سُلطة الصحافة المطبوعة وأفق الصراع مع الصحافة الالكترونية

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: انتقدت الجمعية العالمية للصحف بشدّة الاشخاص الذين يتوقعون اختفاء الصحف المطبوعة قريباً وأقرّت في الوقت ذاته بأن هذا القطاع تأثر كثيرا العام 2009 بالأزمة خصوصا في اوربا والولايات المتحدة. لكن روبرت مردوك صاحب الامبراطورية الاعلامية اعتبر ان مستقبل الصحف هو في التقنية الرقمية مؤكداً ان القراء بحاجة الى 10 - 15 عاما للتخلي كلياً عن النسخ المطبوعة. وعززت ذلك الاتجاه الهيئة الاميركية للصحف حينما اعلنت ان العائدات الاعلانية للصحف الامريكية تراجعت اكثر من 28% في الفصل الاول من العام الحالي سواء بالنسبة الى الصحافة الورقية او الانترنت.

الصحافة المطبوعة لن تختفي مع انها تمرّ بأزمة

انتقدت الجمعية العالمية للصحف بشدة الاشخاص الذين يتوقعون اختفاء الصحف المطبوعة قريبا، واقرت في الوقت ذاته بان هذا القطاع تأثر كثيرا العام 2009 بالازمة خصوصا في اوروبا والولايات المتحدة.

وخلال مؤتمر حول "سلطة الصحافة المطبوعة" ينظم في برشلونة انتقد الايرلندي غافين اورايلي رئيس الجمعية "خطأ المعلقين الاعلاميين" الذين يعلنون بانتظام "موت" الصحف.

وقال ان هذا القطاع يستمر بالنمو ومبيعات الصحف اليومية ارتفعت بنسبة 1,3 % العام 2008 في العالم لتصل الى 539 مليون نسخة يوميا في حين ان الزيادة على اربعة اعوام بلغت 8,8%.

وتظهر ارقام الجمعية ان هذا التحسن سجل في افريقيا واميركا اللاتينية واسيا ولا سيما الهند والصين في حين ان تراجع المبيعات تواصل في الولايات المتحدة واوروبا.

واقر اورايلي ان العام 2009 سيكون "عاما صعبا للغاية" للصحف التي تواجه تراجعا "كبيرا" للاعلانات بسبب الازمة والتحدي المتزايد للانترنت. بحسب فرانس برس.

وتراجعت الاعلانات بنسبة 5% في 2008 على ان تكون النسبة اعلى في 2009. وادى هذا الوضع الى اختفاء صحف يومية يرقى تاريخ تأسيسها الى اكثر من مئة سنة في الولايات المتحدة وصرف الاف الصحافيين بينهم 2500 منذ صيف العام 2008 في اسبانيا حيث تراجعت عائدات الاعلانات في الصحف بنسبة 30 % منذ مطلع العام 2009.

لكن رئيس الجمعية التي تضم 18 الف صحيفة موزعة على القارات الخمس، يعتبر ان الصحافة المكتوبة المطبوعة تبقى "وسيلة قوية" للاعلانات اذ انها تجذب 37 % من مجموعة الاعلانات في مقابل 10% فقط للانترنت.

واضاف ان القطاع الذي يبلغ رقم اعماله العالمي 182 مليار يورو "سيشهد انتعاشا سريعا" ما ان تتحسن الاوضاع الاقتصادية.

غير ان دراسة اجرتها مؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز" تظهر وضعا مختلفا وهي تتوقع تحسنا طفيفا جدا في عائدات الاعلانات في الصحف اعتبارا من العام 2011.

واشار اورايلي الى ان الصحافة المكتوبة تواجه كذلك ظاهرة "التغيرات الجذرية" مع ظهور متواصل لاشكال جديدة لنشر المعلومات عبر الانترنت او الهواتف النقالة.

لكنه رأى انها قادرة على التكيف مع الثورة الرقمية مواصلا هجومه المنتظم على "التعليقات السلبية التي اساس لها" التي يقوم بها اشخاص يعتبرون ان "المستقبل هو فقط للاخبار التي تنشر عبر الانترنت" وان الصحف المطبوعة محكوم عليها بالموت.

