ملف السوداني يفتح أبواب الفساد المغلقة

المالكي يتبرء من المفسدين والبرلمان يطالب بعدم التدخل في القضاء

إعداد: محمد حميد الصواف

شبكة النبأ: يرى العديد من المراقبين ان قضية وزير التجارة العراقي المعتقل قد تكون مجرد فتح مزلاج الباب الذي من وراءه الفساد الاعم والاكبر الذي تعشعش في مرافق الدولة العراقية.

فملابسات القضية تشير الى  المتابعين حجم الحنق المترتب لدى الشارع العراقي على من تثار حولهم الشبهات بالفساد.

الامر الذي وجده العديدون خارج عن يد تدخل الحكومة العراقية متمثلة برئيس وزرائها نوري المالكي الذي نأى بنفسه عن السجال الدائر بعد اعلانه التبرئه ممن تثبت ضدهم ادلة الفساد.

السؤال الذي يطرح نفسه عن بقية الحديث وكيف سيكون مجرى العدالة في هذه القضية وهل ستفتح الافق واسعا للتحقيق مع المفسدين، ام سيكون السوداني هو اللقمة السائغة التي ستسد الافواه.

مكتب المالكي يأمر باستعادة الوزير

حيث نقلت صحيفة واشنطن بوست Washington Post، عن مسؤولين في وزارة الداخلية العراقية أن أمر إعادة الطائرة التي كانت تقل وزير التجارة إلى بغداد وإلقاء القبض عليه قد صدر من مكتب المالكي.

وقالت الصحيفة إن “السلطات العراقية اعتقلت وزير التجارة على خلفية اتهامات بعد أن أمرت الطائرة التي كان على متنها بالعودة، في تطور مذهل في ما أصبح اكبر فضيحة فساد منذ سنوات في العراق”.

وذكرت الصحيفة ان “مسؤولين في وزارة الداخلية، لم تسمهم، قالوا لها إن “أمر إعادة طائرة الوزير عبد الفلاح السوداني وإلقاء القبض عليه صدر من مكتب المالكي”.

وكان السوداني، الذي استقال في 14 من أيار مايو الجاري بعد استجوابه في البرلمان، توجه إلى دبي على متن رحلة للخطوط الجوية العراقية، بعد أن وجهت محكمة عراقية تهما بحقه تتعلق بالفساد المالي والاداري.

وتقول الصحيفة إن “المالكي المصدوم بتهم الفساد الذي يصل إلى أعلى المستويات في الحكومة، قد حاول في الأيام الماضية تولي زمام المبادرة من منتقديه، فأعلن التزام الحكومة بمكافحة الفساد وشن حملة واسعة ضد سرّاق المال العام”. بخسب اصوات العراق.

وتتهم مذكرة التوقيف السوداني، 62 عاما يملك جنسية مزدوجة بريطانية وعراقية، بسرقة المال العام وسوء إدارة الوزارة باستيراد أغذية منتهية الصلاحية وتوظيف عائلته، من بينها اثنين من إخوته.

وتشير الصحيفة إلى أن “السلطات العراقية كانت قد أصدرت المئات من مذكرات التوقيف في العام الجاري، من بينها 51 مذكرة بحق مسؤولين كبار، فيما تتفاقم الخيبة من استشراء الفساد ووقاحة المتورطين فيه حتى يعتقد انه كلف مليارات الدولارات”.

وتضيف الصحيفة أن “صباح السوداني، شقيق الوزير، القي القبض عليه الشهر الجاري بجنوب العراق بعد ان ضبط بحوزته 150.000 دولار، كان يسعى إلى رشوة رجل شرطة بمبلغ 50.000 دولار منها مقابل إطلاق سراحه أما شقيقه الثاني، ماجد السوداني فلا يزال طليقا”.

وتقول الصحيفة إن “من المتوقع أن تلعب قضية الفساد دورا كبيرا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي ستنبثق منها حكومة جديدة في وقت تسحب فيه إدارة اوباما قواتها القتالية من العراق.

وكانت هيئة بالبرلمان العراقي لمكافحة الفساد ذكرت أن قاضيا عراقيا أصدر أمر اعتقال بحق وزير التجارة السابق لكن الوزير كان بالفعل على متن طائرة متوجهة الى دبي.

وقال مسافر كان على متن نفس الطائرة مع السوداني انها عادت بعد حوالي نصف ساعة من إقلاعها.

وقال المسافر عبد المحسن سالم ان قائد الطائرة أبلغ الركاب أنه ينبغي العودة الى بغداد بسبب ازدحام في مطار دبي وأضاف أن 250 مسافرا كانوا على متن الطائرة.

