التعاون والمشاركة والتعددية من سمات النجاح السياسي

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من السمات الفعلية التي استندت عليها الدولة الاسلامية في تحقيق نجاحاتها المشهودة هي سمة التعاون بين الجميع في قيادة الدولة ومرافقها ومنشآتها المتنوعة، وهذا ما يقود بدوره الى إشراك العدد الاكبر في تنفيذ المهام الكثيرة التي تتعلق بإدارة شؤون الدولة، فالتعاون بين افراد المجتمع قادة او رعية كانوا سيؤدي بطبيعة الحال الى نوع من الانسجام والوئام بينهم ما سيدفع في نهاية المطاف الى تحقيق الاهداف المخطط لها سلفا، والسبب كما هو متفق عليه أن سمة التعاون تعني فيما تعنيه إشراك المجتمع بجميع مكوناته وأطيافه في الوصول الى النتائج المبتغاة من الحراك السياسي او غيره، وفي هذا الصدد يقول المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه القيّم (السبيل الى إنهاض المسلمين):

ان (التعاون يعني نبذ كل التفرقات، والتنسيق بين كافة المنظمات والأحزاب والجمعيات والمكتبات ودور النشر والمؤلفين ووسائل الإعلام وما أشبه).

ويضيف الامام رحمه الله في مكان آخر من هذا الكتاب: (يجب علينا أن نفكر في التعاون تفكيراً جدياً).

لذلك فإن تحقيق الاهداف السياسية او غيرها يتطلب تعاونا وتنسيقا متواصلا بين جميع القيادات والحركات والمنظمات المختصة إضافة الى التعاون المطلوب بين الافراد، ذلك لأن التفرقة والتناحر وتشتت الكلمة والرأي سيقود بالنتيجة الى إضعاف السياسيين او غيرهم.

 كما ان سمة المشاركة تتطلب الإنفتاح على الجميع وغشراكهم في الوصول الى الاهداف المنشودة، بيد ان هذا الامر يتطلب بدوره نوعا من الاتفاق الجوهري على التعامل مع الاحداث كافة، بمعنى أن وحدة النظرة الى الاشياء سيكون لها اثرها الكبير قي سرعة ودقة الوصول الى الهدف، كما انها ستسهم بصورة او اخرى في توحيد الكلمة للجميع ونبذ التقاطعات وتعدد الرؤى في جانبها السلبي الذي يقود حتما الى الصراع السلبي بدلا من التنافس المشروع للوصول الى الهدف، وهنا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه هذا على اهمية وحدة الكلمة بين الجميع فيقول: (لنجعل توحيد الكلمة والتعاون هو الأصل العام الذي يرجع إليه الكل).

من هنا تبرز أهمية سمة التعاون والمشاركة والتعددية التي تصب في جميع الاحوال بصالح المجتمع، إذ تنفتح فرص التفاعل والحراك الفكري والعملي امام الجميع، ولن يبقى الامر محصورا بيد فئة معنية سواء كانت منظمة او حركة او حزب سياسي او غيره، وهذا ما يؤدي بدوره الى تعميم نظام التعددية في قيادة السلطة السياسية او غيرها ويسهم بطريقة او اخرى في بناء دولة المؤسسات التي لايحكمها الفرد او النزعات الحزبية الفردية المتطرفة، بل سيكون هناك تعاون ومشاركة كاملة من لدن الجميع تقود الدولة الى تحقيق أهدافها المخطط لها سلفا.

 وكلما كانت سمة التعاون قائمة وفاعلة ستكون مدعاة الى التوافق والوئام وهذه بدورها تنم عن المشاركة في الانجاز وبالتالي رسوخ منهج التعددية في صنع القرار وفقا لمؤسسات الدولة الدستورية الراسخة، ولعل إشراك التنوع الاجتماعي والسياسي والديني في صنع القرارات السياسية وغيرها متأت من نضوج التجربة السياسية في هذه الدولة او تلك، بل المشاركة تعني نجاح الامم حتى في مسألة التخلص من الاستعمار او التبعية السياسية والاقتصادية وغيرها، وفي هذا الجانب يقول الامام الشيرازي في كتابه (السبيل الى إنهاض المسلمين):

(إن قائد ثورة العشرين الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي كان يعلم أن أكثرية الشعب العراقي هم الشيعة، أي زهاء ثمانين في المائة والسنة هم الأقلية. وكان الشيرازي مرجعاً للشيعة، وقد قام ضد الاستعمار البريطاني والتفت حوله عشائر الفرات الأوسط، والعلماء، والخطباء، والوجهاء، والأثرياء، والكتّاب، والمؤلفون، والشعراء، ومع ذلك لما أراد النهوض لطرد الاستعمار كان يقول: يجب أن يشترك في النهضة الأخوان السنة.

وكان يرسل إلى علمائهم وإلى شخصياتهم الرسل، ويأخذ آراءهم ويوحد الشيعة والسنة في النهضة، وبذلك اقتدى به الكل ـ الشيعة والسنة ـ لمحاربة الاستعمار ولطرده).

إذن بهذه الروحية المدركة وبهذه النظرة العميقة الى طبيعة الامور والاحداث التي تحدث سواء في الجانب السياسي وغيره، يستطيع القادة ان يصلوا الى اهدافهم المشروعة، حيث الابتعاد عن الاستئثار بالسلطة او صنع القرار واتخاذه والابتعاد عن التفرقة واعتماد سمة التعاون والمشاركة والتعددية في معالجة الامور، وفي هذه الحالة لن تكون هناك معوقات يُصعب تجاوزها او حلها، لأن الجميع لهم رأيهم وفعلهم وكل منهم حصل على فرصته في الفعل والمشاركة لتحقيق ما تصبو إليه الامة.

فحري بمن يتصدر دفة القيادة الآن أن يأخذ الدروس والعبر ممن سبقه من قادة المسلمين وساستهم الذين وصلوا الى اهداف الامة بالتعاون والتعددية والمشاركة، وحري بقادة اليوم ان لا يضعوا مصالحهم ورؤاهم فوق مصالح ورؤى الشعب لأنها ستكون سبباً في فقدانهم لمكان الصدارة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 8/تموز/2009 - 15/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م