إيران.. بين الإصلاح والانزلاق في الفوضى

مرتضى بدر

على رغم كلّ تحفظاتنا على الطريقة التي تعاملت بها السلطات الإيرانية مع المرشحين الإصلاحيين ومؤيديهم، وعلى رغم إيماننا بأنّ التغيير والإصلاح واحترام كرامة الإنسان وحقوقه هو الطريق الوحيد نحو بناء الحكم الرشيد، إلا أنّني أعتقد جازماً بأنّ ما حدث بعد الانتخابات هو شأن داخلي وليس له علاقة بالمؤامرات الخارجية، ولا بدسائس الغرب كما يروّج خصوم الإصلاحيين.

 يقول الإصلاحي محمد خاتمي “إن اتهام الاحتجاجات المدنية بأنها مرتبطة بالنفوذ الأجنبي يُعتبّر استفزازاً مهيناً لشعبنا الذي يتحرك بشكل مستقل، وهذه الاتهامات مثال على السياسات الخاطئة التي تخلق مسافة تباعدية بين الناس والحكومة”.

في الواقع إنّ ما جرى ويجري في إيران هو حراك سياسي  لم نجد له نظيراً في الشرق الأوسط، فالمشهد السياسي الإيراني يعتبر فريدًا من نوعه في المنطقة. إنّ وصول نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات الأخيرة إلى 85% قد أدهش المراقبين، وقد وصفها البعض بالزلزال الانتخابي.

التنافس الانتخابي كان محتدماً بين الأجنحة السياسية التي تعترف جميعها بالنظام السياسي القائم، والمناظرات التلفزيونية بين المرشحين قد ألهبت المجتمع الذي يمثّل فيه الشباب أكثر من 60%. هذا المجتمع الشبابي مرّ بتجربة سياسية جديدة لم يأنسها من قبل، فتفاعل مع الحراك الانتخابي بشكل مؤثّر وفاعل، والعالم شاهد بتعجب وحيرة تفاعل الشباب من كلا الجنسين في الحملات الانتخابية. الدول الغربية ظنّت بأنّ إيران تمر بمرحلة تحول وتغيير كبيرين قد يمس بأسس النظام السياسي، وهناك من ذهب إلى القول بأنّ هذا البلد يمر بفوضى، متنبئًا بتغيير جذري في النظام، وهناك بين ظهرانينا من صفّق لهذا التحليل الركيك، وربما تمنّى ذلك.

 وأمّا الدول الغربية وكعادتها أرادت ركوب الموجة، إلا أنّها فشلت مرة أخرى في معركتها الطويلة مع الجمهورية الإسلامية، ومازالت هذه المعركة قائمة على عدة جبهات. الدول الغربية خسرت هذه المرة، وربما للمرة العاشرة على التوالي في إلحاق هزيمة أو توجيه ضربة موجعة لخصمها اللدود، ترغمها على التنازل والرضوخ لمطالبها ورغبات إسرائيل.

أوباما كان أكثر حذراً في تعامله مع أحداث إيران من بقية الزعماء الغربيين، رغم أنّ دوائر أمريكا ومؤسساتها وشركاتها الإعلامية عملت بشكل فعال في ركوب الموجة؛ بغية خلق تأثير في حركة الشارع، وذلك من خلال تقنية الاتصالات كالهاتف النقال، والفيس بوك، واليو تيوب، والتويتر.

 وبالرغم من كل ذلك فإنني لا أذهب إلى ما ذهب إليه الجناح المحافظ بادعائه أنّ “الشارع تحركه شبكات التجسس الغربية”. ربما كان المرشد آية الله خامنئي أكثر دقة، حينما وصف المرشحين الأربعة بأنّهم أبناء الثورة، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنّ الصراع بين الأجنحة السياسية في إيران إنّما هو شأن داخلي ليس له علاقة بالخارج، بيد أن النفاق الغربي قد ظهر بجلاء، وحاول الدخول على خط الأزمة، بهدف الاصطياد في المياه العكرة .

جماعة “مجاهدي خلق” الإرهابية بدورها دخلت على خط الأزمة، فدست عناصرها بين صفوف المتظاهرين الشباب.. الإصلاحي مير حسين موسوي لم يطالب بتغيير النظام، ولا بقيام ثورة مخملية، إنّما طالب بإصلاح النظام وتصحيح مسار الحكومة. المرشّح الآخر محسن رضائي كان صائباً حينما نصح المسئولين في الجناح المحافظ بعدم تحويل البلاد إلى ساحة أمنية، وحذرهم بأنّ ذلك سينعكس سلباً على حركة الاقتصاد، ويؤدي إلى تراجع البلاد.

نتائج الانتخابات حولت الساحة السياسية إلى ساحات عنف بين الشرطة والمتظاهرين، ونتجت عنها سقوط ضحايا. الدول الغربية كانت تعتقد في بداية الأحداث عن إمكانية تكرار الثورة البرتقالية في إيران على غرار ما فعلتها في أوكرانيا، بيد أنها اكتشفت أن تلك التجربة لا يمكن تحقيقها في بقعة أخرى من العالم، خاصة مع شعب متمسك بنظامه السياسي، ويؤمن بأنّه لا يمكن الوثوق بالغرب المنافق الذي لُدِغ منه مرات عديدة. في خطبته الأخيرة في القاهرة اعترف باراك أوباما واعتذر للشعب الإيراني بسبب تدخّل المخابرات الأمريكية في الشأن الإيراني في الخمسينات من القرن الماضي فأسقطت حكومة محمد مصدق التي انتخبت ديمقراطيا ً!! فقد تعامل أوباما مع أحداث إيران في بداية الأمر باحتياط وحذر؛ وذلك حتى لا تتكرر التجربة السيئة لأمريكا مع هذا الشعب.. أحداث إيران تعتبر أحداثًا مؤلمة، إلا إن المراهنة تكمن في حكماء الثورة الذين نأمل لهم إيجاد مخرج يحفظ النسيج الوطني للشعب الإيراني ومنجزاته، فمن حق هذا الشعب المكافح إن يستمر في العيش بعزة وكرامة، ويحترم إرادته السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/حزيران/2009 - 29/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م