ميلاد مشاعل ثورة انوار خالدة لاتطفأ ابدا

هلال آل فخرالدين

ان قراءة متأنية للتاريخ الانساني عامة وما حدثت فيه من ثورات غيرت مسار التاريخ والانماط الحياتية والثقافية والمعرفية وانتقاله من طور الى طورخاصة بما فيها النهضات الرسالية الكبرى..لنوح..وابراهيم..وموسى..وعيسى..وما تخللها من مناهج اصلاحية لمسلسل الانبياء المتعاقبين نلاحظ انها اما ان تكون مرحلية او محددة بمكان او محيط معين او مخصصة لقوم او لشعب بذاته وبعد فترة او امد على اندلاع تلك الثوراة والنهضات تاخذ بالافول التدريجي الى الخمود وتبقى مجرد صفحات مطوية في ثنايا التاريخ.

 وحتى ماقامت في العصر الحديث من ثورات مفصلية خطيرة تغييرية للانظمة وللخارطة السياسية وتشكيل المجتمعات خصوصا في الغرب كالثورة الفرنسية وسقوط اسرة ال بوربون الملكية وقيام الجمهورية وسن مباديء حقوق الانسان بدعوات مفكرين كبار ملؤا الدنيا وشغلوا الناس امثال فولتير وروسو مونتسكيو وتنامي الشعور الوطني بالتحرر من الاستعباد والاستعمار.

 وقيام الثورة الامريكية وما رافقها من تشريعات انسانية وديمقراطية والغاء الرق وتوحيد البلاد واستمرار لهيب الثورات في اوربا واهتزاز عرش الانكلو سكسون في بريطانيا بقيام ثورة كرومويل التحررية ضد الملكية والاخذ بالدستور وتحديد سلطات الملك والثورة الدستورية (المشروطة) في ايران القاجارية والسلطنة العثمانية عام 1908 ضد الاستبداد الحميدي وظهور جمعية (الاتحاد والترقي) تحت شعار(اخوة عدالة مساواة)بتاثير فتاوى مرجعية الامام الخراساني المناهضة للتسلط وتنظيرات العلامة النائيني الدستورية وصيحات الافغاني الاصلاحية اخيرا قيام الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا ضد الاسرة القيصرية ال رومانوف بقيادة فلادمير لينين وتروتسكي عام 1917وانتشار المد الشيوعي الثوري الاشتراكي ليشمل شرق اوربا وامريكا الاتينية والشرق وظهور التناطح بين القطبين والحرب الباردة...

وما رافقها في عالمنا العربي من انقلابات عسكرية اطلق عليها ثورات كانقلاب الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر في مصر عام 1952 وتسلط (مجاس قيادة الثورة).. وما تبعه من موجات انقلابية في العراق عام 1958 وسوريا واليمن وليبيا والسودان..الخ وما رافقها من ظهور الحزب القائد ودكتاتورية الزعيم الاوحد وتغييب الدستور والحياة الديمقراطية والمجالس البرلمانية...

وان كل تلك الثورات الكبرى والانقلابات مهما طال امد تاثيرها وزمن بريقها لكنها سرعان ماتفقد حيويتها وتضمر او تتكلس وتغيب افكارها ولايبقى من مباديئها الا الشعارات وتصبح طي النسيان لاغير... لفقدان الانعكاس الالهي والمدد الرسالي والبعد الروحي في طياتها والاخلاص للافكارفي تطبيقها  لبقائها فاعلة مؤثرة متبرعمة... غير ثورة القربان الالهي الفذة التي لم ولن تشفع ابدا ثورة محيى رسالة جده المصطفى (ص) : (حسين مني وانا من حسين) التي لاتزيدها حقب الازمنة واختلاف العصورالا خلودا وتألقا وعطاء تاتى اكلها كل حين باذن ربها..فماهذا السرالمكنون..؟

الجواب من الحضرة القدسية:(في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدووالاصال) النور:36

بدء ولادته بشرى وثورة في السماء بعفوا الجليل عزوجل عن ملكه المقرب (فطرس)..حتى تشرفت بهز مهده يد السماء...وما اروع المتغني بمولد الكرامة:

وبافق مهدك من جهادك اشرقت للفتح ايات بوجك ترسم

كيف لا وهو ابن سيدة النساء الزهراء البتول..واجاد من صدح منشدا :

انت الحسين ودون مجدك في العلى مجد المسيح ودون امك مريم 

وحيث تبقى في الدنيا ثورته مدرسة للاجيال بما سنه للمحرومين والمضطهدين والمظلومين من سنن الحياة الكريمة ومقارعة الظالمين والصبر على كل نازلة حتى النصر او الشهادة بما جسده للقيم والمثل حتى اصبح صورة ناطقة تستلهم منه كل معاني سموالاخلاق والعطاء غير المجذوذ حتى غدا رمزا مباركا اين ما كان للبشرية جمعاء لكل مفاهيم الصمود والعزة والبطولة والتضحية بكل شيء دفاعا عن فكرة القيم الانسانية الرفيعة والمباديء السامية في محاربة الطغاة وعلى نهجه مضى جميع انصاره لم ترهبهم كثرة الاعادي الا ثباتا على مواصلة الدرب ومنازلة الجيوش الجرارة المدججة بالاسلحة وقد وضعوا القلوب المملؤة ايمان امام الدروع في مقابل جحافل الشيطان الذين حرسوا قلوبهم بالدروع وشتان بين قلوب تحميها الدروع ودروع تحميها القلوب....

طبعا انها معركةغير متكافئة ليس فقط في العدة والعدد بل وفي كل الاشياء..المعاير والاهداف والقيم...

نهضة سليل محمد الاصلاحية حرب مستعرة بين قوى الظلام والعدوان وبين ناموس الحق في سبيل الحق وتحرير الانسان من العبوديات ونير الاستعباد واحياء منهج للحياة قائم على العدالة والمساواة والتسامح والحب واحترام الاخر وحقوقه في العيش الكريم بامان وسلام...فرغم جهود كل فراعنة الامبراطوريات المتسلطة الاموية والعباسية والعثمانية وغيرها من النظم والمذاهب التكفيرية الضالة ودس علماء السوء وكيد اعلام الحقد والتزييف لطمس معالم تلك الثورة الحضارية المباركة ومحو ذكر مفجرها ورائدها سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين فما يزيدها ذلك الا عملقة وفوح اريج مميز واندحار تلك الانظمة وذهاب فراعنتها الى مزابل التاريخ حيث وقف السبط امام حشود البغي ساعة لكنها باذن الله باقية الى قيام الساعة..

واحسن من ترنم في مصباح الهدى صادحا :

قد مات ذكرهم وذكرك عاطر والوحي حي والرسالة برعم 

واخيرا فثورة سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين.. ثورة رسالية خالدة مجلجلة اقامت عروش واسقطت عروش وستبقى وقادة تستمد منها كافة الامم والشعوب المقهورة التواقة للحرية والانعتاق من قوى الشروالظلام اسمى الايات الربانية والمعاني الانسانية حيث يبقى ميلاد ابوالاحرار وسفينة النجاة الامام الحسين ميلاد مشاعل انوار يستنير به كل ثائر ومشروع تحرري مفتوح للتغيير لايطفأ ابدا....

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/تموز/2009 - 4/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م