الروبيضة احد علامات آخر الزمان

انحطاط الفكر والثقافة العامة

محمود الربيعي

نحن وخاصة في البلاد العربية والاسلامية وفي عموم دول العالم نعيش عصر الروبيضة التي انتشرت كوباء خطير اصبح يهدد المجتمعات والحكومات والانظمة بسبب اشتراك الجهلاء في اشاعة الفساد الفكري والثقافي في أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والسماح للذين لايفقهون من السياسة شيئا وممن ليس لهم في القضاء نصيب أن يشاركوا في الادلاء بآرائهم الفاسدة من خلال مشاركاتهم الرخيصة التي لاتلتزم بابسط القواعد الاخلاقية واللياقة الادبية وللاسف هؤلاء يظهرون على القنوات الفضائية يسبون ويلعنون من دون رقابة عليهم اوحساب للقيم العامة، هؤلاء هم رويبضة العصر تشاركهم في هذه النزعة عصابات سياسية وانظمة فاسدة تخفي وراء الستار نواياها الفاسدة،  وتجند لها جنود مجندة، ومرتزقة لايسوقهم سوى الهوى.

تجار المال والسلطة وراء عملية أفساد الرأي العام

وفي هذا العصر يعيش العالم أزمة عالمية،  وفقر في الثقافة والعلوم الانسانية التي تعوزها القيم والاخلاق حتى بات الانسان يخشى اليوم على حياته وماله وعرضه كل ساعة، ولم يعد للانسان قيمة تذكر! فلقد اصبح كل شئ يقاس بالمادة، ومن مصاديق ذلك تفكك الاسر، فلم يعد الابوين قادرين على ادارة العائلة وضبط سلوكيتها.

وأما الضمائر فقد بلغت من الضعف حتى يمكن وصفها بأنها ميتة، وكل شئ ثمين أصبح بلاثمن ذلك لان القلوب اصبحت قاسية ولاتوجد حكمة يكون رأسها مخافة الله.. وبعد ان كانت الشرائع تخطط للانسان طريقه، اصبحت تلك الشرائع معطلة، وحل بدلها حكم الشهوة والسلطة وحب المال والنساء.

 وبسبب فصل الدين عن الحياة ترك الناس الصلاة وأتبعوا الشهوات، واصبح الكثير من المصلين لايصلون لله بل لصنمية قادتهم كما كان يفعل المشركين، وأصبح الناس يتحدثون في امور القانون والتشريع والحق والباطل دون ان يكون لهم حظ في أي منها، ويتكلمون بحسب أهوائهم، ولم يعد العقل ميزان للامور، وأصبح الملايين يكتبون ويتحدثون بما يغضب الخالق والمخلوق ومن دون حساب أو وازع من ضمير، ولم يحدث كل هذا صدفة، وانما بالتاكيد تقف وراءه منظومة من العصابات الدولية، واذنابها التي تنشرفي كل مكان.

الروبيضة الناطقة تقف وراءها قوى وحركات مشبوهة

ان ركوب الجهلة الجهاز الاعلامي انما يشكل تهديدا خطيرا للقيم للدينية والعلوم والثقافة الانسانية، وأصبح للشيطان ملايين من الوكلاء الذين تغدق عليهم المؤسسات الشيطانية بأموالها وتستهويهم بالمغريات وتدفعهم للكلام الذي يحقق اغراضهم الفاسدة بطريق نشر الاكاذيب والدعايات المسمومة.

الروبيضة بالمنطق التاريخي هي وجه لأشراط الساعة

الروبيضة: (تصغير الرابضة): "وهو الرجل الحقير" (والمعني ان الرجل الخامل الذكر يتكلم في الامور العامة)..  وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:  الحديث (( حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ثم أخذ بحلقة الكعبة فقال : أيها الناس ألا أخبركم بأشراط الساعة فقام إليه سلمان فقال أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله قال : إن من أشراط الساعة إضاعة الصلاة والميل مع الهوى وتعظيم رب المال فقال سلمان أو يكون هذا يا رسول الله قال : نعم والذي نفس محمد بيده فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مغرما والفيء مغنما ويصدق الكاذب ويكذب الصادق ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ويتكلم الرويبضة قالوا وما الرويبضة قال : يتكلم في الناس من لم يتكلم وينكر الحق تسعة أعشارهم ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه ويذهب القرآن فلا يبقى إلا رسمه))..... الخ الحديث.. وروي عن الإمام أحمد والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.  قال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 3650 في صحيح الجامع.. ونشير الى أن هناك فهم متكامل حول الروبيضة في موسوعة الامام المهدي (ع) في الجزء الثاني، (صفحة 276(  يصفها لنا رسول الله (ص) حيث قال :- ( أي والذي نفسي بيده ، يا سلمان . فعندها يتكلم الروبيضة . فقال سلمان :- ما الروبيضة ؟ يا رسول الله ، فداك ابي وامي . قال (ص) :- يتكلم في امر العامة من لم يكن يتكلم .

