افغانستان: مجتمع مقهور يداوي جراحاته بالأفيون والانتحار!؟

مثلّث الفقر والعنف الأسري والإدمان يدمّر العائلة الأفغانيّة

اعداد: صباح جاسم

- أم افغانيّة...عندما يصيب أطفالي الأرق ويستمرون في البكاء أُعطيهم قطعة صغيرة من الأفيون! فيهدؤون ويخلدون إلى النوم مما يسمح لنا بالعمل!؟.

 

شبكة النبأ: لفت تقرير إلى تفشي ظاهرة إدمان المخدرات في أفغانستان بشكل مهول، حيث توسّعَ نطاق استخدام المخدر بين النساء وحتى الأطفال في الدولة التي يصل فيها عدد المدمنين إلى قرابة مليون شخص...

وأفغانستان هي إحدى الدول التي تضم أعلى معدلات وفيات الرضَّع والوفيات النفاسية في العالم، وفي ظل تفشي انعدام الأمن الغذائي وندرة الرعاية الصحية الجيدة أثناء الولادة، تنجب المرأة الأفغانية خمسة أو ستة مواليد في المتوسط على الرغم من المخاطر الصحية التي تحدق بها في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها.

الافغانية توردي، توقفت أخيراً عن تعاطي الأفيون بعد أن أنجبت ستة أطفال ميتين لتنجب بعد تعافيها من الأدمان طفلة تتمتع بصحة جيدة.

وقالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) من بيتها في مقاطعة شورتابا في إقليم بلخ، شمال أفغانستان، قائلة: "كنت أستخدم الأفيون لتخفيف الآلام ولأتمكن من العمل بشكل أفضل".

وقد أوهنَ الإدمان والساعات الطويلة من العمل الشاق وسوء التغذية جسد توردي إلى درجة كادت تفقد معها حياتها أثناء ولادتها السادسة قبل أن تهرع بها أسرتها إلى مستشفى المنطقة.

وعن تلك التجربة قالت: "قال لي الأطباء إن لم أتوقف عن تعاطي الأفيون فسأموت حتماً في حملي القادم".

وما تمر به توردي هو أمر شائع بين النساء العاملات في نسيج السجاد في أفغانستان اللواتي يستخدمن الأفيون كمسكن للآلام ولتجنب الإرهاق.

وتنتج البلاد حوالي 200 مليون متر مربع من السجاد والأبسطة كل عام، وتصدر ما قيمته 170 مليون دولار من هذه المنتجات.

وينخرط في هذه الصناعة بدءاً بمربي الأغنام الذين ينتجون الصوف وحتى التجار الذين يصدرون المنتج النهائي نحو ستة ملايين شخص من مجموع سكان البلاد البالغ 30 مليون نسمة، وفقاً لوكالة دعم الاستثمار في أفغانستان.

ويقول العاملون في المجال الصحي إن الإدمان على الأفيون قد تفاقم في أوساط المرأة الريفية في أفغانستان لتعذر الحصول على الخدمات الصحية بسبب القيود الثقافية أو ندرة المراكز الصحية.

وقالت محبوبة عبدي وهي طبيبة توليد في إقليم بلخ أن "استخدام المرأة للأفيون ليس للمتعة أو الترف ولكنه مسكن الألم الوحيد المتاح لها".

ولا يوجد معلومات حول عدد الأفغانيات اللواتي يتعاطين الأفيون، ولكن مسحاً أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في العام 2005 أفاد أن عدد الإناث المدمنات في البلاد يصل إلى 120 ألفاً.

كما تشير التقديرات إلى أن عدد مدمني المخدرات في أفغانستان قد وصل إلى 900 ألف شخص على الأقل عام 2005 من مجموع سكان البلاد البالغ 25 مليون نسمة في ذلك العام.

إدمان الأطفال!؟

بدورها، قالت فيروزة وهي حائكة سجاد وأم لستة أطفال من إقليم فرياب في شمال البلاد: "عندما يصيب أطفالي الأرق ويستمرون في البكاء لا استطيع عندها العمل. أعطيهم قطعة صغيرة من الأفيون فيهدؤون ويخلدون إلى النوم مما يسمح لنا بالعمل".

ويقول أطباء الأطفال إن إعطاء الأفيون للأطفال والرضع أمر شديد الخطورة حيث قال همايون أنصاري وهو طبيب من إقليم بلخ أن "الأفيون بالنسبة للأطفال كالسم تماماً".

وأفغانستان هي إحدى الدول التي تضم أعلى معدلات وفيات الرضع والوفيات النفاسية في العالم، كما تسجل أعلى معدلات الخصوبة في آسيا، وفقاً لمنظمات الأمم المتحدة.

وفي ظل تفشي انعدام الأمن الغذائي وندرة الرعاية الصحية الجيدة أثناء الولادة، تنجب المرأة الأفغانية خمسة أو ستة مواليد في المتوسط على الرغم من المخاطر الصحية التي تحدق بها في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 39 بالمائة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام في أفغانستان يعانون من نقص الوزن و54 بالمائة من التقزم أو من نمو بدني أقل من المستوى الأمثل و53 بالمائة من نقص فيتامين (أ) وأكثر من 60 بالمائة من نقص الحديد وفقر الدم. ونتيجة لذلك، يموت نحو 600 طفل دون سن الخامسة كل يوم بسبب الالتهاب الرئوي والإسهال وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

وفي عام 2005، ساهمت أفغانستان بنحو 92 في المائة من إجمالي إنتاج العالم من المخدرات، بارتفاع بلغ 70 في المائة عن إنتاجها عام 2000، و52 في المائة زيادة عن معدل العقد الماضي.

