤمنات والمؤمنين أن يحثّوا اﻵخرين، من أقاربهم وأرحامهم وجيرانهم وأصدقائهم وزملائهم وغيرهم، على أن يتحلّوا بالخلق الحسن، وأن يجتنبوا السوء قولاً وعملاً.

من كان قلبه طاهراً كان الله معينه ونصيره

وقام بزيارة المرجع الشيرازي دام ظله جمع من اﻷخوات الخادمات في المرقد الطاهر لمولانا ثامن الحجج اﻷطهار اﻹمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الجمعة الموافق للخامس من شهر شوال المكرّم 1430 للهجرة، فأفاض سماحته عليهن بتوجيهاته القيّمة وقال:

يقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في إحدى خطبه الشريفة التي ألقاها في استقبال شهر رمضان المبارك: «فاسألوا الله بنيّات صادقة وقلوب طاهرة».

إن العين الطاهرة هي العين التي لا تنظر إلى اﻵخرين وإلى أموالهم ومحارمهم نظرة خائنة. فالشريك مثلاً لا ينظر إلى مال شريكه نظرة خائنة، والرجل لا ينظر إلى محارم جيرانه أو أقاربه أو محارم من يرافقه بالسفر نظرة خائنة، وغير ذلك.

واللسان الطاهر هو اللسان الذي لا يسبّ ولا يصرخ ولا يظلم اﻵخرين بكلمة بذيئة، ولا ينطق إلاّ بالحق. واﻹذن الطاهرة هي التي لا تتجسّس على اﻵخرين. واليد الطاهرة هي التي لا تتطاول على اﻵخرين. والرجل الطاهرة هي التي لا تذهب إلى فعل الحرام أو فعل السوء. فأعضاء اﻹنسان وجوارحه تطهر أو تكون طاهرة إذا كان القلب طاهراً.

وأضاف سماحته: من مصاديق القلب الطاهر هو أن يحبّ اﻹنسان لغيره ما يحبّه لنفسه. فالذي يحبّ أن يسمع جواب سلامه إذا سلّم على شخص ما، فعليه أن يردّ سلام غيره إذا سلّموا عليه. ولقد كان ر سول الله ومولاتنا فاطمة الزهراء واﻷئمة اﻷطهار صلوات الله عليهم أجمعين خير أسوة وقدوة في حبّ الخير للآخرين.

وقال سماحته: اﻹنسان إذا كان قلبه طاهراً فإنه سيكون أقرب إلى الله تعالى، ويستجيب الله دعاءه، ويكون الله تعالى هو المدافع عنه ونصيره إن تعرّض إلى للظلم أو اﻷذى من اﻵخرين. وكلما طهر قلب اﻹنسان كثر حلمه وعفوه، وكلما كثر حلم اﻹنسان وعفوه كان الله عفوّاً عنه وحليماً.

لذا يجدر بالزوجة أن يكون قلبها طاهر مع زوجها إن كان سيء الخلق، وعلى اﻷم أن يكون قلبها طاهر إن كان ابنها سيء الخلق أو ابنتها، وهكذا يجدر أن يعمل الجيران واﻷقارب واﻷصدقاء والزملاء بعضهم تجاه بعض.

وأكّد دام ظله: أنتن في نعمة جوار مولانا اﻹمام الرضا صلوات الله عليه واﻵن بجوار أخته الجليلة كريمة أهل البيت مولاتنا فاطمة المعصومة عليها السلام فاطلبن من اﻹمام ومن كريمة أهل البيت أن يوفقكن الله في أن تكونن من ذوات القلوب الطاهرة.

من يترك الغضب ويحاسب نفسه يوفّق لنيل رضا اﻹمام ويتشرّف بلقائه

وقام جمع من المؤمنات والمؤمنين من دولة الكويت الذين وفدوا إلى مدينة قم المقدسة للمشاركة في مراسم الذكرى السنوية الثامنة لرحيل المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي قدّس سرّه، قاموا بزيارة المرجع الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، يوم الاثنين الموافق للأول من شهر شوال المكرّم 1430 للهجرة، فألقى سماحته كلمة قيمة فيهم، قال في مستهلها:

إنني أشكر اﻷخوات والإخوة الكرام على تحمّلهم عناء السفر، وأرجو أن تكون سفرتهم في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وسبباً لدعاء المرحوم أخي المرجع الراحل لهم بعلوّ الدرجات.

