الحب والعلاقات الزوجية

الغيرة، الزوجة الثانية، الاولاد، تقدم السن

السيد محمود الموسوي

من المشكلات الأكثر تعقيداً وحساسية في مواجهة العلاقة الودية بين الزوجين هي مشكلة الغيرة.

 و(( حول هذا الموضوع كان أحد التقارير الطبية والعلمية التي نشرت أخيراً، والتي كشفت عن إن الغيرة مرض خطير- ليس من الناحية النفسيّة فحسب– بل أيضاً من الناحية الفسيولوجية، وان الغيرة يمكن أن تجعل من الإنسان وحشاً همجياً يقدم على ارتكاب أبشع الجرائم ))[1].

 ويقسّم علماء النفس الغيرة إلى قسمين:-

1- الغيرة المرضيّة.

2- الغيرة غير المرضيّة.

وقد عرّفوا الغيرة المرضية بالمشاعر الإنسانية التي تدعو الإنسان لامتلاك الآخرين، فتثور نفسه من توجه شريكه إلى آخر.

والغيرة غير المرضية بأنها حالة من الخوف التي تعتبر دافعاً نحو العلاقات الطيبة والحسنة، عن طريق إثبات الشخصية وإرضاء الطرف الآخر.

والواقع أن غيرة الرجل تختلف عن غيرة المرأة، فللمرأة أن تغار على زوجها قليلاً، بحيث لا تظهرها صراحة، ولا تلهيها عن أداء واجباتها، إنما يدعوها ذلك الإحساس إلى الاهتمام بزوجها أكثر وإغراءه، وعليها أن تهيل عليه سيولاً من الحب، فتتصرّف وكأنها في حلبه منافسة مع امرأة أخرى، فقط عند هذا الحد.

أما الشعور بالغيرة المفرطة، التي تلجأ بسببها الزوجة إلى اتهام الزوج ومراقبته، ومقاطعته، وتقوم بتحطيم حياته وحياتها لقاء ذلك التصرف، فهذه مشاعر الأنانية السلبية عند المرأة.

يقول الحديث عن الإمام علي (ع): ((غيرة الرجل إيمان وغيرة المرأة عدوان))[2].

للرجل الحق الأكبر في غيرته على زوجته، في الوقت الذي لا تتعدى فيه المرأة تصرفات جذب الزوج لنفسها عن غيرها، في محاولة لتعميق علاقتها به.. لماذا ؟

لان للرجل كما في الشريعة الإسلامية أن يتزوج أكثر من زوجه واحدة، وفي هذه الإباحة تكون المرأة حساسة، تجاه ذلك، خوفاً من لجوء زوجها للزواج من ثانية، فغيرتها تكون غيرة أنانية بحتة، ولعل لهذا السبب عبّر عنها الإمام علي (ع) بالعدوان.

ولكن الرجل تكون غيرته خوفاً على زوجته من انجذابها لآخر، أو انجذاب آخر لها، معتبراً زوجته (عرضاً) لا يجب المساس به من قبل أي شخص، فالمرأة لها زوج واحد فقط حسب رأي الشرع، فغيرة الزوج تعتبر إيماناً في هذا الوضع، بل ويجب عليه أن يحافظ عليها وعلى شرفها، من هذا المنطلق.

قال رسول الله (ص): (( إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب))[3].

لا شك أن الغيرة إذا حلت بين الزوجين فإنها ستكون معول هدم لحبهما، إذا شغلتهما مشاعر الغيرة واستغرقا فيها وفي متابعة تصرفات كلٍ الآخر، فينبغي أن نتوجه للحل بالعمل، دون أن تسيطر علينا تلك المشاعر، وحتى مشاعر الغيرة عند الرجل التي تكون دافعاً للحفاظ على زوجته، فلا بد أن تكون عامل حب، ولكن ليس بالاتهام، إنما بالعمل.. كيف ؟

· للزوجة:

اعملي على إصلاح علاقتك بزوجك، واجعلي بيتك جنة ناعمة، وأهيلي عليه سيولاً من الحب، حاولي إقناعه بأنك قادرة على إسعاده وتلبية طلباته..

بعد ذلك امنحيه الثقة في التعامل مع الآخرين، ولا تقفي سدّاً منيعاً أمامه في علاقته بحيث تجهدين نفسك بالقوة أو التهديد..

· للزوج:-

عليك أن تعلم أن الغيرة في غير موضعها هوس يؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية، يقول الرسول (ص): ((من الغيرة غيرة يبغضها الله ورسوله وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة))[4].

