العلاقات الأميركية الإيرانية

بين العدائية والعقلانية

مرتضى بدر

في كلمة أمام لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية (إيباك) قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن: “إن محاولاتنا مع إيران خلال السنوات الأخيرة لم تعطِ نتيجة كما هو واضح”، في إشارة إلى رفض إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش فتح حوار مع إيران إلى حين وقف عملياتها النووية الحساسة، وقال: “لا زلنا بانتظار أن نعرف ما هو الأسلوب الناجع”.

وأما رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون كيري فقد قال بالفم المليان: “لم يعد وارداً بأي حال من الأحوال أن تعمل واشنطن على إسقاط النظام في إيران، والعكس صحيح. إننا نعترف بهذا النظام، وسنتعامل معه كما هو”. وبعبارة جازمة أضاف: “أن واشنطن تعترف بأن لإيران مصالح حيوية في المنطقة”.

مشهد العلاقة المقبلة بين العدويّن اللدودين بدا واضحاً حتى الساعة، والعمل جارٍ لوضع خارطة طريق لهذه العلاقة. واشنطن تترقب نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، والمستشارون في إدارة أوباما يضعون عدة سيناريوهات للمشهد الإيراني بعد الانتخابات، بيد أن معظم التوقعات ترجح فوز الرئيس أحمدي نجاد مجددا في الجولة القادمة.

المعضلة التي تواجه إدارة أوباما تتحدد في فقدانها خيوط الاتصال بالقيادات الإيرانية من الصف الأول والثاني. في المقابل يبدو واضحاً إن الطرف الإيراني أكثر تنظيماً وأكثر انسجاماً في لغة الخطاب تجاه واشنطن، وهذا ما جعل الإدارة الأميركية تعطي للجانب الإيراني الكثير من الاهتمام. الإيرانيون تخصصوا في فن الحوار والتفاوض، وتعرّفوا على أبجديات العقل الأميركي، وإيديولوجيات قادته، وهذا ما سوف يعطيهم القوة في جولة المفاوضات القادمة.

 أما الأميركيون فلا تنقصهم المعرفة بقوة خصمهم اللدود، ولا بصلابة قادته، ولا بطموحات الشعب الإيراني، لكن مشكلتهم أنهم فشلوا في استخدام تلك المعرفة بصورة صحيحة، وهذا ما عمّق الفجوة في العلاقات، وزاد في العداء والجفاء بين الطرفين. إن اعتراف واشنطن بالجمهورية الإسلامية في إيران، واحترام مصالحها الحيوية في المنطقة - حسب تصريح جون كيري - يعد في حد ذاته انقلاباً في الموقف الأميركي، وتعتبر خطوة جريئة في اتجاه تصحيح الأخطاء للإدارات السابقة.

روبرت باير (المسئول السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية) في كتابه الجديد “الشيطان الذي نعرفه: القوة الإيرانية العظمى”، والذي نشرت صحيفة البلاد مقتطفات منه بتاريخ 10/5/2009 يشرح أسباب رفض بوش طلبات إسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية للمنشآت الإيرانية، ويوضح الكاتب: “أنه حتى لو تم شن ضربات على إيران وقُصِفت قواعدها العسكرية لمدة أسبوعين، فإن إيران لن تزول ولن تخضع قوتها، بل سيزيد الأمر من عزمها وستتمكن من الخروج أقوى من النزاع”. وفي أهم فقرة من كتابه يقول باير: “لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تنظر إلى إيران بنفس الطريقة القديمة، لذلك لا يمكن أن يستمر الجهل التام لحضارة وثقافة إيران، ولا بد من اعتبارها محاوراً أساسيًا في السياسة الدولية”.

 التصريحات الأميركية الأخيرة تجاه إيران تذكّرني بالحكمة الإيرانية المعروفة التي جاءت في بيت شعر لأحد الشاعرين الكبيرين، إما للحكيم عُمر الخيام، أو للفيلسوف سعدي الشيرازي، وطبعاً كلاهما يعتبران تاريخياً من نجوم الشعر الذين تركوا بصمات ساطعة في الأدب الفارسي. يقول النص بالفارسية (دُشمنَ دانا بُلَندَت ميكُنَد... بر زمينَت ميزَنَد نادان دوست)، وترجمته اللفظية (العدو العاقل يرفعك، والصديق الجاهل يسقطك).. بمعنى أن هناك عدواً يعرف قدرك، ويحترم مقامك فلن يبخسك، ولن ينزل من شأنك، بل إنّه سيرفعك عالياً ويقدر مقامك رغم وجود العداوة بينكما، بينما الصديق الجاهل والأحمق قد يوقعك في المتاعب، ويساهم في تحطيم مستقبلك، وتشويه سمعتك.

 وهذا المعنى نجده تحديداً في الحكمة العربية المعروفة (العدو العاقل خير من الصديق الجاهل). إنما قصدت من ذكر هذا المقطع في هذا المقام المقارنة بين الإدارة الأميركية الجاهلة – إدارة بوش- التي مارست سياسة الغطرسة مع خصومها، من دون أن تعطي تلك الممارسات أية نتيجة إيجابية، بل على العكس.. فقد جلبت الكوارث للكثير من الشعوب والهزائم لبلاده، والإدارة الجديدة التي تبدو حتى هذه اللحظة أكثر وعياً وإدراكاً بحقائق الأمور، وتتعامل مع خصومها بشيء من العقلانية من دون أن تقلل من شأنها وقدراتها، أو تستخف بثقافاتها وتاريخها. وأما ما سوف يترتب على التفاهم الإيراني الأميركي المرتقب على أزمة الشرق الأوسط، والملف النووي، والعلاقات الإيرانية الخليجية فسنتركه لحديث آخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 31/آيار/2009 - 3/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م