وتابع أنه لدى وصول الطائرة لمطار بغداد اقتاد الوزير من الطائرة ضابطا شرطة في زي مدني. وقال انهما كانا في غاية اللطف ولم تقيد يدا الوزير أو أي شيء.

وذكر مسؤول بالمطار طلب عدم نشر اسمه انه شاهد طائرة السوداني تهبط عائدة على المدرج وصعد حرس على متنها ورافقوه لصالة كبار الزوار بالمطار.

وتتعلق الفضيحة باختلاس أو حصول مسؤولين في لجنة الغلال العراقية وفي الوزارة على عمولات تقدر بملايين الدولارات وأدت الفضيحة بالفعل الى القاء القبض على احد اخوة السوداني وهروب آخر.

وتعهد رئيس الوزراء نوري المالكي المقرب منه السوداني باتخاذ اجراءات صارمة ضد الكسب غير المشروع وهو داء متوطن في العراق والذي يعد من أكبر اهتمامات العراقيين قبل الانتخابات البرلمانية المزمع اجراؤها في يناير كانون الثاني المقبل.

وثار الجدل بشأن وزارة التجارة بعد فترة قصيرة من تداول شريط فيديو في بغداد يظهر فيه على ما يبدو أحد أشقاء الوزير ومتحدث باسم الوزارة وهما يرقصان مع راقصة. ويسب أحد الرجلين المالكي في لقطة الفيديو التي صورت على ما يبدو بواسطة هاتف محمول.

وقال صباح الساعدي رئيس لجنة النزاهة العراقية في البرلمان للصحفيين في وقت سابق انه صدر أمر اعتقال بحق وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني مضيفا أنه اتصل بمطار بغداد لمطالبته بالاتصال بالطائرة واعادتها الى العراق.

وقال الساعدي ان الوزير حجز تذكرتي سفر الى دبي وعمان.

وقال الساعدي للصحفيين انه يجب الا يكون هناك اي حماية للفساد من اي جانب سواء كان سلطات قضائية او رقابية او اطراف تنفيذية او احزاب سياسية لان المال العراقي ملك للشعب العراقي وليس ملك لحزب او حكومة او برلمان.

ويتهم الامر القضائي الوزير السابق بتبديد أموال عامة واساءة استخدام سلطته.

ونفت الوزارة اتهامات الكسب غير المشروع وانحت باللائمة على موظفين متذمرين أو خصوم سياسيين.

وتشتري الوزارة مئات الالاف من الاطنان سنويا من السكر والعدس والحبوب وسلع أساسية اخرى لامداد برنامج الحصص الغذائية.

وقد تضرر قطاع الزراعة العراقي بسبب الجفاف ونقص الاستثمارات واصبح العراق أحد اكبر الدول المستوردة للارز والقمح.

البرلمان يحذّر من نقل السوداني إلى بغداد

من جهتها طالبت هيئة النزاهة في البرلمان العراقي بعدم الضغط على القضاء في قضايا الفساد التي اتهم بها وزير التجارة السابق عبدالفلاح السوداني، عبر نقل القضية من السماوة (جنوب بغداد) الى العاصمة، «تمهيدا للإفراج عنه»، فيما يستعد البرلمان لاستجوابات جديدة في قضايا فساد تشمل وزراء النفط والنقل والخارجية.

وقال رئيس لجنة النزاهة صباح الساعدي  ان اطرافا سياسية تحاول الضغط على القضاء لنقل قضية السوداني من السماوة الى بغداد تمهيدا للإفراج عن الوزير بعد تبرئته من التهم الموجهة اليه، محذرا من ان هذه الخطوة ستؤول الى التستر على ملفات فساد كبيرة في هذه الوزارة.

وأضاف ان المساس بالسلطة القضائية واتهامها بالتسرع في قضية السوداني ليست عادلة وعلى القضاء ان يكون بعيداً عن المساومات السياسية، لافتا الى ان قضية السوداني في مجلس القضاء الاعلى الان وهو الذي سيتابع قضيته الى النهاية.

وحض الساعدي الحكومة على التعاون مع البرلمان في استجواب الوزراء الفاسدين، وقال ان من مصلحتها التعاون مع البرلمان ليمارس دوره الرقابي على السلطة التنفيذية.

إلى ذلك، اكدت مقررة لجنة النزاهة النائب عن الكتلة العراقية عالية نصيف أن «وزير النفط حسين الشهرستاني سيمثل قريبا أمام البرلمان لاستجوابه في ملفات فساد مالي وإداري»، مشيرة الى أن وزراء الكهرباء والنقل والخارجية ورئيس المفوضية سيستجوبون أيضا بعد الشهرستاني.

