معالجة مشاكل الامن والدفاع بعد خروج المحتل

محمود الربيعي

النسيج العراقي لايمكن ان يهزم أو يمزق بسهولة من قبل اعداء شعب العراق

لقد نسي النظام السابق ان النسيج العراقي لايمكن ان يهدم في الوقت الذي لايمكن ان نبرئ حزبه العدواني على كل الذي افعله من الجرائم غير عادية وكان عليه ان يتبرء منها اعضاءه ومنتسبيه منذ وقت طويل، وللاسف الشديد فان كل تلك الجرائم التي ارتكبوها لم توقظ ضمائرهم الميتة لما كان يتساقط على منتسبيه من الامتيازات ولما كان لهم من حصانة حزبية واموال وممتلكات سرقت من جلود شعبنا المستضعف وصرف الباقي على الحروب في الخارج والداخل ومنها التشكيلات والاجهزة المختلفة للحزب التي قامت بحملات الاعدامات التي راح ضحيتها الآف من الابرياء وزج آلافا اخرى في السجون والمعتقلات وسبيت الكثير من العوائل الكردية والشيعية والتركمانية سبيا عظيما.

سياسة التطهير العرقي سلوك عدواني متأصل لقيادات قيادات حزب البعث

وبعد سقوط النظام جندت قيادات حزب البعث المنهار واجهزته القمعية الجبانة الاموال التي سرقوها بعد ان افرغوا الخزائن بالاضافة الى المعلومات الامنية والاستخباراتية التي كانت بحوزتهم ووظفت فيما بعد في مجال تمويل العصابات الاجرامية والمجموعات الارهابية التي اتفقت معها وشاركت في عمليات القتل والجريمة المنظمة ومنها الاغتيالات والتفجيرات، كما اشتركوا في عمليات القتل الجماعي والابادة الجماعية للشيعة والتركمان وبقية الطوائف والاطياف الاخرى ومارسوا سياسة التطهير العرقي لابناء شعبنا العزل بعدما حصلوا على الدعم الطائفي من بعض الدول (الاسلامية اللااسلامية)، وشاركهم في ذلك الاعلام المسيس الذي تقف وراءه منظمات سرية خارج الوطن العربي وداخله الى جانب الدعم اللامحدود من قبل بعض الدول النفطية في المنطقة.

ولم تختلف اغلب قيادات حزب البعث في سلوكها العدواني فقد كانوا نسخا مطابقة لاصل قيادتهم الرئيسية الظالمة التي تركت آثارها على جميع مفاصل حياة العراقيين الذين اظهروا غضبهم وقت الانتفاضات الشعبية المتكررة.

لاغنى عن الاستفادة من خريجي الكليات والاكاديميات العسكرية للجيش والشرطة

نحن لانشك في مقدرة الضباط الاحرار من ابناء العراق الذين درسوا في الكليات والاكاديميات العسكرية وتخرجوا من اجل المشاركة في حماية الوطن والدفاع عنه، وحفظه من المخاطر سواء في سلك الجيش او الشرطة، لكن النظام السابق أنشأ جيشا وترسانة ضخمة زج فيها أعدادا كبيرة من الضباط ممن حملهم واكرههم على انتهاج سياسة طائفية وعنصرية اتسمت بطابع العنف الذي مورس ضد ابناء العراق وجيرانه والوقت الآن مناسب لمشاركة حقيقية في عملية البناء والاستقلال والتعاون مع الارادة الشعبية طوعا.

شعب العراق اصبح اكثر قدرة مما كان عليه

ولكن! ورغم كل مافعله حزب البعث من اعمال لاانسانية فان عليه ان لاينسى ان شعبا جديدا يعيش اليوم في العراق يتسلح بالمعلومات الاستخباراتية والامنية ويتمتع بنظام معلوماتي فتي لابأس به تطوع لاجل ان يحافظ على أمن العراق وحياة مواطنيه، وسيدافع عن نفسه وقت الحاجة والازمات ولايمكن لاحد ان يلحق به الهزيمة.

ان على أزلام وبقايا النظام السابق ان يدركوا أن شعبنا العراقي اليوم ليس الذي كان في عهد حزب البعث.. فقد اصبحت بين يديه وسائل كافية يدافع بها عن نفسه بعد ان كان اعزلا، واصبحت لديه قواعد شعبية تنازع من ينازعها كبيرة في عددها وعددها، ولها مقومات وجود لايمكن لاحد ان يتجاهلها، ولان هذا الحزب المهزوم ارتضى لنفسه الاستمرار في نهجه العدواني ولم يراعي المشاعر الشعبية سيتلقى الكثير من الضربات التي سيوجهها له شعبنا الكريم والذي أصر على التقدم الى امام وعدم الخضوع له ولن يفسح المجال امامه بالعودة.