مردوخ يعتبر ان مستقبل الصحافة يمرّ عبر التقنية الرقمية

من جهته اعتبر روبرت مردوك صاحب الامبراطورية الاعلامية ان مستقبل الصحف هو في التقنية الرقمية لكن القراء بحاجة الى 10 الى 15 عاما للتخلي كليا عن النسخ المطبوعة.

وفي مقابلة مع محطة "فوكس بزنيس نيت وورك" التي تنتمي الى مجموعته "نيوز كورب"، اعتبر مردوك ايضا ان الصحف التي تعاني من ازمة بسبب تراجع التوزيع وعائداتها من الاعلانات، يجب ان تفرض رسوما في مقابل الوصول الى مواقعها على الانترنت.

واوضح انه في المستقبل "بدلا من الصحيفة المطبوعة على ورق يمكننا ان نحصل على وسيلة محمولة، ستنقل كامل مضمون الصحيفة وتحدث كل ساعة او ساعتين".

واضاف مردوك "يمكننا الحصول على المضمون او العنوانين الرئيسية او التنبيهات على جهاز بلاك بيري او بالم بايلوت طوال النهار".

واوضح "اظن ان الامر سيحتاج الى سنتين او ثلاث سنوات لكي يتعمم والجمهور سيحتاج على الارجح الى 10 الى 15 عاما لاعتماد ذلك كليا".

واعتبر مردوك الذي اعلن نيته فرض رسم في مقابل الوصول الى المواقع الالكترونية للصحف التابعة لمجموعته، بشكل عامل انه "يجب في المستقبل الدفع من اجل الحصول على الصحيفة المفضلة على الانترنت".

وقال ان عصر مجانية الصحف على الانترنت "سينتهي" لان "الصحف التي سارعت للوصول الى الانترنت للحصول على جمهور اكبر ولفت الانتباه، اضرت بنفسها وبات عليها التراجع الان".

وردا على سؤال حول امكانية اعتماد خطة انعاش حكومية للصحافة، قال مردوك انه لن يقبل ابدا اي اموال عامة. واوضح "سنتخلى بذلك عن حرية الانتقاد والاضطلاع كليا بدورنا".

وتمتلك مجموعة روبيرت مردوك اضافة الى وول ستريت جورنال ونيويورك بوست الصحيفتين البريطانتين "تايمز" و"صن".

الولايات المتحدة: استمرار تراجع العائدات الاعلانية للصحف

وفي نفس السياق اعلنت الهيئة الاميركية للصحف ان العائدات الاعلانية للصحف الاميركية تراجعت اكثر من 28% في الفصل الاول سواء بالنسبة الى الصحافة الورقية او الانترنت.

وافادت احصاءات نشرها موقع الهيئة الاميركية للصحف على موقعه في شبكة الانرنت، ان عائدات الصحافة الورقية قد تراجعت 29,7% خلال الاشهر الثلاثة الاولى للسنة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبلغت 5,9 مليارات دولار.

وسجلت عائدات الصحف على شبكة الانترنت خلال الفترة نفسها تراجعا بنسبة 13,4% وبلغ 696,3 مليون دولار.

وشهدت العائدات المتأتية من الاعلانات المبوية على الانترنت او في الصحافة الورقية تراجعا بنسبة 42,3% وبلغ 1,46 مليار دولار. بحسب فرانس برس.

وتتبع هذه الارقام السيئة للفصل الاول من العام 2009 اسوأ سنة للصحافة الاميركية التي سجلت تراجعا اجماليا بنسبة 16,6% لعائداتها الاعلانية وبلغ 37,89 مليار دولار في 2008.

ويتأثر هذا القطاع بمنافسة مواقع الاعلانات الصغيرة مثل كرايغسليست وهجرة القراء الى مواقع الصحافة المجانية.

وشهدت الصحافة الاميركية موجة افلاس والغاء وظائف واقفال في الاشهر الاخيرة، خصوصا اشهار افلاس مجموعة تريبيون كمباني ثانية اهم مجموعة للصحف الاميركية على صعيد العائدات والثالثة على صعيد التوزيع، والتي تشرف على لوس انجلس تايمز وشيكاغو تريبيون وبالتيمور صن.

