مخاطر الانتهازية

عندما تصبح الانتهازية وباء

محمود الربيعي

نمو حالة الانتهازية اثناء التحولات السياسية

بعد سقوط نظام البعث في العراق تولدت طبقة جديدة من الانتهازية همها جمع المال والوصول الى السلطة بأي شكل من الاشكال وقد شمل هذا التوجه شرائح عديدة من المجتمع داخل العراق و خارجه في الوسطين السياسي والاجتماعي والاسري، ولم يأتي ذلك عبثا وانما جاء نتيجة لأسباب عديدة منها تركة النظام السابق الذي شجع على الحرام ولحق بالمجتمع حالة انهيار خلقي واضح إذ غطى الفساد أوجه الحياة المختلفة وشمل جميع طبقات المجتمع السياسية والدينية والوظيفية والادارية وبقية الطبقات الاخرى وشكل بذلك ظاهرة كبيرة من الفساد الاداري والمالي.

معنى الانتهازية

وببساطة فأن الانتهازية مرض سلوكي يدفع بصاحبه الى إقتناص الفرص للحصول على مكاسب ومغانم على حساب المبادئ والقيم وعلى حساب الشرع والقانون.

من هو المحروم ومن هو الطاغية

والمحرومون هم من لايستطيعون توفير ضروريات الحياة من المأكل والملبس والمسكن ومتطلبات الحياة الاخرى المختلفة، وأما الطغاة فهم الطبقة التي تنعم بما هو يزيد على احتياجاتها وتلجأ الى نزع النعم من الآخرين بالقوة والاكراه.

العلاقة بين انتهازية المحرومين وانتهازية الطغاة

وعندما يتحول المحروم بفعل حرمانه الى منتهز بسبب أولآخر كأن يصبح موظفا في حكومة أو في متجر ولايملك قاعدة اخلاقية متينة فأنه سيمارس دور الانتهازي للحصول على مكاسب سريعة بينما يختلف الطغاة في انتهازيتهم كونهم أساسا فاقدين للقيم الاخلاقية ويخوضون في الباطل بسهولة دون رقيب من ضمير أو خوف من الله.

الاسباب التي ادت الى ظهور الطبقات الانتهازية

وبالتاكيد ان الظروف غير الطبيعية هي التي تساعد على ظهور حالات الانتهازية عندما لايتمتع المجتمع بحصانة أخلاقية وقيمية وعندما تغيب المبادئ والقيم، وقتها تطفو هذه المظاهرعلى السطح بعد ان تكون هذه الطبقة قد تغلغلت في الزوايا المتعددة لهيكل الدولة والمجتمع.

 وعليه فان العوامل التي تساعد على ظهور الحالات الانتهازية يمكن ان نحددها كما يلي:

اولا: الانحدار الاخلاقي وأهتزاز القاعدة القيمية وضعف الالتزامات المبدئية.

ويعتبر هذا العامل من اهم العوامل ويمثل الحجر الاساس في بناء الانسان فاذا اختل هذا الجانب تحول الانسان الى أنتهازي يحاول ان يحصل على المنافع بطريق غير مشروع، وكما ذكرنا فأن من لايملك حصانة، وقاعدة قوية تقوم على اساس القيم والمبادئ النبيلة التي مقوماتها الصدق والامانة والوفاء فانه سيكون انتهازيا وفاسدا ومفسدا.

ثانيا: دوافع الحاجة

وعندما يكون الانسان محروما من الثقافة الدينية،  ومحروما من أبسط الحقوق المادية فأنه سيكون هدفا سهلا للمغريات والوقوع في عالم الجريمة وسيحاول التسلق فوق الرؤوس للوصول الى المنافع بسرعة وبشكل غير مشروع.

ثالثا: تركة الانظمة المنهارة

لقد ترك النظام السابق تركة ثقيلة من الأزمات والمشاكل بعدما خاض حروب خارجية واقتتال داخلي وقتل جماعي وأرهاب وإفساد يعلمه العراقيين جميعا فقد أحرق  هذا النظام الاخضر واليابس،  وملئ السجون والمعتقلات بالكارهين لحكمه،  وتولد عن ذلك أجيال مرهقة تفتقد الى التوازن النفسي وتعاني من جملة من الامراض النفسية والشعور بالخوف وعدم الاطمئنان.

رابعا: المناهج التربوية

لقد افتقدت المناهج التربوية زمن النظام السابق الاهتمام بالقيم الدينية والثقافية واقتصرت على نشر العلوم الدينية بشكلها السطحي ولم تولي اهتماما بجوهر المسائل الدينية،  حتى ان معلمي ومدرسي الحصة الدينية يفتقدون لأبسط الالتزامات الدينية والعقائدية للمسلم مما جعل معلمي ومدرسي هذه الحصص مثالا سيئا لانه لايتمتع بالحد الادنى منها بل على العكس فانه يجتهد في عرض أفكار حزبه وقائده مما ولد جيلا يفتقد الى العلوم الدينية وينطبق ذلك ايضا على الدروس والحصص الوطنية وهو ماهئ فرصا كبيرة لظهور حالات الانتهازية.