ثم قال سماحته: لقد وردت من سيّدنا ومولانا اﻹمام الحجّة المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف رسالة على الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه، وفي قسم من هذه الرسالة يوجّه اﻹمام خطاباً إلى جميع المؤمنين والمؤمنات، وقد ورد في هذا القسم العبارة التالية: "إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم".

وأضاف سماحته: إنه لا يوجد من جانب اﻹمام إهمال للرعاية، ولا يوجد من جانبه صلوات الله عليه نسيان لذكر المؤمنين والمؤمنات، فاﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف بيننا ويرانا، ووعد بالرعاية لنا، وإنه صلوات الله عليه لا يهمل رعايتنا، ووعد بتذكّره لنا وأنه لا ينسانا.

وقال سماحته متسائلاً: إن رعاية اﻹمام وذكره لنا هما فضلان عظيمان ونعمتان عظيمتان. فما هو واجبنا وتكليفنا تجاه هذين الفضلين وهاتين النعمتين؟

فأجاب سماحته: إن على المؤمنات والمؤمنين أن يحاولوا ويسعوا إلى كسب رضا اﻹمام صلوات الله عليه. فذات مرّة قال لي شاب من الشباب المؤمنين: ماذا أصنع حتى اُوفّق للقاء مولانا اﻹمام الحجّة؟

قلت له: إن من يوفّق للقاء اﻹمام يحظى بمقام عظيم، ولكن إن اﻷهم عند اﻹمام هو كسب رضاه. فاﻹمام من جانبه حاشاه أن يقصّر مع شخص هو في مستوى اللقاء، ولكن سمو اﻹنسان وبلوغه مرتبة لقاء اﻹمام يحتاج إلى معنوية عالية ولا يحتاج إلى صرف الوقت الكثير.

نعم إن العبادة وأداء المستحبّات والزيارات وقراءة الأدعية وذكر الله تعالى هي قسم من اﻷعمال التي توفّق الإنسان للقاء باﻹمام، ولكن الأهم هو كسب رضا اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وقال سماحته موضّحاً: إن كسب رضا اﻹمام يحتاج إلى مقدّمات، ومن أوليات هذه المقدمات هو الالتزام باﻷمرين التاليين:

اﻷمر اﻷول: اجتناب الغضب وتركه. فعلى المرء أن يمسك نفسه ولا يغضب، سواء في اﻷمور الشخصية أؤ غير الشخصية التي تكون مدعاة لإثارة الغضب، وأن لا يحطم نفسه أسفاً على ترك الغضب، فترك الغضب عمل مهم لمستقبل المرء في الدنيا واﻵخرة. فمن يغضب تكثر معاصيه، ومن تقلّ حالات الغصب عنده تقلّ معاصيه.

إذن على اﻹنسان أن يعزم على ترك الغضب دوماً، في البيت وفي المدرسة وفي الجامعة وفي السوق وفي باقي مجالات العمل والحياة، وهذا اﻷمر بحاجة إلى ممارسة.

قال مولانا اﻹمام الصادق صلوات الله عليه: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَارَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئاً وَاحِداً فَإِنِّي رَجُلٌ أُسَافِرُ فَأَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ. قَالَ: لا تَغْضَبْ. فَاسْتَيْسَرَهَا الأعْرَابِيُّ فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: يَارَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئاً وَاحِداً فَإِنِّي أُسَافِرُ وَأَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله: لا تَغْضَبْ. فَاسْتَيْسَرَهَا الأعْرَابِيُّ، فَرَجَعَ، فَأَعَادَ السُّؤَالَ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: لا أَسْأَلُ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَ هَذَا، إِنِّي وَجَدْتُهُ قَدْ نَصَحَنِي وَحَذَّرَنِي لِئَلاّ أَفْتَرِيَ حِينَ أَغْضَبُ وَلِئَلاّ أَقْتُلَ حِينَ أَغْضَبُ».

