ميلتون فريدمان.. رائد الاقتصاد المعاصر وداعية لتحرير السوق

إعداد: مركز النبأ الوثائقي/ملف شخصية

 

شبكة النبأ: ميلتون فريدمان، إقتصادي اميركي، احد اعمدة مدرسة شيكاغو للاقتصاد، لعبت ابحاثه ودراساته دورا كبيرا في تطوير نظرية الاقتصاد الكلي والجزئي فضلا عن اعماله الرائدة في الاقتصاد التاريخي والاحصائي. ويعتبر من ابرز المروجين للنظام الرأسمالي التنافسي فهو الداعي البارز في تحرير السوق وتحرير التجارة وفلسفته في تحرير الاسعار وتحرير النقود.

النشأة

ولد ميلتون فريدمان في 31 يوليو عام 1912م ببروكلين، هاجر والداه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقرا في منطقة راهواي وهي بلدة صغيرة تبعد عن مدينة نيويورك بحوالي 20 ميل، وميلتون هو الابن الرابع لوالديه سارة إيثل، وجنو ساول فريدمان، وله ثلاثة شقيقات، كانت والدته تعمل على إدارة محل صغير لبيع السلع الجافة، أما والده فقد قام بالمشاركة في عدد من المشاريع التي لم يكتب لها النجاح، فكانت الحالة المادية للأسرة غير مستقرة.

التعليم

تلقى ميلتون تعليمه الثانوي بمدرسة راهواي والتي تخرج منها عام 1928م، وقبل أن يبلغ السادسة عشر من عمره توفى والده، وأصبحت والدته هي المسئولة عن إعالة ورعاية الأسرة بأقل القليل من المال، وعلى الرغم من هذا عمل ميلتون على توفير المال اللازم من اجل إكمال تعليمه الجامعي.

حصل ميلتون على إحدى المنح الدراسية التي أهلته للالتحاق بجامعة روتجرز، هذا بالإضافة لمساعدات مالية من الدولة كانت تقدم له في شكل منح دراسية، تخرج من جامعة روتجرز عام 1932م، وأجتهد بعد ذلك في توفير المال اللازم من أجل إكمال دراسته فقام بالعمل في عدد من الأعمال البسيطة، وبعد أن قام بتكوين مبلغ من المال أتجه للدراسة مرة أخرى فأقبل على دراسة الرياضيات فكان يعد نفسه لكي يصبح اكتوارياً، ولكن اهتمامه اتجه نحو الاقتصاد، فقام بالدراسة بكلية الاقتصاد بجامعة شيكاغو وحصل على درجة الماجستير، ثم درجة الدكتوراه، وأصبح بعد ذلك واحداً من أهم الأعلام الاقتصادية.

المجال العملي

شغل ميلتون عدد من المناصب على مدار حياته فكان كبير الباحثين بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد بداية من عام 1977م، كما كان بروفيسيراً للاقتصاد بجامعة شيكاغو في الفترة ما بين 1946 - 1976م، وعضواً بفريق الأبحاث بدائرة الأبحاث الوطنية لبحوث الاقتصاد 1937 - 1981م. 

وعضواً في اللجنة الرئاسية التي تشكلت فيما يتعلق بالقوات المسلحة والتي تستند إلى التطوع بشكل كامل 1969- 1970م، واللجنة الرئاسية حول الملتحقين بالبيت الأبيض 1971- 1973م، هذا بالإضافة لكونه عضو بالمجلس الاستشاري للسياسة الاقتصادية في عهد الرئيس رونالد ريجان عام 1981م، والذي ضم العديد من الخبراء.

وعلى الرغم من المكانة العلمية التي وصل إليها فريدمان إلا أنه رفض المناصب السياسية التي عرضت عليه كوزير المالية، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين أثناء حكم الرئيس الأمريكي ريجان.

وفريدمان رئيس سابق لجمعية الاقتصاديين الأمريكيين، وجمعية الاقتصاديين للساحل الغربي، وعضو بجمعية الفلسفة الأمريكية، والأكاديمية الوطنية للعلوم.

وعرف ميلتون كمستشار اقتصادي لكل من الرئيسين الأمريكيين ريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، كما شارك بخبرته الاقتصادية في العديد من القضايا.

