بايدن ومهمة توازن القوى السياسية

عباس النوري

زيارة جو بايدن المفاجئة للعراق لها أثر كبير في تهدأت الوضع السياسي غير المستقر بين القوى المشاركة في العملية السياسية...وأطلق البعض على زيارته جاء ليفعل المصالحة الوطنية.

الزيارة لم تكن مفاجئة بالمعنى الذي يحاول البعض تصويره على أن الولايات المتحدة تدخل كما تشاء للعراق دون علم مسبق بل جميع التحركات القادمة للسياسيين والجيش الأمريكي يكون وفق بنود الاتفاقية.

أن أهم ما سوف يناقشه بايدن مع رئيس الجمهورية مام جلال ونائبيه الدكتور عادل عبد المهدي والأستاذ طارق الهاشمي من جانب ورئيس الوزراء نوري المالكي هو كيفية التوصل لتوزيع السلطة بين القوى المشاركة في العملية السياسية بعد الانتخابات البرلمانية القادمة بحيث لا تسيطر جهة على حساب طرف معين، وأن لا يكون لمبدأ الأكثرية الطائفية أو العرقية دورٌ واضح.

وإن صرح بايدن للصحفيين في الطائرة خلال السفرة أن ما سوف يناقشه مع القيادة العراقية موضوع المصالحة الوطنية...وهذا المصطلح الذي حاول الكثيرون تفسيره أنه بين القوى النافذة في السلطة وحزب البعث المنحل، لكن هذا غير صحيح وينافي الواقع والدستور. فمن غير المنطقي أن تكون هناك مصالحة بين جميع المشاركين في السلطة وحزب قد حكم العراق بالحديد والنار طيلة خمسة وثلاثون عاماً، والكل شاهد الرفض الجماهيري الذي غير تصريحات كثيرة...ومن غير الطبيعي أن الأطراف المشاركة في العملية السياسية وهي في صراع مستمر ولم تصل لمستوى المصالحة فيما بينها تترك وتدعوا فصائل وقفت بوجه العملية السياسية... ليس بعيد أن تكون هناك مصالحة مع فصائل حملت السلاح بوجه العملية السياسية لكن انتابها صحوة ضمير...

الحرب الطائفية، أو الاقتتال الطائفي انتفى ويعد لا وجود له، لكن الصراع بين قيادات إقليم كردستان وحكومة المركز قائم ومستمر والذي زاد في تفاقم هذا الصراع دستور كردستان الأخير. وإن عدم إيجاد حلول جذرية لهذه المسألة يؤثر في عملية التوصل لاستقرار سياسي وهذا الأمر بالتالي يعرقل الكثير من المشاريع التي يحتاجها المواطن لكي يعيد الثقة بالسلطة التنفيذية بعدما هزتها تفشي الفساد في أعلى مراتب السلطة وفضيحة وزارة التجارة وما تليه من فضائح في وزارات متعددة أجل النظر في ملفاتها فرحة الشارع بيوم انسحاب القوات الأمريكية من المدن...لكن المشاكل بين الإقليم والمركز ليست الوحيدة.

القوى الكبيرة المشاركة في العملية السياسية لا ترى أن لشراكتها موقع مؤثر في اتخاذ القرارات ولا في مجال التنفيذ...حيث أن واقع الحال يوضح أن دولة رئيس الوزراء حاول بصورة مباشرة وغير مباشرة الاستحواذ على كل ما في السلطة التنفيذية من معنى...ويحاجج الآخرين بالصلاحيات الدستورية...وتخوف البعض من إعادة الدكتاتورية من خلال الديمقراطية...ورئيس الوزراء يؤكد أهمية الاستحقاق الانتخابي وأطراف تشير إلى التوافقية حسب الاتفاقيات والتعهدات والشراكة ومسمى الحكومة الوطنية (وهنا تعني) مشاركة الجميع...والواقع يشير للعكس.

حسب رأي وبعد هذه المقدمة أن من أهم مهام بايدن وسبب زيارته هو الضغط للتوصل لتوازن القوى في استمرار العملية السياسية بسلام لكي لا تعطي منافذ لقوى تعادي العملية السياسية، ومن جانب آخر هو سحب العراق كلياً من الحاضنة الإيرانية للحاضنة العربية، ولكن من خلال دول الخليج وليس الأمة العربية ...أي وضع العراق ضمن مجموعة عربية موالية لأمريكا بل وغير معادية لإسرائيل.

الحقيقة أن مهمة بايدن ليست بالمستحيلة، لكنها لم تكن سهلة لكي ينجزها خلال ثلاثة أيام. لكنه سيوضح للقادة العراقيين رؤية الإدارة الأمريكية من أجل استمرار الدعم الأمريكي للعملية السياسية في العراق وفق الاتفاقية الإستراتيجية. الوضع الاقتصادي العراقي ليس مستقر، والشركات العملاقة العالمية والمستثمرين في شك وريبة من قدرات الحكومة العراقية للتوصل لاستقرار سياسي لأنه لا استقرار أمني  أو اقتصادي بدون استقرار سياسي.

الحل بيد القادة العراقيين للتنازل عن بعض ما يرونه حقوقهم واستحقاقهم من أجل مصالحة وطنية حقيقية بينهم أولاً ثم التحول للمصالحة مع أعداء العملية السياسية إن عادوا لرشدهم وبدأت لديهم صحوة ضمير كما حدث للكثيرين.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/تموز/2009 - 13/رجب/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م