فرض رسوم على مواقع الصحف هل ينقذ نسخها الورقية؟

هل سيحرم الركود الاقتصادي الأفراد من رفاهية القراءة المجانية للاخبار من منطلق ان ما من صناعة في العالم تقدم سلعة مجانية لمستهلكيها كما يفعل الاعلام المكتوب من خلال مواقعه على شبكة الانترنت؟ وهل ستكون هذه الاستراتيجية هي الحل لتراجع مبيعات الصحافة الورقية في ظل الأزمات المادية التي تضغط عليها باتجاه الإقفال أو التحول الى نسخ الكترونية فقط؟ هذه بعض نقاط استحدثتها استراتيجية مردوخ الجديدة، وحركت الجدال حول مصير الصحافة الورقية الآن.

صحيفة «غارديان» البريطانية تناولت القضية أخيراً، من منطلق انه كلما اتخذ مردوخ قراراً استراتيجياً في مجال الإعلام، استنفر القائمون على صناعة الميديا في العالم، مترقبين تداعيات القرار ليلحقوا به أو يرفضوه. ففي بريطانيا مثلاً، قد يبدأ قراء صحيفة «تايمز» و «صن» دفع الرسوم بدءاً من العام المقبل، وهي إشارات لا يمكن تجاهلها من مالك أكبر امبراطورية إعلامية في العالم. إذ حاول مردوخ سابقاً، بعد تملكه للصحيفة الأميركية العريقة «وول ستريت جورنال» ان يجعل تصفحها مجاناً على الانترنت، لكنه تراجع عن قراره وفرض رسوماً عليه، بعدما تنبّه الى انه اشترى واحدة من قلائل الصحف في العالم التي يمكن ان يدر موقعها الالكتروني دخلاً مهماً الى رصيده. ويجادل الرافضون لقراره ان نموذج «وول ستريت جورنال»، خاص جداً ولا يمكن تعميمه. فالصحيفة مصدر إخباري مهم لحركة المال والأعمال في العالم، وهذا لا ينطبق على الصحف التي توفر خدمة خبرية يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى مجانية.

وتلفت كارولين ماكول، الرئيسة التنفيذية لمجموعة «غارديان ميديا غروب»، الى ان نقطة مهمة ليست لمصلحة الصحافة البريطانية في هذا المجال، وهي ان مجانية مواقع «بي بي سي» تجعل من موضوع فرض الرسوم على النسخ الالكترونية مستحيلاً تقريباً، «فهذه المؤسسة ممولة من دافعي الضرائب وتقدم لهم الخدمة مجانية، فكيف يمكن التنافس معها بفرض الرسوم على دخول مواقعنا»؟. وتسننتج ماكول ان وجود خدمات «بي بي سي» المجانية على أنواعها في التلفزيون والانترنت، يفرض على كل مسؤول تنفيذي في وسائل الإعلام الأخرى التفكير مرتين قبل ان يقدم على تصرف مثل هذا. إذ قامت «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) منذ نشأتها على شعار حرية تدفق الأخبار ومجانيتها لكل فرد. ويذكر كريس ترايهون في «غارديان» ان مواقع الصحف البريطانية على الانترنت أو نسخها الالكترونية جعلتها تصل الى أرجاء العالم، وكلما زاد دخول المتصفحين... ارتفع احتمال الحصول على الاعلانات في تلك المواقع. وبالطبع فإن الفضل يعود الى تقدم خدمة شبكات الانترنت وإيصال خدمة الـ «برودباند» (خدمة الانترنت السريعة والمتواصلة طوال اليوم) الى غالبية البيوت تقريباً، فهي خدمة سريعة ومتوافرة طوال ساعات اليوم. وهذه ملحوظة تجعلنا نفكر عميقا بتأثير خدمات الاتصال والتطور التكنولوجي على تغير اسلوب مخاطبة وسائل الإعلام للجمهور الواسع، شكلاً، وبالضرورة، مضموناً أيضاً.