جهوده في مجال الاقتصاد

قام فريدمان بإجراء العديد من الدراسات والأبحاث الاقتصادية، ففي عام 1963م صدر بحث هام له بعنوان "التاريخ النقدي للولايات المتحدة" هذا البحث الذي ساعد في فهم أزمة 1929م، والتي أدت حينها إلى انهيار اقتصادي بالبلاد.  

وقام ميلتون بتأسيس ما عرف "بالمدرسة النقدية" والتي تعتبر أن التضخم ظاهرة ناتجة عن زيادة كبيرة في كمية النقد الذي يصدره البنك المركزي، وإن حصر هذه الزيادة في نسبة معقولة " 5% " سنوياً سيكون كافياً للقضاء على التضخم، وبالفعل تم الاستعانة بهذه القاعدة بالمصرف المركزي الأمريكي لمجابهة حالة التضخم والركود التي هددت الاقتصاد الأمريكي في فترة السبعينات، وحققت هذه القاعدة النجاح وقتها وتم القضاء على التضخم، كما تم الاستعانة بها بعد ذلك في مواجهة هذه المشكلة في عدد من الدول.

ولقد تم اعتماد وصايا ميلتون فريدمان في برامج الاستقرار الاقتصادي والتي يقوم برعايتها صندوق النقد الدولي، وحققت النجاح في عدد من الدول النامية. 

مواقف وآراء لفريدمان

خاض ميلتون العديد من القضايا الاقتصادية، والتي كان من أبرزها مطالبته من أجل تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وإتاحة المزيد من الحرية للأفراد، حيث ركز فريدمان على ضرورة حصر دور التدخل الحكومي في الاقتصاد على مجالات محددة مثل الدفاع والتعليم الأساسي والخدمات مثل الصحة وغيرها.

وكانت لميلتون العديد من الآراء الهامة في مختلف القضايا فكان له موقف صارم ضد الخدمة العسكرية الإجبارية، والتي كان ينظر إليها كنوع من العبودية للشباب الغير راغب في الدخول فيها، وعبر عن آراءه هذه في الكونجرس حيث طالب بإنشاء جيش أمريكي من المتطوعين، وبالفعل نجح فريدمان من تطبيق فكره حيث قام الرئيس الأمريكي نيكسون على التصديق على مشروع قانون يتم بموجبه إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية .

ومن أفكاره الهامة التي قام بعرضها أيضاً فكرة "المدرسة الاختيارية" والتي تقوم على توفير مبلغ مالي لأسر الطلاب ليتمكنوا من خلاله من الاختيار والتسجيل في أي مدرسة خاصة مما يتيح المزيد من الفرص أمام الطلاب وأسرهم لاختيار نوعية الدراسة التي يريدونها وبالتالي تحقيق الكفاءة والتفوق فيها.

وفي مجال العمل الخيري عمل ميلتون على تخصيص جزء من ثروته من أجل إنشاء " مؤسسة ميلتون وروز دي . فريدمان " مع زوجته روز،  والتي سعى من خلالها إلى تقديم العديد من الأعمال الخيرية وتنفيذ فكرته في " المدرسة الاختيارية".

مؤلفاته

قدم فريدمان العديد من الكتب الاقتصادية الهامة والتي تم الاستعانة بها على مدار الأجيال سواء من قبل الدارسين أو من قبل خبراء الاقتصاد.

فقام بنشر عدد كبير من الكتب والمقالات والأبحاث منها نظرية عامل الاستهلاك، الكمية القصوى للنقد، التاريخ النقدي للولايات المتحدة، إحصائيات النقد للولايات المتحدة، التوجهات النقدية بالولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

ومن الكتب الهامة التي ألفها ميلتون كتاب "حرية الاختيار" والذي عرض فيه أفكاره عن ضرورة المبادرة الفردية وضرورة الحد من التدخل الحكومي في الاقتصاد، وكتاب " الحرية والرأسمالية" والذي يحدد فيه ميلتون الدور المناسب للحكومة ضمن نظام السوق الحر المثالي وذلك من اجل المحافظة على الحريات السياسية والاجتماعية.