فساد الرأي العام جرثومة تهدد المجتمع الانساني والقيم الفاضلة

اذن فهناك غربلة قبل ظهور الامام المهدي عليه السلام ارواحنا له الفداء، يتكلم الناس في امور لاتخصهم ويدعون الروبيضة ( او الرويبضة)، ويظهر الفساد في الارض بكل انواعه ومنه فساد الرأي، ويعم الظلم ومنه ظلم الانسان لغيره، حيث لايكون الهدف في هذه الدنيا غير الخوض في الباطل حتى تمتلئ الارض ظلما وجورا، ولايعبد فيها الله..  واصبح من السهولة ان تتصفح مواقع الانترنيت المملوءة بالشتائم والسباب، واصبح الناس يلعن بعضهم بعضا ويدعون الى ارتكاب الجرائم، والخوض في الباطل، واختلط على الناس الامر فلايعلمون من المصلح من المفسد! كما تجد وان تتصفح الانترنيت مقالات تخلو من القيمة العلمية وينعدم فيه الذوق الاخلاقي والادبي، مقالات لكل من هب ودب تخلو من ابسط القواعد الادبية، وانا لااقصد بهذا المعنى كونها ركيكة اللغة بل اقصد انها هزيلة المعنى اذ لاتجد فيها ثقافة تعين الجماهير وتمكنها من الحصول على ماتريد من العلم والأدب. 

الحاجة الى وقفة جادة في مواجهة اساتذة الدجل والتعتيم

ان اشد مانحتاجه اليوم ان نعود الى القرآن ونتمسك بالقيم الروحية والاخلاقية لانها وحدها القادرة على اصلاح النفوس، كما نحتاج الى فهم حقيقي للقرآن بعيدا عن اساتذة الدجل واهل السياسة الحمقى. وان امة هجرت القرآن وخاضت في الباطل لن تنتصر، لاعلى نفسها ولاعلى غيرها، والعالم اليوم  اصبح اكثر احتياجا الى حركة اصلاحية تتميز بالقوة تدعو الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لعلها تستطيع انقاذ البقية الباقية من الناس وهو مايعزز ايماننا وأعتقادنا بالحاجة الى ظهور المنقذ الذي يقيم العدل بين الناس.

الروبيضية طريق سهل لأفساد الذوق العام

لاشك ان هناك دعم مالي كبير لبعض الفضائيات غايتها نشر الاكاذيب وأفساد الرأي العام والتخطيط لابعاد الناس عن كل مايشكل خطرا على مصالحهم وخصوصا حكام الدول، وهناك مخططات كبيرة تقف وراءها حركات مدعومة بالمال والقوة والطاقة تقوم بادوار خطيرة تقف وراء الستار وتجند لذلك جيشا من الاعلاميين الذين لاهم لهم سوى المال واشباع الرغبات وهؤلاء يشكلون خطرا حقيقيا على المجتمعات الانسانية ومستقبل الناس.

خلو الكتابة من المنهجية صورة من صور الروبيضة

لقد تعودت الاجيال وعبر قرون عديدة ان يساهم الكتاب والمؤلفون ليعبروا عن مصداقيتهم من خلال أحترام الاهداف والمواضيع  التي يكتبونها وهي مهمة الاحرار.. فالأمانة في نقل التاريخ والا لتزام بالمبادئ الانسانية يعتمد على الاقلام النزيهة التي تدعو الى الفضيلة..  لكن مانراه اليوم شاهد على سقوط بعض الكتاب في بحار من الكلمات المفسدة للذوق العام لاتعبر عن منهجية منضبطة مما اسهم في خلق مضاعفات سياسية وعلمية وادبية.

السباب والشتائم وسيلة الاقلام الروبيضية

وقد ظهر في الاعوام الاخيرة طبقة من الكتاب احترفوا وتخصصوا السباب والشتائم، واصبحت الاحزاب تحتضن السبابة والشتامة وتشكل عصابات يلهث وراءها كل الجهلة والمتعصبين، ولقد كنا نحترم الكافر المثقف واليوم نأسف على ذلك الزمن..  فليس العيب في الامة ولكن العيب في من تصدى للاعلام وحمل راية الثقافة بثمن رخيص.

 الموضة الروبيضية تسهم في نشر الفساد والكفر

كان الناس يحرصون على نشر الفضيلة ويعتمدون على القيم الدينية للحفاظ على القانون والنظام، بينما اليوم  وعلى العكس اصبحت عاداتهم مختلفة تماما فهم يربون الاجيال ومنذ الطفولة على العنف والكراهية والحقد من خلال مايشرونه لهم من العاب وافلام وصور تعلمهم العنف واعمال الشر.

