حاجة السياسيين الى التقوى

عندما يفقد الانسان مصداقيته مع الاصدقاء

محمود الربيعي

بين التقوى الاجتماعية والتقوى السياسية

تتطلب التقوى الاجتماعية الى سلوك اخلاقي منضبط يجمع بين القيم الدينية والتشريعات الانسانية التي تحفظ الانسان وحقوقه وحرياته وفق اسس ومناهج وضابط تكفل للافراد والجماعات العيش بسلام وطمأنينة.

كما ان التقوى السياسية تحتاج الى الالتزام بالضوابط التي اشرنا اليها نفسها وعدم الانسياق وراء النزعات الحزبية الضيقة وضرورة تقوى الله في كل امر لأن ماعندنا ينفذ وماعند الله باق.

السعاية بين الاصدقاء

للجانب الاخلاقي اهميته في بناء العلاقات الاجتماعية لذلك فأن الله سبحانه وتعالى نبه على أهمية الاخلاق واعتبر سبحانه وتعالى ان جميع مبادئ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انما هي مقومات اساسية لهذا البناء، ومن هذا المنطلق يتبين اهمية كل من الصوم والصلاة والحج والزكاة اذ هي عوامل مساعدة في مجال التربية النفسية والاخلاقية ففائدة الصوم انما هي للأنسان وليس لله..  وتعتبر الصلاة ترويض للنفس وفائدتها ايضا للانسان،  وفي الحسابات الاخروية فالانسان له ثواب العمل وكذا فيما مايتعلق بامور العبادية الاخرى كالحج والخمس والزكاة فلاينال منها رب العالمين اي شئ لانه هو المالك والخالق والرازق وكل هذه الواجبات الدينية هي عوامل ترويضية للنفس وبالتالي تحمل تلك النفس على الاتصاف بمعالي الاخلاق وجعل النفس في حالة سمو وعلو.

واذا اهتزت الاخلاق العالية كالصدق والوفاء والامانة وحل محلها الكذب والخيانة  فاذا ركبت تلك النفس مراكب الهوى ولاينحصر الامر في المسلمين فحسب بل يتعداه الى جميع اهل الاديان وغير اهل الاديان.

ومن الافعال الرذيلة للنفس الغيبة والبهتان والنميمة وهي اشد الامراض النفسية واخطر الذنوب التي يحاسب عليها الله سبحانه وتعالى، ومن العجيب ان يبتلى بهذه الفعال من يتسمى بلاسلام وخاصة ممن يتقلدون العالية والمناصب الرفيعة في هيكلية الدولة او داخل المجتمع أوعلى مستوى الوظائف حتى اصحاب الشهادات الاكاديمية ومختلف صنوف طبقات المتدينين الذين يدعون الاستقامة ويعيشون الحياة الدنيا على زيف من الالتزامات الادبية والاخلاقية.

فهناك الكثير من الناس من تلوثت اخلاقيته بفعل الاموال التي اكتسبها او الشهادة الاكاديمية المزورة التي حصل عليها والمراكز الحزبية التي تسلق منها حتى اصبح يجيد الادوار التي يجني من ورائها ربحا دنيويا وفيرا على حساب المبادئ والقيم الدينية والشرعية حيث تسعى مثل هذه المجموعات الى ايقاع الفتن بين الاخوة الاحبة وتعمل على اسقاط هيبة العناصر الجيدة.

الغيبة والبهتان والنميمة ظواهر سلوكية خطيرة

المشهور أن الشرع والقانون يحاسب على الجرائم المادية كالقتل والسرقة وغيرهما من الكبائر التي تتعلق بنفس الانسان وفي الجانب المادي الذي يتضرر منه جسده  والمتعلقات المادية العائدة اليه،  وهناك من الجرائم الاخلاقية والادبية مايتعلق بالامور المعنوية ومنها الغيبة والبهتان والنميمة وهي مالها علاقة  بشخصية الانسان وهويته الاجتماعية فالغيبة تقوم على اساس الاساءة الى شرف الانسان ومكانته الاجتماعية والسياسية ومايتعلق بالجوانب المعنوية كالامانة والوفاء والاستقامة والمصداقية لذا فأن تحطيم شخصية معينة سيصيب المجتمع بمشاكل كثيرة تدفع الى العداء وتقود الى الجريمة.

ويعتبر البهتان أعظم من الغيبة فاذا كانت الغيبة هي كشف المستور فأن البهتان رمي بالمجهول عندما يتهم الانسان بما ليس فيه اصلا ويعد ذلك من أخطر الاسلحة التي يستعملها أهل الغدر.

ومن الطبيعي ان هذه الذنوب اي الغيبة والبهتان قد لاتقع تحت طائلة الحساب القانوني والشرعي لكن الله سبحانه وتعالى أوعد عليهما اشد العذاب الشديد فهما أعظم من الزنا في ذات محرم في البيت الحرام لانها تسقط مكانة الانسان داخل المجتمع وتلغي هويته ودوره في الحياة الاجتماعية وهو امر لايسامح عليه الله الا اذا اعتذر الانسان من ذنبه ومما ارتكبه في حق غيره وهي عملية ليست سهلة.

تحقيق المصالح على حساب العلاقات العامة بين الاصدقاء

ان اكثر العلاقات الاجتماعية والتجارية والسياسية اخذت تتهدد بوسائل غير مشروعة تتم على حساب القيم والمبادئ الاخلاقية حين يلجأ السياسي او التاجر او اي فرد من افراد المجتمع مهما كانت هويته سواء كان سياسيا أوطبيبا او مهندسا او محاميا او عاملا رجلا كان او امرأة الى اسقاط هيبة صاحبه او خصمه وغريمه لأجل ان يبقى هو فوق الجميع ولاجل ان لايسمح لغيره من الوصول الى حقوقه المدنية والانسانية والسياسية والمالية والاجتماعية وهو قمة الغدر والدناءة.

ان هذا النوع من السلوك العدواني له اسبابه ودوافعه التي تتعلق بحال نفس الانسان الذي يلجأ الى مثل هذا السلوك المتدني  والى الشعور بالنقص وعدم القدرة على نيل المراتب العالية الا بالحيل والاكاذيب واللجوء الى الاخلاق الرذيلة كما ذكرنا ومنها الغيبة والبهتان والنميمة والسعي الى بذر الفتن بين الاخوان.

طرق مريضة للايقاع بين الاصدقاء

ان مايرتكبه الشخص من اخطاء في حق غيره وعلى اسس الشبهة والغيرة والحقد واللؤم والبحث عن اخطاء الآخرين امر خطير لايصيب المستويات الادنى من شرائح المجتمع فحسب لكنه أن يصيب المستويات الاعلى من رجالات المجتمع والسياسة والمال ويصبح اشد خطورة وبالذات عندما يكون بين المعارف والاصدقاء انفسهم وعلى  حساب التشريع والقيم الفاضلة وسيشكل خطورة على الوسطين الاجتماعي والسياسي.

واخيرا ندعو كافة اخواننا داخل العملية السياسية ان يتجنوا موارد الغيبة والبهتان والنميمة وان يلتزموا بطريق التقوى والاستقامة وفق الله الجميع لخدمة عراقنا الحبيب ونساله تعالى ان يمن على شعبنا العراقي بنعمة الاخوة والمحبة والسلامة خصوصا في هذا الشهر الكريم وهو شهر رمضان المبارك انه سميع مجيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 9/أيلول/2009 - 19/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م