أما السؤال المهم الذي يطرح نفسه أمام تحدي الاعتماد على فرض رسوم على النسخ الالكترونية للصحف، فهو: هل يمكن الاكتفاء بالإعلانات على مواقع الانترنت بديلاً من الدخل الذي توفره الإعلانات في الصحافة الورقية؟ إذا استخدمنا مثالاً عملياً على ذلك من مجموعة «تيرنيتي ميرور» التي تصدر صحيفة التابلويد «ذا ديلي ميرور»، فإن إجمالي الدخل من الإعلان على موقعها ارتفع في عام 2008 بمقدار 27.1 في المئة، إلا انه يبقى يشكل 5 في المئة فقط من إجمالي أرباح المجموعة.

ولا يزال المعلنون يرون فروقاً بين مستهلكي الصحافة الورقية الذين يقضون وقتاً أطول في تصفح الجريدة والنظر الى الإعلانات الموجودة فيها، وبين متصفحي مواقع الانترنت، الذين يمرون على الصفحة بسرعة، أو بالصدفة البحتة. ولكن روب غريمشو، مدير تحرير صحيفة «ذي فاينانشال تايمز» الرائدة بين الصحف البريطانية في فرض اشتراك على الدخول الى موقعها منذ سبع سنوات، يعتبر ان الدخل المتأتي من 110 آلاف اشتراك يصل الى ثلث مبيعات الصحيفة الورقية، ولكنه لا يحسب الأمور بهذا الشكل، ويطالب بالنظر الى كلفة الخدمة على الموقع التي هي اقل بكثير من انتاج الخدمة الورقية.

في الولايات المتحدة أبدى البعض تخوفاً من التسرع في تطبيق استراتيجية مردوخ، لكونها قد تفقد الصحيفة قراءها. ولكن المتحمسين يعتقدون ان وسائل الاعلام ستواجه في المستقبل القريب - ولا بد من هذه اللحظة - ماذا ستفعل في ظل الركود الاقتصادي وتراجع المبيعات والإعلانات، كما يؤكد زخاري سيورد، المحرر المساعد في المشروع التابع لجامعة هارفارد الهادف الى إيجاد حلول لأزمات الصحافة المكتوبة في زمن الانترنت.

إلى ذلك، يعترف ريك ادموند، المحلل في مجال الميديا والأعمال في معهد بوينتر للصحافة في ولاية فلوريدا، بخطورة التسرع في تطبيق الفكرة، مذكراً بأن الكثير من الصحف الأميركية طبقتها في وقت ما، على خدمات معينة وليس على كامل الخدمة في الموقع الالكتروني، كما هي الحال مع صحيفة «نيويورك تايمز» في خدمة «اختيارات خاصة». وأثبت الأسلوب فشله فشلاً ذريعاً، إذ لاحظت تلك الصحف ان زيارة القراء المتصفحين للموقع، انخفضت في شكل واضح. وعلى رغم كل ما قيل، يبحث مردوخ والمتحمسون لاستراتيجيته، عن نموذج سباق في مجال فرض رسوم على الخدمات الفكرية، مثل الموسيقى والأفلام السينمائية، التي يمنع مالكوها تنزيلها مجاناً من الانترنت.

في النهاية، علينا ان ننتظر الوقت والنتائج في حال أصرّ مردوخ على تطبيق استراتجيته الجديدة للتخلص من ضغط الكساد الاقتصادي العالمي. لكن قارئاً بريطانياً من متصفحي الانترنت سخر من الفكرة، معتبراً ان الاخبار التي ستحجب عنه وعن غيره عبر فرض الرسوم، ستكون متاحة في مواقع أخرى ولن يخسروا شيئاً معها، وان «المدونين يعملون، أحياناً، في شكل أفضل من الصحف، وعلى ملاكها ان يتعلموا شيئاً من المدونات، مثل كيفية ضغط مصاريفهم وتطوير خبراتهم لمنافسة الصحف العريقة».

موقع (برس يوروب) يقدم افضل المقالات الاوربية في عشر لغات

واطلق الاتحاد الاوربي بالتعاون مع ائتلاف تترأسه "كورييه انترناسيونال" موقعا على شبكة الانترنت يسمح بقراءة افضل المقالات التي تنشرها الصحف العالمية الكبرى وتتناول موضوعات اوروبية وذلك في عشر لغات.