ولفتت الى جمع تواقيع 25 نائبا لاستجواب وزير الكهرباء، وبعده، فرج الحيدري رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يليه وزير النقل وهيئة الاتصالات عامر محمد رشيد، ووزير الخارجية هوشيار زيباري.

القضاء يمدد توقيف الوزير

فيما ذكر مصدر في مكتب نزاهة المثنى، ان الهيئة التحقيقية في المثنى استمعت الى اقوال وزير التجارة المستقيل وقررت تمديد توقيفه.

وقال المصدر إن “الهيئة التحقيقية في رئاسة محكمة استئناف المثنى دونت أقوال المتهم وزير التجارة المستقيل المتهم عبد الفلاح السوداني قضائيا في مكتب نزاهة المثنى، ومددت فترة موقوفيته ”.

وشكلت رئاسة استئناف المثنى، منتصف شهر آيار مايو الماضي، هيئة تحقيقية تتألف من خمسة قضاة  للبت بموضوع ملف الفساد الخاص بوزارة التجارة. بحسب اصوات العراق.

وكان مصدر قضائي في محافظة المثنى ذكر في وقت سابق ان محكمة تحقيق السماوة بدأت عملية استجواب السوداني، حول التهم الموجة إليه، مشيرا إلى أن التحقيق “يجري بسرية تامة” على خلفية تهم الفساد الموجة إليه ولوزارته والتي تتعلق بتبديد المال واستيراد مواد غذائية تالفة وفاسدة، ضمن عملية تجهيز مفردات البطاقة التموينية.

وأوضح أن السوداني أودع منفردا في موقع احتجاز مهيأ بشكل مناسب في مديرية المعلومات والتحقيقات الوطنية وسط السماوة، بدلا من احتجازه مع السجناء في سجن المثنى الإصلاحي (الخناق).

يذكر أن رئيس الوزراء نوري المالكي وافق على استقالة السوداني التي قدمها في 14 أيار مايو الجاري، إلا أن المالكي أجل الموافقة عليها حرصا منه على أن “يمارس مجلس النواب دوره الرقابي في إطار الدستور والقانون”، وذلك عقب قيام البرلمان ولمدة يومين باستجواب السوداني على خلفية تهم “فساد” مالي وإداري وجهتها لوزارته لجنة النزاهة.

وكانت لجنة النزاهة في البرلمان العراقي قد اتهمت مسؤولين في وزارة التجارة بينهم شقيقا السوداني وأحد أبنائهم بتقاضي رشاوى ، مقابل إبرام عقود لتوريد مواد غذائية، ولكن الوزارة نفت هذه التهم، وقالت إنها إشاعات يروجها موظفون “حاقدون وخصوم سياسيون”.

فيما أصدرت الجهات القضائية مذكرات اعتقال بحق عدد من مسؤولي الوزارة اعتقل على إثرها ، خلال شهري نيسان وآيار، مدير إعلام الوزارة ،محمد حنون، وشقيق الوزير صباح السوداني بالإضافة إلى محمد عبد الصاحب أحد المدراء العامين بالوزارة وهم محتجزون حاليا في سجن المثنى الإصلاحي.

يشار إلى أن قاضي محكمة تحقيق السماوة ،عبد الأمير الشمري، كان قد أتهم، في آب 2008، وزير التجارة العراقي بعرقلة التحقيق في مواد غذائية فاسدة وذلك بعدم كشف أسماء المتورطين في توريد هذه المواد.

وأوضح  حينها انه على الرغم من “المخاطبات العديدة التي قمنا بتوجيهها إلى وزارة التجارة لكشف أسماء الأشخاص المتورطين بتوريد مواد غذائية فاسدة مختلفة إلى العراق، لكنها لم تجد نفعا ولم يتم استقدام هؤلاء لمساءلتهم”.

وكان القاضي ذاته كشف في حزيران 2008، عن المباشرة بالتحقيق في قضية فساد في مؤسسات وزارة التجارة اثر ضبط مكتب هيئة النزاهة في محافظة المثنى كميات من المواد الغذائية التالفة وغير الصالحة للاستهلاك البشري في مخازن الوزارة بمحافظة المثنى لاحتوائها على (بكتريا القولون)، تم توريدها إلى العراق.

وتقع مدينة السماوة ،مركز محافظة المثنى ،على مسافة 280 كلم جنوب العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/حزيران/2009 - 7/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م