فهذه غيرة اتهام بدون مبرر، أما الغيرة المطلوبة منك فهي غيرة الخوف والمحافظة على زوجتك.

قبل أن تقوم بأي إجراء، عليك أن تملأ عين زوجتك، وتثبت لها بأنك أهل لها، و كفؤ لإدارة العائلة، وتحمل في قلبك حباً كبيراً لها، وتزرع في قلبها الإعجاب بك، فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام): (إنها ـ يعني المرأة ـ تحب أن ترى منك مثل الذي تحب أن ترى منها، ولقد خرجن نساء من العفاف إلى الفجور، ما أخرجهن إلا قلّة تهيئ أزواجهن)[5].

وبعد ذلك، فمن حقّك أن تغار بالمحافظة عليها من التعرض للاعتداءات والمضايقات، وأن تحرص على ارتدائها للحجاب والستر عن الأجانب بشكل سليم،و غير مثير، وتحدّ من ظاهرة الاختلاط غير المشروع.

أما الغيرة غير المبررة وفي غير موقعها قد تصيب الرجل، ولها أسباب عديدة، قد تكون للشعور بالنقص، أو الوهم، أو الإدمان، أو عدم الثقة بالزوجة، ويكون حل هذه الحالة عادة بيد الزوجة في تصرفاتها.. كيف ؟

ينبغي أن تشعر الزوجة زوجها بالاطمئنان لتصرفاتها، وعليها أن تعرف أن لها حدوداً شرعية في التعامل مع الرجل، إذا تعدتها فقد وقعت في الخطأ.

وعليها أن تعرف انه لا يجوز لها النظر والميل إلى غير زوجها بأي حال من الأحوال، ما دامت تربطها به علاقة الزواج، فقد قال رسول الله (ص): (أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها)[6].

فإذا عرفتِ حدودكِ الشرعية التي تسعى للحفاظ عليكِ وعلى أسرتكِ من التفكك والدمار، فإنه من الصعب أن تقع عينيك على غير زوجك.

ومع كل ذلك، إذا حصل وأن داخلك إعجاب لشخص ما، حتى ولو كان الإعجاب عفيفاً لا تقصدين منه شيء فعليك أن:-

· لا تتعاملي معه، معاملة خاصة قد تثير غيرة زوجك وسخطه.

· لا تكثري من الحديث عنه والإعجاب به أكثر من زوجك.

· امنحي زوجك الثقة بنفسه وبقدراته، وامدحيه دائماً.

· ومن اجل التخلّص من ذلك الشعور تماماً، عليك أن تسعي لكسب زوجك تلك الصفات التي أعجبتك، وساعديه على ذلك.

· تودّدي إليه وازرعي حبه في قلبك أكثر.

الحب.. والزوجة الثانية

الحديث دائماً يجري عن حب الرجل لزوجته الوحيدة، كيف يراعيها وكيف تراعيه، كيف تحبه وكيف يحبها، ولكن كيف يكون حال الرجل الذي تزّوج من اثنتين ؟

هل يمكن أن يتكون حب في قلبه لاثنتين ؟

وهل يمكن للزوجتين أن تحباه معاً ؟

 أما بخصوص إمكان الحب وعدمه، فإن العلم يؤكد أن باستطاعة الشخص أن يحب أكثر من شخص واحد، فلا يوجد مانع من أن يحب الزوج كلتا زوجتيه.

 وكذلك بالإمكان أن يحب شخصان، شخصاً واحداً، فالزوجتان تتمكنان من حب زوجهما أيضاً..

 وأننا نرى هذه الحقيقة واضحة في حب الرجل لأولاده، مهما تعدّدوا، ومبادلتهم ذات الحب.

 وكذلك حب الزوجتين حاصل في الواقع والتجربة، رغم وجود من لا يفهم حقيقة العلاقة عند حلول الزوجة الثانية ممن يحوّلون حياتهم إلى جحيم لا يطاق، ويلصقون ذلك بسبب الزوجة الثانية.. فإننا نجد أيضاً العلاقات الزوجية التي تتكون من زوجتين وزوج قد لاقوا نجاحاً منقطع النظير، فتراهم سعداء في حياتهم، متحابين متعاونين، يأنسون معاً، ويتحّملون المسؤولية معاً..