وميلتون فريدمان هو صاحب الحلقات التلفزيونية الشهيرة " أنت حر الاختيار" والذي تم طبعه في كتاب قام بتأليفه مع زوجته "روز".    

كما قدم كتاب " وعود براقة وإنجاز مخز"  وهو عبارة عن إعادة طباعة للأعمدة التي كان يقوم بكتابتها بمجلة نيوزويك في الفترة ما بين 1966 - 1983م، وكتاب " استبداد الوضع القائم"  1984م.

قام هو وزوجته روز بنشر مذكراتهما تحت عنوان " ميلتون وروز دي . فريدمان شخصان محظوظان".

نظرة فريدمان للسوق

ويعد فريدمان احد الشخصيات المهمة بين الاقتصاديين في ستينيات وسعبينيات القرن العشرين.. بعد ظهور التضخم مع بدايات السبعينيات كان ظهور ميلتون فريدمان وكانت مسألة العملة هي البدعة السائدة، كانت نظرية كم النقود قد عادت بكل قوتها على يد فريدمان وآخرين وهي ببساطة:( انك يمكنك اغفال بعض الناس كل الوقت وبعض الناس بعض الوقت ولكن لا يمكن اغفال كل الناس كل الوقت)..وبتقنية اكثر يدرك العامة في النهاية ما تفعله الحكومات لان لهم توقعات منطقية، وقد كان المضمون العملي هو تصغير مجال السياسة الدورية للحكومة.

كانت مشاركات فريدمان لاعادة التفكير في التشريعات الاقتصادية مثيرة وانتهت تلك النظريات الى انه يجب على الحكومة بناء قاعدة نقدية، معدل ضريبي ثابت لا يتغير وهكذا بمعنى اخر ان فعالية الحكومة تربك، تخفق، وتشتت فقط: يا حكومة ابتعدي!!

الوكلاء الاقتصاديون عقلانيون فهم لا يتركون ورقة مالية فئة (100) دولار ملقاة على الارض. وبذلك يعمل الاقتصاد بصورة افضل بدون الفعالية في السياسة.

 يقول فريدمان: ان القليل من جيلي سيصدقون الاداء الاقوى لهـذه النظرة، لكن الحـقيقة ان مهنتنا بالنظرات الكبيرة للاقتصاد الكنزي بالتشكك العميق تقبل النقدية ككل وتفترض ان الحكومة لها ميل لان تسيء الامور.

لقد اصبحت المهنة متحفظة بشدة كما كانت اول القرن واتجهت الحكومات الى  الطريق نفسه من القلق لخلق دليل فساد لميثاق ويجل ملاحق للميزانية المتوازنة، لوحات العملة، الاحترام الزائد للسندات، اسعار غير حقيقية، تضخم وهمي..

ويضيف فريدمان العالم لا يحتاج الى نظم واتفاقيات اكثر لاصلاح هذا او ذاك بل يحتاج الى جرعة زائدة من الرخاء ويعلق فريدمان على الكساد الكبير لعدم طبع نقود بشكل كبير هذه هي الرسالة الى اليابان ولاوروبا: ابدؤوا في انهاء النظم حتى تبدأ الديناميكية في العمل في التوظيف في التحرر في النواحي المالية للاستخدامات الطارئة لو بدأت اليابان واوروبا في التحرك سيكون قد حان الوقت لتبدأ الولايات المتحدة في التفكير في عجز تجاري اقل والذي سيحدث اوتوماتيكيا مع انتعاش باقي العالم، ان دور الولايات المتحدة اليوم هو التأكيد على ان مشاكل البورصة داخليا لن تصبح مشاكل عالمية التأكيد على ان الافكار لتثبيت معدلات الصرف لا تذهب لاي مكان ومع شركائه التأكيد على انه يستمر انفتاح الاقتصاد العالمي

ان التدخل الحكومي في السوق والاسعار يؤدي الى فروض وتقييدات لن تؤدي الى مهلة تحرك السلع والاسعار والنقود بل الى عرقلتها واضافة كلف ليس بالضرورة وجودها، كما ان هذا التدخل يدخل عاملا جديدا هو الفساد والعمولات والتي تحسب على السلع وترفع من الاسعار ليأتي التضخم بجميع اسبابه.