ان هذه الوسائل والتربية الداخلية في البيت والمدرسة يشتركان في بناء شخصية قابلة لان تخرج على النظام والقانون، وقابلة لان تدفع الاشخاص لارتكاب جرائم الاعتداء والسرقة وسلوك طريق الفساد، وبدلا من أن يقوم الاباء بواجب غرس القيم والاخلاق والآداب الفاضلة حل محلها التأديب على الكذب والنفاق، فماذا تنتظر الدول من هذه النماذج المنحرفة؟

نشر الكذب والتضليل بأقلام روبيضية

وانت اخي القارئ عندما تتصفح يوميا المواقع الالكترونية لاتتفاجأ بالاكاذيب السياسية والاخبار الكاذبة لان هذه الوظيفة اصبحت مهنة عند البعض، ونحن لاننكر ببقاء بعض الكتاب الذين يحترمون التاريخ ويعبرون عنه بصدق، ويحترمون المنهجية، ويحفظوا لمعارضيهم حقوقهم ولايعمدوا الى التجني ويحبون العدل وان اختلفت افكارهم فهم اصحاب كلمة ومنهج ومبادئ وهكذا علمنا الاسلام.

بين كتاب اعلام وروبيضيون

ان جيل القرن العشرين كان اكثر ذوقا وأكبر رجاحة عقل وأصبح مثل ذاك الجيل نادرا فياليت يعودوا ليروا بأنفسهم ماذا يحدث اليوم، وليقرؤا ماينشر البعض من كتابات، ان فساد الراي وعقم التفكير وضحالة المواضيع وسفاهة العقول اصبحت حالة مقبولة ومتميزة ،وتحتل مكانة على صفحات المواقع الالكترونية والصحف  لا لأنها جيدة بل لأنها تحتوي على مادة دسمة من التائم والسباب.

 كنا نقرأ ارقى الادب للمتنبي، ومصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين والعقاد، ونقرأ لطبقة عالية من السياسيين الذين لايزال اسمهم لامعا كالاستاذ محمد حسنين هيكل وغيره من اصحاب الفكر والمنهج والطريقة، لكننا اليوم وللاسف الشديد لانقرا الا لذوي الطبائع...  الصفراء ... والسوداء...  والحمراء...  بعدما كانت الكلمة العطرة تخرج...  بيضاء...  من غير سوء...  بنفسجية...  رائعة ... زرقاء...  كزرقة السماء وبالوان مياه البحر.

كان الناس يكتبون لأحياء ثقافة الحب والخير

وكان الكاتب يكتب لانه يحس بحاجة الناس الى الثقافة،  ورغم ان كلفة الطباعة كانت صعبة على الكاتب لكنه كان يجتهد من اجل طبع كتابه ونشره لانه يعتبر ان مساهمته واجبة ومسؤولية وطنية ودينية واجتماعية، فالاحساس عند العقلاء قاعدة الايمان بالشئ..  والثقافة ذوق واحساس وهي فكر وطاقة منتجة خلاقة ترفد المجتمع بالخير والبركة وتنير الدرب للاخرين، بلى...  من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.

وباء الروبيضة يدخل البرلمان والحكومة

انظر الى مايصرح به بعض السياسيين والمسؤولين من على شاشات الفضائية! فماذا تسمع غير التهريج واللعن والتهديد اليس ذلك أنعكاس لثقافة الحقد والجهل، وهل هذه هي الثقافة التي ننتظرها من السياسي؟  وأنظر الى مديري بعض هذه القنوات! كيف يختارون روبيضيين فارغين ليس لهم حظ في السياسة والعلوم ممن لايحسنون الا التهريج وطرح الاراء الفوضوية يخوضون فيما ليس لهم به علم.

الروبيضة في وسائل الاعلام المقروءة والمرئية

ويبدو ان سوق التهريج في القنوات الفضائية اصبح رائجا هو وسوق المواقع الالكترونية التي اصبحت وسيلة سهلة لكتابة المواضيع المتدنية وغير المنطقية، بل واصبح الاعلام  تجارة ووسيلة لنشر بيانات العصابات الدولية والاقليمية التي تحكم العالم اليوم، وكنا سابقا نتسابق في الخير و نتعاون على مواجهه الاعداء لكننا اليوم أصبحنا مشتتين لانميز بين الصديق والعدو ولا بين المعروف والمنكر..  فيا للمصيبة! وياليت قومي يعلمون، وحتى لو كانوا يعلمون فما الفائدة؟!  وتبقى الكلمة الصادقة مقياس للحق، ويبقى الامل محصورا بالنخبة المثقفة الواعية، التي تنتصر دائما للحق ولاهل الحق.

هل من نهضة تقف في وجه الروبيضة؟

ان العالم اليوم ينتظر من اصحاب الاقلام الحرة والنخبة المثقفة المساهمة في احياء العلم والحياة! فأصحاب المبادئ اليوم مطالبون بايقاف هذا الوباء الذي استشرى في أوساط السياسة والحكم والاعلام وأن نعمل شيئا يوقف أسباب هذا الانحدار والهبوط الذي عصف برياحه  جمال الثقافة الوطنية والانسانية؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/تموز/2009 - 16/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م