اعمال العنف الاخيرة في مناطق بغداد والموصل من عمل الاشرار

ان اعمال العنف الاخيرة والتي حدثت في بعض مناطق بغداد والموصل لها اهداف عديدة منها استخدام حزب البعث الهرم المنهاراساليب مخادعة يريد منها اشغال القوات العراقية والتشويش عليها من المناطق التي يظن انها ملاجئ آمنة اليه بعد ان خرج المحتل ولقد تعودنا على جبنه واختباءه طوال المدة التي كان فيها الاحتلال يشارك العراقيين في الملف الامني وكان يمارس في تلك الفترة القتل الجماعي العشوائي للمواطنين الابرياء من أبناء العراق بعيدا عن مواجهة المحتل.

 ويحاول هذا الحزب من خلال تخرصاته ان يجعل من هذه المحافظات منطلقا عنصريا وطائفيا، لكنه وبالتاكيد سيفشل لامحالة ولن ينجح في مشروعه الخاسر، فحزب البعث الذي مارس العنف والقتل والتهجير والاعتداءات قبل سقوطه الدرامي هو نفس الحزب الذي جند المغفلين طوال ست سنوات مضت ولازال يغامر وينتحر في كل مكان حتى يهلك وهو يحلم بالعودة الى السلطة ونسي ان الشعب الذي رفضه بالامس هو نفسه الشعب الذي يرفضه اليوم ولن يقبله غدا، وان شعبنا العراقي متمسك برفض عودته بأي شكل من الاشكال، وان الراي الشعبي العام يعلم تماما مدى خطورة هذا الحزب على مستقبل العراق السياسي وأمنه.

لقد تمكنت القوات المسلحة والشرطة العراقية من تطوير اجهزتها، وهي اليوم اكثر وعيا وطاقة من ذي قبل وهي تحتاج الى مزيد من التطوير لملاحقة الارهابيين والمجرمين بالاعتمادعلى الدعم المعلوماتي الذي تقدمه لها وزارتي الامن والدفاع وعلى الدعم الشعبي الواسع.

واما بالنسبة للاختراقات الامنية فقد يكون احد اسبابها عدم انسجام الاجهزة الامنية نفسها في بعض المفاصل وضعف الرقابة الشعبية في اماكن اخرى والسبيل الى معالجتها يرتبط باسلوب تطبيق القانون، ويتطلب ذلك الامر اعادة النظر في هيكل تلك الاجهزة وطريقة توزيعها وانتشارها في المناطق والمفاصل الرئيسية المهمة.

ان اعادة هيكلة النظام الامني يحتاج الى مزيد من الخبرة والتدريب العالي ويعتمد على عامل الاخلاص والصيانة الامنية الذاتية داخل صفوف العمل الامني، كما لابد من تطوير وسائل الكشف المبكر بما يتناسب وتزايد اعمال العنف من حيث الكمية والنوعية ويحتاج ذلك الى وضع دراسات امنية تخصصية حديثة ترفع من مستوى العاملين في الوسط الامني والدفاعي.

ان من عوامل تطوير النظام الامني هو الاهتمام بحصيلة المعلومات التي بحيازة الاجهزة الامنية حول حوادث العنف المستمرة وتقديم دراسات وبحوث عنها والعمل على تقيييمها تقييما موضوعيا وجديا للخروج بنتائج مفيدة.

كما ان على الاجهزة الامنية تشديد الرقابة الرسمية والوطنية الشعبية، وينبغي تطوير أجهزة الكشف عن حالات الاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وبقية الوسائل العدوانية التي يستخدمها الارهابيين، والحاجة تستدعي التنسيق بين الجهات المختلفة لملاحقتهم والكشف عن شبكات الارهاب التي تعمل داخل العراق او المرتبطة بالخارج مع تقديم دراسات تخصصية بهذا الشان تتناول جميع المعلومات الاحصائية الرقمية والبيانية.

ان بعض الاجراءات التي اتخذتها الدولة كرفع الحواجز الكونكريتية دليل على تجاوز المرحلة الامنية الصعبة والنظر الى اهمية السياج الامني الذي يخلقة المواطن، فالحواجز الامنية الحقيقية تكمن في روحية المواطن العراقي الذي يحافظ على الامن ويعتبره واجبا وطنيا ومسؤولية تضامنية مع الدولة.