وتوسعت مناطق زراعة المخدرات في البلاد من 257 ألف فدان عام 2005 إلى 407 ألف فدان في 2006- أي بزيادة قدرها 59 في المائة.

وإلى ذلك، يتزامن التقرير مع قصف القوات الأمريكية 300 طن من بذور الخشخاش في جنوبي أفغانستان، في سياق مساعي لتدمير مصدر تمويل الأساسي لحركة طالبان.

النساء تلجأ الى الانتحار هرباً من جحيم الحياة

بعد التعرُّض للضرب والتعذيب بشكل منتظم والشروع في القتل من قبل زوجها حاولت زهرة (35 عاما) الانتحار بإشعال النيران في نفسها للهروب من زواجها. ثم أدركت أن هناك خيارا أكثر أمنا وهو الطلاق.

وزهرة من بين عدد متزايد من النساء في اقليم هرات بغرب افغانستان اللاتي نجحن بمساعدة مؤسسة خيرية نسائية في التغلب على القوانين الابوية للحصول على الطلاق الذي كان يعد من المحظورات في الدولة الاسلامية التي كانت تقودها حركة طالبان فيما سبق.

وتقول زهرة وهي تكشف عن ندبات على ساقها وقدمها اليمنى حيث كان زوجها يصعقها بالكهرباء عمدا "لم اقض يوما واحدا سعيدا مع زوجي... لم يكن انسانا. كان يضربني كل يوم."

وأضافت زهرة التي أحجمت عن الكشف عن اسمها بالكامل حفاظا على سلامتها انها بعد ان تزوجت وهي في الرابعة عشرة من عمرها عانت سنوات من سوء المعاملة. ثم حول خلاف على ملكية عقارية مع والدي زوجها هذه الزيجة الى كابوس بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وقالت "أرادوا قتلي ثلاث او اربع مرات. ذات مرة أعطوني سم فئران... لا أستطيع الخروج بسبب الطلاق واشقائي الاربعة يبحثون عني. انهم يلاحقونني لقتلي."ودفع الطلاق والدها الى التبرؤ منها وكلفها الامر حضانة ابنائها السبعة وابنتيها. بحسب رويترز.

في البداية سمح لها زوجها السابق بالاحتفاظ بابنتيها بشرط الا تتزوج مجددا. لكن ظروفها المالية كانت رهيبة في الدولة التي نادرا ما تعمل فيها النساء وفي نهاية المطاف تزوجت مجددا وحين علم زوجها استعاد الابنتين.

وتدير ثريا باكزاد منزلاً آمناً للنساء في هرات وقد ساعدت العديد من النساء من بينهن زهرة في الطلاق من ازواجهن.

وتقول ان برامجها للتوعية التي تحيط النساء علما بقوانين الطلاق تثنيهن عن اشعال النيران في انفسهن وتساعدهن في التعامل مع قانون الطلاق.

وتقول باكزاد ان عدد حالات الطلاق تضاعف في هرات على مدار العامين المنصرمين بينما تراجع عدد حالات احراق النفس التي تم الابلاغ عنها.

وأضافت "في عام 2006 كان لدينا 98 حالة لنساء انتحرن باشعال النيران في انفسهن... في عام 2008 كانت هناك نحو 73 حالة وبالتالي كان هناك تراجع مؤكد."

وعلى بعد بضعة كيلومترات في عنبر المستشفى الوحيد بافغانستان المخصص لحالات احراق النفس يقف الدكتور محمد عارف جلالي الى جوار احدى مريضاته ويسألها عن شعورها.

وجسد زربخت البالغة من العمر 20 عاما ملفوف بالكامل بعناية في ضمادات بيضاء. وتنام ممددة على ظهرها طوال اليوم مثل المومياء. وتستطيع بالكاد تحريك شفتيها للتحدث وحاجباها المحترقان جزئيا مخيطان. وتقول ان أسرتها لا تزورها ابدا.

وقالت زربخت بصوت خافت ومرهق وكان فكاها شبه مغلقين بالضمادات " تزوجت وانا في الرابعة عشرة من عمري. اضطررت للزواج لان أسرتي كانت فقيرة جدا... لم يكن امامي بديل. بعد خمس سنوات لم أستطع التحمل اكثر من هذا. ماذا كان يفترض ان افعل غير هذا."

الدكتور جلالي الذي أكد أن عدد حالات احراق النفس تراجعت تراجعا طفيفا في هرات حتى الان هذا العام مقارنة بعام 2008 ليس مندهشا من أن الطلاق خيار من المرجح أن لا يفكر فيه مرضاه.

وقال "المشكلة أن 80 في المئة من النساء الافغانيات اميات وليست لديهن وسائل لحل مشاكلهن سوى اللجوء لاجراءات متطرفة ويائسة مثل الانتحار."وفي العام الماضي توفيت 63 من جملة 85 مريضة نقلن الى عنبره بسبب حروق ألحقنها بأنفسهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 26/تموز/2009 - 3/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م