وقالت مفوضة التواصل مارغو والستروم خلال مؤتمر صحافي "هدفنا هو اقتراح منتخبات من افضل 250 صحيفة .. اوروبية وعالمية تتناول شؤونا اوروبية" ونأمل على هذا النحو خلق "نطاق اوروبي رسمي".

ويقوم عشرات الصحافيين العاملين في موقع "برس يوروب دوت اي يو" يوميا باختيار المقالات التي يعتبرونها الاكثر اثارة للاهتمام والمستقاة من صحف "ال باييس" و"ذي ايريش تايمز" و"لوموند" و"ذي فاينانشيل تايمز" و"ذي ايكونوميست" و"كورييري دي لا سيرا" و"فرانكفورتر الجماينه تسايتونغ" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"... وسواها.

وستتم ترجمة كل مقال الى عشر لغات (الالمانية والانكليزية والاسبانية والفرنسية والهولندية والايطالية والبولندية والبرتغالية والرومانية والتشيكية) على ان تنقل في السنوات الخمس المقبلة الى لغات الاتحاد الاوروبي الرسمية الثلاث والعشرين.

ويقول فيليب تورو دانجان، مدير النشر في "كورييه انترناسيونال"، "انه الموقع الالكتروني الاوروبي الاول المتعدد اللغة، وهو باب للاحتفاء بمقالات الصحافة الاوروبية المكتوبة".

وتقود كورييه انترناسيونال هذا المشروع بالتعاون مع صحف اوروبية ثلاث اخرى تستعيد مقالات تنشرها مطبوعات اخرى هي "انترنازيونالي" في ايطاليا و"فوروم بوليتيكا" في بولندا و"كورييه انترناسيونال" في البرتغال.

واكد ان الموقع سيكون "مستقلا" على الصعيد التحريري وان موله الاتحاد الاوروبي، علما انه سيقدم منصة للمشككين في وحدة اوروبا ايضا.

وهكذا سيفسح "برس يوروب" المجال ايضا لتعليقات مستخدمي الانترنت وللتحليلات والملخصات المرتبطة ببعض "احداث اليوم".

ويقول فيليب تورو دانجان "نظن ان المواقع العشرة ستتلقى زيارة مليون ونصف مليون شخص شهريا على نحو فردي، في الاشهر الثمانية عشر المقبلة".

الصحافة على الانترنت...خدمة مدفوعة

في شيكاجو، وفي هدوء محلوظ، التقى مدراء العديد من الصحف الكبرى في الولايات المتحدة ورئيس وكالة "أسوشييتد بريس" للأنباء لمناقشة سبل زيادة عائدات أنشطتهم على الإنترنت، ربما عبر مطالبة زوار مواقعهم على الإنترنت بالدفع مقابل تصفح محتويات المواقع، إضافة إلى استرجاع بعض من تجارة الإعلانات الآخذة في التراجع على نحو خطير في صحفهم.

اللقاء، الذي شارك فيه أيضاً محام متخصص في قضايا مكافحة الاحتكار من أجل ضمان عدم انزلاق المناقشة إلى "التواطؤ" أو "تحديد الأسعار" غير القانونيين، نُظم تحت رعاية "جمعية الصحف الأميركية" تحت شعار "نماذج لجعل الاطلاع على المحتويات خدمة مدفوعة وفق القانون". فقد يكون هؤلاء الأشخاص بطيئي الفهم، ولكن الأقسام القانونية في مؤسساتهم علمتهم جيداً وأحسنت نصحهم وتوجيههم في مجال إدارة المخاطر، على ما يبدو.

