هل البرلمان هو الحل؟

مرتضى بدر

العمل السياسي غير محصور في حراك برلماني أو نشاط حزبي، أو حتى في القدرة على حشد الجماهير في المسيرات والتجمعات. الأنشطة المذكورة تعتبر في مجموعها روافد للعمل السياسي...

هذه الروافد تنطلق من منبع واحد يتمثل في الثقافة السياسية والمسؤولية الوطنية، وتتفرع كالأنهار، وتسير في عروق وشرايين الدولة بمكوناتها الثلاثة: الوطن، والشعب، والحكومة، وفي المحصلة تصبّ نتاج عملها في مصلحة الوطن والمواطن.

 وبما أنّ دعامة العمل السياسي حسبما أشرنا إليها تتكون من عاملين، هما الثقافة والمسؤولية، فإنّ انعدام أي من هذين العاملين يؤدي بالعمل السياسي إلى أن يكون ناقصاً وفارغاً من محتواه، وقد لا يؤدي إلى غاية وهدف، بل في أحايين كثيرة يؤدي إلى عواقب سياسية جسيمة، كإيجاد شرخ في كيان الدولة، أو خلق فرقة طائفية أو قومية؛ لهذا نجد معظم الأحزاب السياسية في العالم تعمل على تثقيف الجماهير وتوعيتها من خلال أدبيات وإرشادات حزبية، كما أن الحكومات في الدول الديمقراطية تعمل على تنفيذ مشاريع تهدف إلى تنمية العملية السياسية من خلال وضع مناهج دراسية لتثقيف الطلبة كل ما يخص المواطنة، والحقوق الدستورية، والأنظمة السياسية، إضافة إلى قيامها بتأسيس معاهد ومؤسسات بهدف تدعيم العملية الديمقراطية.

والمعلوم أنّ جميع الأنظمة الديمقراطية التي تتبنّى مبدأ تداول السلطة تخصص موازنات كبيرة لدعم الأحزاب والنقابات؛ بغرض تشجيعها على المشاركة السياسية، وخصوصا في الانتخابات البرلمانية والبلدية.

 لا شك أنّ الدعم المادي الذي تقدمه الحكومة في المملكة للجمعيات السياسية له تأثير إيجابي في تنمية الثقافة السياسية، بيد أنّ الإجراءات التي تتخذها الحكومة ضد بعض الجمعيات السياسية كإغلاق المواقع الالكترونية ووضع العراقيل أمام إقامة بعض الندوات تترك تأثيراً سلبياً على العملية السياسية.

 وبالعودة إلى موضوعنا الأساس، ربما يستذكر المواطن أنّ الشعار الكبير والمطلب البارز لأحداث التسعينات (البرلمان هو الحل) الذي كان له تأثير إيجابي على الحركة المطلبية، حتى بات الجميع... المثقف والأمي... يردد هذا الشعار ويراه منقذًا - حسب اعتقاده - بيد أنّ من صنع هذا الشعار وأشاعه بين الجمهور، إما أنّه كان ينقصه شيء من الثقافة السياسية، أو أنّه قد بالغ كثيراً حتى اعتقد أنّ البرلمان الذي يدعو إليه سيكون هو الحل الوحيد للأزمة السياسية آنذاك.

 وقد كتب أحد كوادر المعارضة في الخارج أنّ إعادة الحياة البرلمانية ستكون العامل الأساس في نقل البلاد من النفق المظلم إلى فضاء ديمقراطي رحب، وطالب بأن يكون البرلمان المنتخب شبيهًا بالبرلمانات في الأنظمة الملكية الدستورية، كالبرلمان البريطاني الذي يتمتّع بصلاحيات واسعة.

اليوم وبعد مرور فصلين تشريعيين، وبعد أن بلع الجميع شيئًا من العلقم نتيجة الأداء البرلماني الفاتر، بات معظم الناخبين اليوم يرون أنّ البرلمان ليس هو ذلك الحلم الذي كانوا يحلمون به، وضحى الكثيرون من أجله. إنّ برلماننا بتركيبته الحالية ليس بيده الحل والعقد. والحكومة بدورها أغلقت جميع أبواب المناورة السياسية والبرلمانية أمام النواب، إلا أنّها تركت لهم باباً واحداً وهو باب الإعلام، فلهم حرية مطلقة في توجيه الانتقادات للحكومة ووزرائها؛ لذا كثيراً ما نقرأ تصريحات نارية لبعض النواب حتى بات الناس يعرفونهم “بنواب الظاهرة الصوتية” و”نواب الإثارة الطائفية” و”نواب الخدمات”.

وفي الوقت الذي لم نشاهد فيه تفعيلاً جادًا للأدوات البرلمانية كالرقابة والتشريع، فإنّنا لم نلمس في الأفق أية بوادر لحل هذا الخلل البرلماني؛ فالدوائر الانتخابية أصبحت مغلقة، واللائحة الداخلية للمجلسين باتت عائقة، والمشاريع بقوانين تُطبَخ جميعها في مطبخ الحكومة (دائرة الشؤون القانونية)، وتُفصّل وفق مقاس الحكومة، وبعدها تُمرّر على المجلسين، ثم ترجع معظمها إلى الحكومة بعد المصادقة عليها من قبل المنتخبين والمعيّنين...

 بعض القوانين المطروحة تواجه حذفًا أو إضافةَ مادةٍ أو مادتين، أو كلمة هنا وجملة هناك، ولكن في النهاية تُبصَم وتُرفَع للحكومة. في المحصلة، يمكننا القول إنّ العملية البرلمانية تصبّ في مجملها في صالح الحكومة.

 إنّها علاقة حب تربط بين الطرفين... فألف مبروك على الحكومة والبرلمان سنوات العسل..!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/آب/2009 - 10/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م