تجليات عيد مضى وآخر لم يأت بعد!

بشرى الخزرجي 

في ذكرى عيد مضى تذكرت مدينتي البصرة الصابرة على موروث الدمار والخراب..ليس آخرها حرمانها نعمة الماء العذب وتجفيف أراضيها من قبل جارتها المسلمة إيران!..فكيف ترتاح هذه المدينة الطيبة وهي مضرب مثل الغافلين المعروف (بعد خراب البصرة!).. لا ندري.

وعلى الرغم من فراق بصرتنا الموجع والذي غير مسارات حياتي لتجري مقاديرها بما لا تشتهي سفني فهجرتها في مقتبل العمر وأهلي إلى حيث المنافي و تهمة (الصفوية) كما يحلو للبعض تسميتها تلاحقني.

اخترت الكتابة عن الجميل من أيامها، عن أعياد مضت وأفراح تصَرمت، عن أحلام صغيرة مختصرة لم تكتمل بعد، عن أرجوحة تدلت من جذعي نخلة فارعة، وفرحة عيد وكعك وشعر بنات (وين أولي وين أبات) وفرارات ورقية زاهية الألوان، تدور سارحة بخيالنا الفطري نحو العالم الفسيح .. (دور دور يا عصفور بجناحك رفرف مسرور).. لحظات مرح وفرح لا تنسى في أزقة البصرة العتيقة، قضيناها مع الأصحاب والجيران ونحن نرتدي وبكل فخر واعتزاز ملابس العيد التي كانت تخيطها أمي عند خياطة المحلة الماهرة الخالة أم سلام، وحقيبتي اليدوية المطرزة بخيوط الشمس الذهبية،  كم حلمت بملئها بنقود العيدية المنتظرة، وأشياء حلوة للعيد كنا نلح في طلبها من الكبار فيحرصون بدورهم على تلبيتها بأي ثمن قبل ان يشرق يوم العيد السعيد.

صور تحفر تفاصيلها ذاكرة الزمان لم تعد موجودة، قد تغيرت ملامحها وتحولت أحوالها وانقلبت موازين أهلها وعاداتهم باختلاف الدهور وصروفها، وبقينا نحن المغتربون أسرى الأجواء والطقوس ذاتها، نراوح والشوق ينتابنا كلما اقترب وقت العيد، نقارن بينه و بين الماضي من الأعياد وحكاياتنا التي نرويها لصغارنا حاضرة، تشرح مدى افتقار مناسبات الغربة لحرارة الألفة والسعادة المنقوصة.

سألتني حلوتي الصغيرة حنين أسئلتها المعهودة عن طعم العيد المفقود: أين العيد يا أمي وكيف يكون شكله ولونه! هل لنا بعودة طقوسه الماضية! أين بنات المحلة كي نلهو ونلعب معهم كما كنت تفعلين..! أين الفرارات والأرجوحة والضحكات! أين عيدية الجدات والعمات والخالات! ..أين ..أين! .

لم أجد جوابا شافيا يفسر زخم التساؤلات تلك غير: قولي الحمد لله رب العالمين يا زهرتي الغالية،

ثم اشكري الرحمن على نعمة العافية والأمان، فهناك محرومون من طعم العيد وهم بين أحضان أوطانهم لم يبرحوها، هناك الفقراء المساكين الذين لم يجدوا للفرح من سبيل وهم في كنف أهلهم وناسهم، هناك الأيتام الذين سقطوا من حسابات الكبار فنسوا أن يمسحوا على رؤوسهم الصغيرة ليلة العيد.

العيد ياحلوتي موجود بيننا وفينا، في تسابقنا نحو فعل الخير، في مد يد العون للغير، في دوام الشكر للخالق المنان على مدار الساعات والسنين ..في نهي النفس عن الهوى والاستعاذة بالله من شر الشياطين

 فكل يوم لا يعصى فيه الله هو يوم مسرة ويوم عيد جديد.

.................................

لمسات صغيرة معانيها كبيرة

تقوم الصغيرة حنين حالها في ذلك حال صغار المهجر، بالتحضير وشراء ما هو جديد للعيد، وتحرص أيما حرص على تبادل الهدايا مع أقرانها من البنات الحبابات، بعد أن تشارك في ختم القرآن الكريم طيلة ليالي وأيام شهر رمضان الروحانية، ولا يفوتها  أبدا أداء صلاة العيد المباركة في المسجد أيضا.

 كل عام وانتم بألف بخير

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/أيلول/2009 - 1/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م