خامسا: تعطيل الدين

لقد أصبح الدين زمن حكم البعث تراثا ليس له صلة بالحياة على اعتبار انه مخدر للشعوب ، ومن وجهة نظرهم فأنه لايتوافق مع روح العصر ومبادئ الحرية التي يدعون لها، كما أنه يتقاطع مع الفلسفة المادية الحديثة كالاشتراكية والراسمالية،  ويقيد من أفكار القيادة الحزبية التي أرتأت أن تكون لها قيم عصرية روادها يرون ان الدين عائق في وجوههم يمنعهم من الحصول على المكاسب والمغنم.

الشرائح الانتهازية

والانتهازية لاتعرف طبقة معينة من الشعب فهي حالة يمكن أن تصيب أغلب الشرائح، وهي ملجأ لطبقة المحرومين الذين لايتمتعون بحصانة دينية وأخلاقية، وفي نفس الوقت تعتبر ملجأ لطبقة الطغاة المستهترين بحقوق الناس.

ويتضح مما سبق ان مختلف الطبقات التي يمكن أن تتلبس بلباس الانتهازية هي كما يلي:

اولا: طبقة السياسيين

أصبحت الطبقة السياسية في هذا العصر خصوصا داخل البلاد العربية من اكثرالطبقات المصابة بحالة الانتهازية حيث أنها تجاوزت طبقات المصالح المدنية وتعدتها الى ركوب جميع المصالح التي تتعلق بالمال والسلطة والمنصب،  ولم تقتصر هذه التجاوزات على الاحزاب والجماعات والافراد العاملين في السياسة بل شملت الفئات ذات المناصب العالية كالوزراء وغيرهم.

ثانيا: طبقة الحكام

وعندما تجد الانتهازية طريقها الى الحكام والقضاة فأن ذلك يعد أمرا خطيرا بالغ الخطورة لانه  سينخر في راس هرم الدولة ويعمل على نشر الفساد في كل مفاصلها بأعتبار أن ألاعمال الانتهازية لاتقتصر على مسؤول أو فرد واحد بل على عصابات وشبكات منظمة غايتها تحقيق الاهداف والمصالح المشتركة.

ثالثا:  طبقة التجار

وبالنسبة لطبقة التجار فهي من اهم الطبقات التي يمكن ان تلعب دورها في التخريب وظهور خطوط الفقر اذا ماركبت موجة الانتهازية ولاتخلو هذه الطبقة وعلى طول العامل الزمني من الوقوع في حبائل الانتهازية وعندها ستكون السباقة الى تحويل رؤوس الاموال الى سلاح يحيط بالفقراء وذوي الدخل المحدود من العمال والموظفين والذين هم في خطوط متدنية ولايملكون غير قوت يومهم،  ولايجدون مصادر تعينهم على واقعهم المعاشي المتعلق بحاجاتهم الضرورية من مسكن أومأكل أوملبس أوعلاج أو دواء.

رابعا:  طبقة العمال وأرباب المهن والباعة المتجولين

وبخصوص هذه الطبقة فأنها تعتبر من أهم طبقات المجتمع، وعليها المعول في عملية ادارة الآلة والحصول على الانتاج،  واحداث التطور،  وهي التي توفر الحاجات الزراعية والصناعية اليومية للمواطنين،  وتعمل على استقرار الوضع الاقتصادي للبلد، فإذا ماصيبت هذه الطبقة بالانتهازية فانها وبلاشك ستؤثر تاثيرا بالغا على حياة المواطنين لانها ستتعامل بوجوه الباطل في معاملات البيع والشراء.

خامسا: طبقة الموظفين

وفي هذا العصر نمت هذه الطبقة فأصبحت تشمل قطاعات واسعة، ونتيجة لأنتشار الفساد الاداري والمالي لعبت هذه الطبقة دورا كبيرا في تعطيل الاعمال اليومية للمواطنين بسبب تعاطيها للرشوة وعرقلة معاملات المواطنين.

سادسا:  طبقة المدرسين والمعلمين

وان من أخطر الطبقات الاجتماعية التي تلعب دورا في حياة المواطنين هي طبقة المعلمين والمدرسين باعتبارها العنصر المهم في عملية التربية والتعليم بعد أولياء امور التلاميذ والطلبة، وللاسف الشديد فان هذه الطبقة ورغم مكانتها التربوية المهمة الا انها اخذت تتعامل بالرشوة والتلاعب بمصائر الطلبة، وتعمل على تغيير نتائج الامتحانات لابتزاز الطلبة ولاجل الحصول على الاموال بطريقة غير مشروعة،  ومنها الدروس الخصوصية للطلبة الذين يدرسونهم بنفس المدرسة او الكلية.

