الإدارة الأمريكية والمرحلة الضبابية

مرتضى بدر

التصريحات المتناقضة والمتضاربة التي تصدر بين حين لآخر من القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية تدل على مدى تخبط الإدارة الجديدة في توجيه بوصلتها السياسية بصورة صحيحة، خاصة في الشرق الأوسط الذي ظل ملتهباً طوال ستة عقود.

هناك من يعزو ذلك إلى ضخامة أوضاع المنطقة وخطورتها، وآخر من يعتبر التخبط مجرد مناورة، أو ربما تمهيدًا لرسم خارطة طريق جديدة. لقد مضت قرابة السبعة أشهر من عمر إدارة باراك أوباما دون أن نرى وضوحًا في الرؤية السياسية.

 الفترة الزمنية التي قضتها هذه الإدارة تعتبر كافية للخروج من المرحلة الضبابية، وبالأحرى “الدوخة السياسية”. يبدو أن فريق أوباما عاجز حتى الساعة عن قيادة الأحداث والاضطرابات في العالم بصورة منفردة، فربما يبحث عن شركاء وحلفاء جدد يساعدونه في إدارة الأزمات، وإيجاد حلول لها. ومن الواضح أنه لا يريد تكرار سياسات إدارة بوش التي انفردت في قيادة العالم بعنجهية وغطرسة مفرطة، والتي لطخت بسببها سمعة الولايات المتحدة، وأدت إلى إلحاق خسائر بشرية في صفوف جنود بلادها، إضافة إلى خسائر اقتصادية كبيرة، وأما ما ألحقت من دمار لبعض الشعوب فتلك لا تعد ولا تحصى.

إدارة أوباما لازالت تعيش المرحلة الانتقالية، ولا ترغب في الخروج من هذه الدائرة الضبابية بصورة متسرعة، فنراها تمشي برويّة، وتعمل وفق الدبلوماسية الناعمة، وتبتعد عن الاستفزازات والتوترات رغم ما تواجهه من ضغوطات داخلية كبيرة.

هذه الحالة الضبابية لها مزاياها من جهة، إلا أنها تكتنف على سلبيات من جهة أخرى. أوباما يعتقد أنه بحاجة إلى المزيد من الوقت لكشف الحقائق، وكسب المزيد من الحلفاء حتى يتمكن من تشكيل محور متين، فهو يرى في الدبلوماسية المباشرة وسيلة مهمة للوصول إلى غايات كبرى؛ ولهذا نراه يسارع إلى تصحيح ما جاء على لسان نائبه جو بايدن بخصوص ما أشيع من إعطاء أمريكا الضوء الأخضر لإسرائيل في ضرب المواقع النووية الإيرانية، فقال في هذا الصدد: “إننا لم نعطِ ضوءاً أخضر لـ (إسرائيل) لمهاجمة إيران”.

 لاشك إن الإدارة الأمريكية تعمل على تشديد الخناق على إيران من دون الدخول في مواجه مباشرة معها، وتعمل على كسب المزيد من الدول الإقليمية، والقوى الدولية للوصول لهذه الغاية. في آخر زيارة له إلى موسكو قال أوباما في كلمة أمام خريجي كلية الاقتصاد الروسية: “إنه يعلم معارضة روسيا لشبكة الدفاع الصاروخية المقرر إقامتها في أوروبا”، وأضاف إن الغرض من إقامة هذه الشبكة هو الحماية ضد أي هجوم محتمل من إيران، وإن ضم روسيا إلى هذا الهيكل الدفاعي “سيجعلنا جميعًا أكثر أمنًا”. وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه “لو زال التهديد المتمثل في البرنامج النووي والصواريخ الموجهة لإيران، فإن الدافع لوجود شبكة دفاع صاروخية في أوروبا سيزول أيضًا، وهذا سيحقق مصالحنا المشتركة”.

 روسيا لا تتفق مع الولايات المتحدة في إعطاء إيران أكثر من حجمها، وتختلف معها في طريقة تضخيمها لما يسمى بالخطر الإيراني، إلا إنها تعرف جيداً أن هذا التضخيم المفرط يستهدف تشديد الخناق على طهران. وأما في الشأن الفلسطيني، فنلاحظ إن أقصى ما فعلته الدبلوماسية الأمريكية لغاية اليوم رغم الزيارات المكوكية لمبعوثها جورج ميتشل ومسئولين آخرين هو تبنيها حل الدولتين من دون الدخول في التفاصيل، هذا في الوقت الذي تمضي فيه حكومة نتنياهو في سياساتها التوسعية. المرحلة الضبابية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية لا تعتبر دوماً السياسة الناجعة في حل الأزمات الكبرى كأزمة الشرق الأوسط، والملف الإيراني المُعقد، فلا نعتقد أنها تضيف مكسبًا للدبلوماسية الأمريكية، إنما نرى أنها ستوقع الإدارة الأمريكية في مأزق جديد. الحكومة (الإسرائيلية) تتمنى أن تستمر الإدارة الأمريكية في الدائرة الضبابية حتى انتهاء ولاية هذه الإدارة!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/تموز/2009 - 27/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م