ويعتقد فريدمان ان السوق الحرة تقوم بتنسيق نشاطات ملايين البشر ويتم ذلك بطريقة غير شخصية كليا من خلال تسعيرة اذا ما تركت وشأنها دون تدخل فأنها تكون خالية من الفساد والرشاوى والنفوذ الخاص او  الحاجة الى آليات سياسية.

فان السوق ليست بقرة حلوباً مثلما انه ليس العلاج الشافي لجميع الامراض بتعبير لغوي حرفي فان السوق ببساطة الاجتماع في كل مكان وزمان محددين من اجل عقد الصفقات ولا نعني هنا الاجتماع الفعلي فهناك سوق تبادل العملات يشمل العالم بأسره تتم الصفقات به عن طريق وسائل الاتصالات الحديثة.

كما ان الصفقات التي تتم من خلال السوق ليست مقتصرة على السلع والمال والصفقات بل حتى على  المعلومات والتقنيات وجميع العلوم سواء الفيزياء والاقتصاد والفلك وغير ذلك من العلوم، فالعلماء يعقدون الصفقات فيما بينهم سوقهم يتكون من المجلات والمؤتمرات وما الى ذلك.

فالسوق هي الآلية التي يتم تجنيدها لاغراض عديدة واعتمادا على طريق استعمالها فانها تساهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي او لجم مثل هذا التطور واستخدام او عدم استخدام السوق، ليس التمييز المهم كل مجتمع سواء كان شيوعيا ام اشتراكيا ام ديمقراطيا اشتراكيا ام رأسماليا نقيا او اي نظام اخر يستخدم السوق وبدلا من ذلك فان التمييز الاساس هو وجود الملكية الخاصة او عدم وجودها، من هم المشتركون في السوق؟ وبالنيابة عمن من يتعاملون؟ هل المتعاملون بيروقراطيون حكوميون يتعاملون بالنيابة عن شيء اسمه الدولة؟ ام انهم افراد يتعاملون مباشرة؟ من هنا يمكننا ان نحدد سوقاً خاصاً وسوقاً مشتركاً وسوقاً حكومياً.

كما يعتقد فريدمان ان ادخال دور اكبر لآلية السوق الخاصة في قطاع واحد من قطاعات الاقتصاد، قد يصاب بالفشل الجزئي او الكلي نتيجة الافق المحدود المتغير وحتى في اكثر من سوق فان هذه المحاولات تبقى قاصرة وجزئية لان السوق تبقى في اطار التدخل الحكومي، لذا فان التحرير الجزئي للسوق لا يمكن ان يعوض عن التحرير الكلي للسوق ومن ثم فالتحرير الجزئي لا ينتج عنه تنافس حقيقي ومن ثم اسعار البضائع غير حقيقية وقيمة النقد ايضا غير حقيقية.

فتحرير السوق كليا هو الخطوة الصحيحة اوالجذرية لتحرير الاسعار وتحرير النقد وتحرير المعاملات لتنتج عملية اقتصادية قائمة على التنافس الحر والشفاف.

جوائز وتكريم

نظراً لجهوده في المجال الاقتصادي حصل فريدمان على العديد من الجوائز والتي تأتي جائزة نوبل في مقدمتها والتي حصل عليها عام 1976م، كما تم منحه ميدالية الحرية الرئاسية عام 1988م، هذا بالإضافة للميدالية الوطنية للعلوم في نفس العام.

كما تم منحه درجات شرفية من عدد من الجامعات في الولايات المتحدة واليابان وجواتيمالا وغيرها من الدول، كما حصل على الوشاح الأكبر للكنز المقدس منحته له حكومة اليابان عام 1986م.

الوفاة

توفى ميلتون في السادس عشر من نوفمبر 2006م عن عمر يناهز 94 عام في منزله في سان فرانسيسكو قرب جامعة ستانفورد التي كان يدرّس فيها.

ــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: وكالات + صحيفة وول ستريت جورنال + جريدة الصباح + موسوعة ويكيبيديا

     ....................................................................................

- مركز يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية للاشتراك والإتصال

www.annabaa.org

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8/تموز/2009 - 15/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م