سابعا: الاطباء والصيادلة

ومن الغريب وليس غريبا هذه الايام ان تكون هذه الطبقة من ضمن الطبقات الانتهازية التي تتطلع الى كسب المال بشكل سريع وعلى حساب أمن المواطنين وصحتهم حيث اصبحت تتاجر بالاعضاء البشرية وتجري عمليات طبية مهمة كاذبة للاعضاء كعمليات القلب والكلية وغيرهما من الاعضاء وتتاجر مع الصيادلة في كتابة قوائم الدواء المفرطة للمتاجرة واستغلال المواطنين الضعفاء وغير الضعفاء وتربط بهم المريض بصورة مستمرة الامر الذي يصبح فيه المريض وسيلة للربح الحرام ومن خلال خيانة مهنتهم الانسانية.

ثامنا: المهندسون من ذوي الاعمال الهندسية

كما لم تخلو طبقة المهندسين من الفساد الاداري والمالي واعمال الغش وعقد الصفقات الكاذبة وسرقة المال العام والضحك على الناس من ذوي الحاجات وابتزاز المواطنين باي شكل من الاشكال.

تاسعا:  طبقة الطلبة

وبالنسبة للطلبة فان هذه الشريحة وبدلا من ان تكون عمادا للمستقبل فانها اخذت تلجأ وبشكل جماعي للغش والرشوة محاولة الحصول على النجاح بأية وسيلة يساعدهم في ذلك معلمين ومدرسين يعتبر فيهم ان يكونوا قدوة فماذا نرتجي عندما يتحول كل هؤلاء الى فاسدين مفسدين وكيف سيديرون دولتهم في المستقبل وعلى اي اساس!

عاشرا: طبقة النساء

ولم تسلم طبقة النساء من الفساد الاداري والمالي بل أصبحت من أشد الطبقات التي تنتهز أية فرصة للحصول على المال الحرام أو فرص العمل من غير استحقاق،  وأخذن يتعاملن بالرشوة وإعاقة معاملات المواطنين..  فيالها من كارثة حلت بأخلاقية الناس فكيف لنا ان نعالج هذا الكم من الفساد وكيف لنا ان نقضي على كل هؤلاء المفسدين؟!

احد عشر: طبقة رجال الدين

لقد اصبح الامر خطيرا للغاية فالفساد وصل الى كل طبقات المجتمع حتى المتدينين خصوصا بعدما انتفخت طبقة رجال الدين واصبحت تعادل طبقات الموظفين او الاطباء والمهندسين والمعلمين وأخذوا يتاجرون بأموال الناس ويحصلون على المال بطريقة سهلة ليس فيها عناء فلننتظر الويل والثبور وعظائم الامور، وهل هناك اعظم من هذا الفساد الذي بلغ قمم الجبال وغطى السهول وطاف على المياه  فاصبح الناس يتاجرون في كل مصادر الطبيعة بما فيها الماء والهواء والطاقة وكل مفردات الحياة.

التخلص من الانتهازية

وبعد كل ماتقدم فإن السبيل للخلاص من الانتهازية والخروج من نفقها لايتم الا بتظافر الجهود المخلصة لجميع الهيئات والمؤسسات التربوية والارشادية ومنها الاسرة والمدرسة وخطباء المساجد بالاضافة الى تطبيق القانون.

اولا: التربية الاسرية: ويتحتم على الاسرة ان تجتهد في تربية ابناءها التربية الحقة وتنشئهم على القيم الفاضلة وتشجعهم على الاخلاص في اعمالهم وتهتم بنشر القيم والمبادئ الخلقية الرفيعة بينهم كالالتزام بالصدق والامانة والوفاء.

ثانيا: التربية المدرسية: وبالنسبة للمدرسة فان عليها واجب مهم لابد لها ان تقوم به وهو تقويم سلوك الطالب وتربيته تربية اخلاقية تقوم على اسس الامانة والصدق والوفاء والاجتهاد في العمل والاخلاص للوطن والتفاعل مع المواطنين بروح ايجابية تقوم على مبدأ التعاون البناء وحفظ الحقوق والواجبات وعدم التجاوز على الحقوق الفردية والحقوق المجتمعية للآخرين.

ثالثا: التربية الدينية: وعلى رجال الدين تقديم النصح والارشاد من خلال خطب الجمعة العبادية وتنبيه الناس الى الالتزام بمفردات الشريعة من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن معرفة الحلال والحرام واحترام حدود الله سبحانه وتعالى.

رابعا: واجبات الدولة: وعلى الدولة فرض القانون ومحاسبة الذين يتعاطون بالرشوة والمتورطين بالفساد المالي والاداري ومتابعتهم من خلال الأجهزة الرقابية المالية والادارية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/أيلول/2009 - 26/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م