 التساؤل ليس في تعدد الحب من ناحية مبدئية، إنما التساؤل الأهم في مقدار الحب بين الزوجات، لأن ((هناك شيئاً واحداً لا يقبل الجدل والشك، هو أن الحب والعاطفة لا يبلغان أوجّهما في حالة التعدد كما يبلغانه في الزوجة الواحدة))[7].

 ويقرر ذلك القرآن الكريم في حال تعدد الزوجات في سورة النساء، يقول جل وعلا: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)[8].

إن ذلك في الحب والمودة كما أكّده المفسرون.

فإن المودة القلبية، تأتى من المؤهلات التي تمتلكها المرأة من جمال وأخلاق وذوق الخ.. ويستحيل أن تتفق الزوجتان في هذه الصفات وتتساوى فيها، لكن ذلك ليس داعياً لتبخّر الحب من قلب الزوج للزوجة الثانية، إنما الحديث عن تكافؤ المودّة لكلتا الزوجتين.

فإن الزوج يستطيع أن يحب الزوجة الأولى مثلاً بنسبة 100% وأن يحب الأخرى بنسبة 90%.

ومع ذلك يدعوا القرآن الكريم الزوج أن لا يميل كل الميل لواحدة دون الأخرى، وأن لا يدعوه حبه الأكثر لها، لتضييع حقوق الأخرى، إنما الحب يبقى في القلب، لكن المبيت والنفقه وجميع الحقوق لابد أن تكون متساوية تماماً.. يقول تعالى بعد تلك الآية: ( ولا تميلوا كل الميل ).

تماماً مثل حب الرجل لأولاده، فقد يفضل أحدهم على الآخر، لكنه لا يجب أن يبيّنه لكي لا تحدث الغيرة، وكذلك في حال إنجاب الطفل الجديد لا يعني كره الأبناء الآخرين.

وعلى الزوج الذي اضطرته الظروف للزواج من ثانية أن يضع في حسبانه، هذه المعطيات، وما سينتاب أحاسيس زوجته الأولى التي ترى أن هنالك شريك معها في حبها وزوجها، فلا ينبغي أن يتصرف بطيش وتهوّر، وإنما عليه أن يقدّر الإحساس الذي أصابها من غضب، وقلق، و خمود عاطفي، وتقصير في المسئوليات، لكي يصل تدريجياً لحالة التوافق والرضا.

كما أن على الزوج أن لا يتجاهل بواعث الخوف لدى زوجته الأولى، وعليه أن يبدد هواجسها بتعامله والتأكيد على أن حبه لها ما زال مستمراً، ولم تكن سلعة قديمة، ولابد أن يبعث في نفسها الطمأنينة بأنها ستبقى محط اهتمام، وكل ذلك بالفعل والعمل.

أما من جانب الزوجة التي قد جلب زوجها الشريكة الثانية لها في حياتهما فينبغي أن تعي هذه الحقيقة، فقد تعتقد بعض النساء أن مجّرد زواج زوجها من ثانية، فهذا دليل على كرهه لها، و ذلك غير صحيح، فالاحتمالات في هذا الصدد كثيرة جدّاً..

 وان الزوجة التي تزوّج زوجها من ثانية ستقف أمام عدّة خيارات:-

1-  الطلاق.

2-   البقاء معه مع حلول الكره والمشاكل.

3-  القبول بالأمر الواقع والمساهمة في إسعاد حياتها الزوجية.

والطريق الأمثل لها هو أن تستمر في حب زوجها، حتى يستمر هو في حبه لها، فكم من زوج عندما رأى عدم تغيّر أحاسيس زوجته الأولى له بعد زواجه من ثانية، وبقاءها على حبه، كافأها بزيادة الحب، وفضّلها على الزوجة الثانية، فليس دائماً أن تكون الزوجة الثانية صاحبة الحظ الأوفر في المودة، إنما هي حياة منافسة على قلب الرجل.

الحب.. والأولاد

 بعد أن يعيش الزوجان حياة الخلوة والهدوء معاً لفترة من الزمن، تبدأ بعد ذلك مشاركة الأولاد لهما في حياتهما ليفرضوا واقعاً جديداً لم يألفاه..

 والمشكلة هنا في إن تلك الظروف غالباً ما تنسي الأزواج مشاعرهم الثنائية الودية بسبب الزائرين الجدد، والانشغال بمشاكلهم وبمصروفاتهم، وتربيتهم..

 وقد يلجأ البعض لتأخير إنجاب الأطفال بقصد إعطاء فرصة لحياتهما بالتلذذ والسعادة مع بعضهما دون تعكير صفاء الأجواء بضوضاء الأطفال.