وقال سماحته: إذا عزم اﻹنسان على ترك الغضب فستقوى نفسه على ذلك شيئاً فشيئاً ويصبح ترك الغضب عنده شيئاً طبيعياً، ولا يثور إن استفزه أحد، وسيسهل عليه الالتزام باﻷخلاق العالية والرفيعة.

ذات مرّة زعل شخص من المرحوم السيد اﻷخ أعلى الله درجاته فكان لا يردّ جواب سلام أخي حيث كان يلوي عن أخي إذا لقيه في الطريق أو في مكان ما، ولكن أخي كان يسلّم عليه كلما لقيه وكان يلتقي به مرّة أو مرّتين في اليوم، وقال رحمه الله: أنا عزمت على أن لا أترك السلام على ذلك الشخص مهما التقيت به. وبعد مضي ستة أشهر قال ذلك الشخص للسيد اﻷخ بعد أن ردّ جواب السلام: لماذا لا تدعني وشأني؟ فقال أخي له: أنا أعمل بتكليفي.

وعقّب سماحته: إن السيد اﻷخ عمل ذلك ﻷنه كان عازماً على الالتزام باﻷخلاق الحسنة.

وكان المرحوم السيد محمد رضا الشيرازي رضوان الله عليه عنده ممارسة جيّدة في اجتناب الغضب. فقد كان يشكو من آلام في ظهره، وراجع عدّة أطباء للعلاج، وذات مرّة كان عند الطبيب وبعد إكمال الفحص قال له الطبيب: كيف يكون اﻷلم عندك عندما تغضب؟ فأجابه رحمه الله وهو مبتسم أنا لا أغضب. فظل الطبيب يتطلّع في وجهه رحمه الله.

وأردف سماحته: لذا على المؤمنات والمؤمنين أن يعزموا على ترك الغضب كلّه، باستثناء الغضب لله الذي له حديث مفصّل وهو مستثنى من حديثنا اﻵن. فمن لا يعزم على ترك الغضب يأتي يوم القيامة وفي صحيفة أعماله الآلاف من حالات الغضب، ووراء كل غضب معصية أو معاصي _ والعياذ بالله_ من سبّ وشتم أو كذب أو غيبة أو نميمة أو كفران نعم الله أو ظلم الآخرين، وغيرها، وعندها سيكون ذلك اﻹنسان غير قادر على توجيه هذه الكثرة من المعاصي. فاﻹنسان إذا ظلم نفسه ثم ندم بعد ذلك واستغفر الله فإن الله تعالى يقبل توتبه ويمحي عنه الذنوب، وأما إذا جرّه الغضب إلى ظلم اﻵخرين ثم ندم على ذلك وأراد التوبة فإن الله لا يغفر له حتى يغفر له الذي وقع عليه الظلم. وأما إذا عزم اﻹنسان على ترك الغضب فستقلّ موارد المعاصي عنده أو تنعدم.

اﻷمر الثاني: محاسبة اﻹنسان نفسه يومياً ولو لدقائق معدودة، وذلك فيما قال وفيما عمل وفيما تصرّف مع زوجته أو أولاده أو أصدقائه وغيرهم، فقد جاء في الحديث الشريف عن مولانا اﻹمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن تُوزنوا»، وقال صلوات الله عليه: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فإن عمل خيراً حمد الله واستزاده، وإن عمل سوء استغفر الله». فعلى اﻷنسان أن يجلس وحده كل يوم ويراجع ما قاله وما عمله، فإن وجد في أقواله وتصرّفاته وأعماله ما لا يرضي الله تعالى فليستغفر الله وليعزم على عدم تكرار ذلك.

وختم سماحته كلمته مؤكداً: إذن ليعزم وليصمم المؤمنات والمؤمنين على ترك الغضب ومحاسبة النفس يومياً كي يوفّقهم الله ويعينهم على نيل مقام القرب من اﻹمام عجّل الله تعالى فرجه أكثر وأكثر، ويوفّقهم لكسب رضاه صلوات الله عليه، فمن آثار نيل رضا اﻹمام التوفيق للتشرّف بلقائه صلوات الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه الشريف، أسأل الله سبحانه أن يوفّقنا جميعاً لذلك، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/تشرين الاول/2009 - 11/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م