بعبارة أخرى، إن السبب الذي جعل زعماء القطاع مستعدين أخيراً للاجتماع بينهم ومناقشة الأزمة هو كالتالي: إذا لم تجد صحف العالم الناطقة باللغة الإنجليزية طريقة لجعل القارئ يدفع رسوماً مقابل الاطلاع على محتوياتها التي تُمنح للقارئ حالياً بالمجان على مواقعها على الإنترنت، وتسمح بأن تُجمع وتباع للمعلِنين من قبل شركات محركات البحث على الشبكة، التي لا تدفع مقابلا على الخدمة، فإن معظم الصحف لن تصمد طويلا، ولن تستمر إلى غاية العقد المقبل على الأرجح. وهو استنتاج تدعمه الحقائق والأرقام؛ ذلك أنه على مدى السنوات الثلاث الماضية، فقدت الصحف الأميركية فقط 40 في المئة من إعلاناتها المبوبة، أي ما يعادل ما قيمته 7 مليارات دولار ، التي ذهب جلها إلى مواقع الإنترنت المجانية. كما انخفضت خلال الفترة نفسها مبيعات الإعلانات المصورة بنحو الربع، وهو ما يمثل نحو 12 مليار دولار إضافية سنويا. بحسب جريدة الاتحاد وترتيب مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست.

صحيح أيضاً أن إعلانات الصحف على الإنترنت نمت بشكل ملموس من حيث النسبة المئوية على مدى 36 شهرا، لكن الزيادة السنوية لا تمثل في الواقع سوى 445 مليون دولار ، حسب وكالة أسوشييتد بريس. وبالتالي، فإن المرء ليس في حاجة إلى مدير مالي – أو حتى محاسب – ليعرف ما يعنيه كل ذلك.

ثم هناك مصدر قلق آخر، يتمثل في أنه على مدى عقد، يعلن كل مالك جديد أو ناشر يتولى الإشراف على صحيفة أميركية أنه يفهم ويدرك أنه لا بد من إيجاد طرق لزيادة العائدات. ولكن بعد ذلك، ولأنه يعجز عن القيام بذلك بشكل فعال وملموس، فإنه يعمد إلى خفض عدد الصحفيين لأن لديهم مستثمرين أو مقرضين يجب إرضاؤهم، أو فقط لأنه لا يستطيع التفكير في أي شيء آخر يمكن القيام به. ونتيجة لذلك، فإن صحفاً أميركية كبيرة باستثناء "نيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال"، و"واشنطن بوست"، التي اختارت عن وعي أن تضحي من أجل صحافتها، باتت اليوم أقل قوة وجودة من ذي قبل. وبالتالي، فإذا لم يتوقف خفض أعداد الصحفيين، فإنه بحلول الوقت الذي يستجمع فيه معظم مالكي الصحف الشجاعة لجعل الاطلاع على محتويات صحفهم على الإنترنت خدمة مدفوعة، فإنه لن يكون لديهم أي شيء ليبيعونه يستحق الشراء. والقراء والديمقراطية نفسها التي تعتمد على صحافة حرة ومستقلة هم الخاسر الأكبر.

المشكلة تكمن في أن الصحف لا تستطيع الشروع في مطالبة القارئ بدفع رسوم مقابل الاطلاع على محتوياتها على الإنترنت، أو الترخيص لمحركات البحث باستعمالها، إلا إذا قامت جميع الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية بذلك في وقت واحد. وهو ما يعد منافياً للقانون حالياً، وذلك حسب القوانين التي تحظر "التواطؤ" و"تحديد الأسعار".

وقد أشرتُ من قبل إلى أنه يتعين على مالكي الصحف الذهاب إلى الكونجرس للمطالبة على الأقل بإعفاء مؤقت من قانوني مكافحة الاحتكار و"تحديد الأسعار"، على غرار ذلك الذي تتمتع به رابطة البيسبول. فكرة تؤيدها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي (الديمقراطية عن سان فرانسيسكو) التي قالت مؤخراً إنه ينبغي تعديل القانون حتى "يعكس الوقائع الحالية للسوق". غير أن قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل يعارض إعفاء من قبيل ذلك الممنوح لرابطة البيسبول. وفي هذا الإطار قال كارل شابيرو، المسؤول عن قسم مكافحة الاحتكار للجنة تابعة لمجلس النواب الشهر الماضي: "نعتقد أنه ليست ثمة ضرورة لأي إعفاءات جديدة بالنسبة للصحف".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 10/حزيران/2009 - 13/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م