 (( يقول الدكتور آلان جوتماشر في كتابه (الحمل والولادة ): (( أن أقوى حليف للزواج السعيد هو الأطفال، فالزواج وسيلة وليس غاية … إن الطفل مسؤولية، ولكنه مسؤولية لذيذة، فهو لا يطلب من أبويه سوى الحب والرعاية، فإذا وجدهما قدم مقابلهما أضعاف ما قدّم عليه منهما..))

 ويتحدث الدكتور آلان بعد هذا عن الأَثَرَة التي تصيب بعض الأزواج، والتي تظهر بوضوح في عزوفهما عن إنجاب الأطفال قبل انقضاء خمس أو ست سنوات على زواجهما بحجة أنهما يريدان أن ينعما بالحياة، أو أنهما لم يستعدا بعد مادياً لإنجاب الأطفال، فيقول: (( إذا تركز اهتمام الزوجين على إنجاب الأطفال وتربيتهم في الوقت الذي يرونه مناسباً لهما، فمعنى هذا أنهما لم يكونا أصلاً مستعدين للزواج، ومعناه أنهما يجب أن لا ينجبا أطفالاً على الإطلاق !)).

 ثم يقول: (( إن وصول الأطفال خلال سنوات الزواج الأولى، من شأنه أن يساعد على تدعيم هذا الزواج وتحصينه ضد أي ريح قد تهب عليه وتعصف به.. فالطفل هو الرباط القوي الذي يجمع ما بين الزوجين ويشدّهما إلى بعضهما البعض … ومن أجل هذا الطفل وحده تهون كل المتاعب، وتسوى كل الخلافات التي قد تنشب بين الزوجين..

 فهذا المخلوق الصغير قادر على أن يحقق المعجزات في حياة الأسرة.. آية أسرة.. ))[9].

 فزيارة هذا الطفل للعلاقة الزوجية يمثل حافزاً لإفاقة العواطف القلبية بين الزوجين، ومغذياً لها، ومجسدّاً للحب بينهما، ومن الخطأ أن يعتقد الزوجان بخرافة تعكير الأجواء.. إنما يقوم الطفل بدور إثراء الأجواء الحبية لتبدوا أكثر روعة وجمالاً..

 أما حجة الانشغال بتربيتهم وبمشاكلهم وبمصروفاتهم، لا تعتبر حجر عثرة أمام المشاعر الودية، هذا إذا فكر الزوجان في تنظيم الأوقات بشكل جيّد.

 فقد ترتبا زيارة للأطفال عند الأهل لتبقيا وحيدين، أو عندما يلجأ الأطفال للنوم باكراً، فإن الأوقات كثيرة جدّاً إذا قمنا بحسابها واصطياد الشارد منها لتغذية مشاعرنا..

الحب.. وتغيّر أحد الزوجين

 إنه طموحُ جداً، وقد أثبت ذلك إصراره على مواصلة الدراسات العليا وهو متزوج، وقد تسلّق سلم المجد، ليحصل على شهادة الدكتوراه بعد جهد جهيد، فقد أصبح شيئاً مذكورا، شخصية أخرى، إنه دكتور في علم الفيزياء فقد أصبحت علاقاته رفيعة، وأصدقاؤه مختلفين، صاروا من المثقفين والأكاديميين، بعد أن كان في بدء زواجه لا يملك إلاّ شهادة الثانوية العامة..

 تسلّق هذا الزوج سلالم المجد، ولازالت زوجته الأمية، على أميتها، لا تفقه شيئاً غير فنون الطبخ.. فما كان من الزوج إلاّ التفكير في زوجة ثانية تقاربه المستوى العلمي.. والتخلي عن زوجته، لأنه لم يعد يحسّ بوجودها في المنزل، ولم تعد قادرة على مجاراته.. وإسعاده ! !

 وتحدث عكس هذه القصة، بأن ينشغل الزوج بعمله طلباً للمال، بينما زوجته تواصل تعليمها وتحسين شخصيتها، فتصطدم بوجود زوج جاهل بجانبها طوال هذا الوقت.. فتنشأ المشكلات..، والتنافر.. والطلاق..