كما ان الاهتمام ببعض المفاصل الهامة يعتبر ضرورة كالتركيز مثلا على توفير أمن طريق المطارات وجميع مفاصل العمل داخل المطار والطرق المرتبطة به مع المدينة، فمن خلال هذا المثال تحتاج المطارات الى تسجيل اسماء كافة سائقي مركبات النقل العام ومركبات الاجرة عند الدخول والخروج لضبط المتسللين من السواق.. والعمل على تفعيل التفتيش الدوري للسواق والمركبات وكافة العاملين في جهاز المطار مع الرقابة الدورية على الاجهزة الامنية التي تعمل في المطار والشوارع المرتبطة به وبالمدن وتأمين الامن الكافي للمسافرين الداخلين والمغادرين.

 وقد لاحظ المواطنين مدى استفادة القوات الاجنبية العاملة في طريق المطار من ظاهرة استخدام الكلاب البوليسية المدربة في عمليات التفتيش بالاضافة الى الاجهزة التكنولوجية الحديثة التي تستخدمها، وينبغي على القوات العراقية ان تحذوا حذوها وتستغل هذه الوسائل.

والمثال الثاني هو حالات القتل العشوائي والتفجيرات الارهابية التي تمارسها زمر الاجرام وسط التجمعات كما حدث في مواقع الفحص الطبي لافواج التطوع من رجال الشرطة والجيش، وكذلك ماحدث لدور الرعاية الاجتماعية وفي جسر الائمة مما يدعو المسؤولين الامنيين الى تشديد الرقابة الامنية في تلك الاماكن.

ان الاهتمام بطريقة اختيار منتسبي الجيش والشرطة يتوقف على الانتقاء النوعي الذي يعتمد بصورة اساسية على درجتي الكفاءة والاخلاص للراغبين في الانتساب او التطوع.

واخيرا فأن من المهم الاعتماد على الخبرات العلمية في مجال الاستفادة من المختبرات وفي مجال التصنيع العسكري للعمل الامني، كما ينبغي الاستفادة من العقول العراقية في مختلف الاختصاصات الامنية وتوفير الجو العلمي المناسب الذي يدعو الى تشجيع الصناعة العراقية العلمية العسكرية والامنية.

ولمعالجة ملفي الامن والدفاع نخلص الى مايلي:

أولا: اهمية الاعتماد على الطاقة الشعبية وجهود المواطنين في الحماية والدفاع والرقابة كبديل ناجح عن الحواجز الكونكريتية والحواجز المصطنعة.

ثانيا: الحاجة الى استخدام وسائل اكثر تطورا في عمليات التفتيش والدعم المعلوماتي.

ثالثا: معالجة الاختراقات الامنية بالاعتماد على تحديث طرق ووسائل مكافحة ومعالجة الجرائم الامنية واعمال الارهاب.

رابعا: استحداث دائرة او شعبة للامن الاعلامي ودائرة للشؤون القانونية الاعلامية متخصصة لمراقبة وملاحظة حالات الاخلال بالامن الوطني والشعبي وملاحقة اجهزة الاعلام المعادية والمضرة بامن العراق قانونيا.

خامسا: اجراء تقييمات مستمرة للانسجام داخل الاجهزة الامنية والرقابية في جميع مؤسسات الدولة والاهتمام بوضع رئاسات نزيهة لايتطرق اليها الشك تلتزم بالثوابت الوطنية.

كما ان هناك بعض المقترحات والملاحظات التي يمكن الاستفادة منها وتعميمها منها:

أ - الاهتمام باختيار وتربية العناصر الكفوءة والمخلصة في سلكي الجيش والشرطة.

ب - الاستفادة من العقول العراقية في مجالات العلوم والمختبرات والصناعات العسكرية خصوصا فيما يتعلق بالعملية الامنية ونشجع على استحداث مختبر خاص بالاختراعات والابداعات في مجال التصنيع العسكري ترفد عملية الدفاع الامني والكشف المبكر قبل وقوع الجرائم والعمليات الارهابية.

ج - تقديم بحوث ودراسات عن حوادث الاجرام والارهاب.

ب - الحاجة الى الكشف المبكر عن وسائل العنف كالاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.

د - تشديد المراقبة في مناطق التجمعات المستهدفة وفي مراكز التطوع عند بوابات مؤسسات الجيش والشرطة.

ه - معالجة الحالة الامنية للمواطنين في المطارات والطرق المؤدية اليها.

و – الاستفادة من وسائل الكشف المعتمدة لدى فرق الشرطة الدولية كاستخدام الكلاب المدربة، وتدريب الضباط على الفروسية.

واخيرا نتمنى للعراق مستقبلا زاهرا في جو يسوده الامن والاستقرار والحياة السعيدة وفي ظل اجواء العدل والديمقراطية والتعايش السلمي بين صفوف مكونات شعبه الكريم والله الوفق والمسدد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آب/2009 - 4/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م