ونتساءل أين الحب في هذه التصرفات ؟

إن كان الوفاء يدعو إلى الحب، فإن الحب أيضاً يدعو إلى الوفاء والإخلاص العميق، ومن الوفاء أن لا نفكر بأنانية العزوبة الفردية، لان الحياة الزوجية تمتاز بالتفكير المزدوج والمشترك، فأنت عندما تريد أن تقدم على خطوة ما، عليك أن تحسب هذه الخطوة في ميزان زواجكما، هل ستقدّمك وحدك للأمام.. أم ستقدم حياتك الزوجية إلى الأمام.. وإذا قدّمتك إلى الأمام فهل هذا سيكون على حساب الحياة الزوجية ؟

ينبغي أن يكون التفكير منذ البداية على هذا النمط، أما الخطأ الحاصل في النموذجين المذكورين يقع على عاتق الزوجين معاً، لكونهما أخليا ذهنيهما من هذا الجانب..

· الذي تقدّم وتغير للأفضل، قد فكر بأنانية ونسى شريكه.

· والذي بقى على حاله، أهمل نفسه وهو ينظر لشريكه في الصعود.

في الوقت الذي يقع اللوم على الزوج الذي تسلّق سلّم التقدم والتطور بالأنانية، يقع على الزوجة التي بقيت مكتوفة الأيدي مسمّرة عينيها على صعود زوجها، لان صعوده يعني انحدارها.

وهذا لا يعني إن الزوجين حتى ينسجما ويبقيا ودودين لابد أن يكونا في مستوى علمي واحد، إنما لابد أن يكونا في درجة إدراكية من معرفة نسبية لشؤون الآخر، ومنحاه العلمي، أو تكون لدى أحد الزوجين كفاءة علمية مغايرة عن كفاءة شريكه.. لان المحذور هو ذلك التباعد الكبير الذي يصل إلى عدم فهم الطرف الآخر، وعدم تلبية حاجته، ومتطلبات وضعه الجديد..

الأمر الذي يسبب التنافر شيئاً فشيئاً، فتتولّد أحاسيس الكراهية بينهما، فتؤدي إلى الانفصال، أما المشاركة في الصعود، ومساعدة الشريك في الحياة الزوجية لتنمية مواهبه وقدراته دائماً.. فسوف يكون ذلك داعياً للتقارب أكثر وأكثر، مما يزيد في تعميق مشاعر الحب بينهما.

وقد ذكرنا سابقاً أن فهم والإدراك للطرف الآخر هو المهم، وليس المستوى العلمي، فكثير من الكفاءات والقيادات والعلماء، كانت زوجاتهم ربات بيوت بسيطات، ولكنهن عارفات ومدركات لوضع الزوج وملبيات لحاجياته، خصوصاً إذا حصل التقدّم والتغيّر أمام أعين الشريك، فإن ذلك يسهّل الأمر.

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الزوج الذي رأى زوجته تتسلق سلالم المعرفة وهو باق على بساطته، فليس من العيب أن يقف الرجل خلفها لدعمها، وتلبية حاجياتها التي لا يستطيع تأديتها غيره، فعندما نرى نساء صاعدات وناشطات ومتصديات في المجتمع، لا نتوقع أن يكون الزوج بنفس الدرجة، فهل المطلوب أن ينهار الزواج ؟ أو أن يتعامل الزوج بإيجابية ودفع زوجته لتكون ناجحة أكثر من ذلك ؟

بالطبع الخيار الأخير هو الأنجع.

الحب.. وتقدم السن

 من الاعتقادات الخاطئة أن نحيل الحب على التقاعد عندما يبلغ سناً معيناً، فنعتبره ثوباً لبسناه أيام الشباب ثم ننزعه ونستبدل به ثوب الجفاف واللامبالاة.

 فلا ينبغي أن تستسلم لهذه السنين البغيضة التي تأكل في عمرك، ولا ينبغي أن تتخلى عن مشاعرك الحبية لزوجتك، ولا أن تتخلّى الزوجة عن مشاعرها لزوجها.. فإن الحب لباس متجدد يرتديه الإنسان منذ بداية الحياة الزوجية وحتى نهايتها.

 فلا شبابك سيكون أكثر توهجّاً بالحب، لأن فترة الشباب فترة العريزة الطائشة، والتسرّع، وفي منتصف العمر ستكون أكثر استقراراً وعملاً وتجارباً، فأنت بأمس الحاجة للحب ليدفعك نحو ما تصبو إليه.. وفي سن الشيخوخة إنك هادئ، تميل إلى الراحة والحكمة والإستغراق في الماضي، فلا تستغني عن مشاعر الود التي تعطيك أملاً في الحياة، وطاقة إضافية، وذكرى جميلة تجعلك أكثر هدوءاً وحكمة.

 (( في دراسة حديثة وافق 84 في المائة من الذين سئلوا على أن الناس في منتصف العمر يصبحون أكثر رحمة)).

عندما يكبر الأولاد تبقى مشاعر الحنان والرعاية ضاجة فينا، وقد تتسع فتتخطى العائلة، كما يعتقد تشارلز مدير (مركز العمر الثالث)، في جامعة فوردهام. وتقوى إمكانات المشاركة في قضايا حياتية واجتماعية))[10].

 من الأمور البديهية أن الزوجين يتعرضان إلى تغيرات نفسية وصحية عندما يتقدم بهما السن، ومن تلك التغيرات التي قد تؤثر على نظرة البعض للمودة بينهما، هي التأثيرات الشكلية والصحية للزوج أو الزوجة.

 ف (( عندما تصل المرأة إلى مرحلة الثلاثينات تكون قد وصلت إلى مرحلة انتقالية من حياتها حيث تبدأ جاذبيتها في نضارة الشباب وحيويته كما تفقد بشرتها الكثير من تماسكها ورونقها ويبدأ الجسم في اكتساب عادات يصعب التخلص منها بعد ذلك مثل الإفراط في زيادة الوزن))[11].

 وكذلك الحال مع الرجل، فإن الشعر يبدأ بالتساقط، والتجاعيد تتسلل إلى وجهه، وتصبح البشرة أكثر جفافاً..

 وعليه.. فإن الأزواج الذين تزوجوا لجمال الوجه وسحر القوام فحسب، سيكون كل ذلك قد ذهب أدراج الرياح في سن الأربعين أو الخمسين، فلن يبقى شيئ آخر يجذبهم إلى بعض، إنما أولئك الذين تزوجوا على أساس جمال الروح والعقل بشكل أساسي، فإن هذه التغيرات الشكلية لن تؤثر في حالتهم العاطفية وانجذابهم النفسي في شيء، فسوف تبقى الروح التي بها يحيى الإنسان ويشعر بالموجودات والمشاعر التي تحوم حوله.

 ومع ذلك فإن الاهتمام بالجمال أمر ذو أهمية لا ينبغي تجاوزه بقدر الإمكان، فإن الزوجين، وخصوصاً الزوجة بإمكانهما أن يحافظا على شبابهما لمدّة طويلة..

 وذلك عبر ترك الاستغراق في القلق والتوتر، والإرهاق الشديد والسهر الطويل المستمر، ومن أجل المحافظة على نضارة الوجه، ورشاقة القوام، ينبغي مزاولة الرياضة وتناول الفواكه والخضراوات الطازجة، وكذلك الاحتفاظ بالحالة العاطفية والحب المتبادل.

 ويستطيع الأزواج المسنين أن يفتحوا زهرة حبهم من جديد ليبدو متألقاً، ليس عن طريق تقديم الهدايا والتقدير والمرح فحسب، إنما بإثارة حكايات الماضي الظريفة وإعادة شريط الذكريات المشترك، فإنهم يملكون هذه الميزة في إثارة المودة في قلوبهم دون الشباب الذين لا يملكون أي تجربة.

 ومن لطيف ما قرأت أن أحد المعمّرين المصريين قد عاش 153 سنة، وكان حتى ذلك العمر في صحة جيدة، بل كان يبدوا أصغر من عمره بكثير، (( وقد أكد قبل وفاته بثلاث سنوات أن السبب وراء تمتعه بعمر طويل هو قصة الحب الجميلة التي عاشها مع زوجته)).[12]

* فصل من كتاب الحب  في العلاقات الزوجية

www.mosawy.org


[1] / الأمراض النفسية –ص56.

[2] / غرر الحكم،ص 270.

[3] / جامع السعادات –ج1-ص300.

[4] / جامع السعادات-ج-1-ص305.

[5] / كلمة الإمام الرضا (ع)، آية الله السيد حسن الشيرازي، ص281

[6] / كما أن العكس هو الصحيح، فإن أعظم حق على الرجل هو زوجته، كما هو مضمون الحديث عن رسول الله (ص) (ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها). المصدر: الأسرة وقضايا الزواج، الدكتور علي القائمي، ص 56

[7] / نظام حقوق المرأة في الإسلام –ص372.

[8] / سورة النساء –آية 129.

[9] / سيكولوجية الفتاة –ص160.

[10] / مجلة المختار –يناير 1992م.

[11] / الرجل – الموسوعة الصحية –ص183.

[12] / مجلة الجديدة – العدد624.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 24/حزيران/2009 - 26/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م