العواقب الكارثية لظاهرة الفساد الاداري والمالي

علي حسين عبيد / شبكة النبأ

شبكة النبأ: في الشهور والسنوات الأُوَل التي أعقبت تغيير ما بعد نيسان 2003، نزل الارهاب المسلح بكل طاقاته وإمكانياته ووسائله المتنوعة الى الارض، وبذل جهودا قلَّ نظيرها من اجل إسقاط التجربة العراقية الوليدة وإعادة الامور الى ما كانت عليه قبل التأريخ المذكور.

وقد أشَّرت الوقائع المتتابعة فشل جميع أجندات الارهاب المسلح مع فداحة ما ألحقته من خسائر وتضحيات لاسيما بين صفوف المدنيين الابرياء من العراقيين، وفي الوقت الذي قويت فيه هيكلية القوات العراقية والاجهزة المسؤولة عن مقارعة الارهاب، وبدأت بوادر السيطرة على الارض تنمو وتتصاعد بوضوح، حيث تضاءل حجم التفجيرات والمفخخات والاحزمة الناسفة والانتحاريات وما شابه، في هذا الوقت ظهر في الساحة العراقية إرهاب من نوع آخر!!!.

وهو وليد شرعي للارهاب المسلح، وقد اطلق عليه بعض القادة القادة السياسيين والمحللين والمراقبين وغيرهم تسمية (الفساد المالي والاداري) وأقرّ بعضهم بأن هذا النوع الثاني من الارهاب لايقل خطورة عن الأول ومنهم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الذي اعلن في اكثر من مناسبة بأن الفساد هو قرين الارهاب المسلح وعضيده في آن، ولعلنا لا ننسى الجملة الشهيرة التي اطلقها المالكي قبل نهاية العام الماضي حين قال بأن عام 2009 هو عام الحرب على الفساد المالي والاداري.

ولكن حتى هذه اللحظة لم يُتخذ أي إجراء قضائي او تنفيذي بحق أي من الوزراء وبعض المسؤولين الكبار الذين ثبت للداني والقاصي قصورهم في اداء واجباتهم لاسيما فيما يتعلق بالفساد، ولعل العقبة الكأداء التي تقف بوجه القضاء او الجهات التنفيذية والتشريعية في معالجة قضايا الفساد بصورة حاسمة، هي عقبة المحاصصة واحتماء المفسدين بكتلهم واحزابهم السياسية في البرلمان او المؤسسات الاخرى، ناهيك عن غياب دور المواطن ذاته بشكل كلي سواء في المراقبة والمتابعة والاعلان والاحتجاجات وما شابه.

في وقت يتساءل فيه البعض عن صمت بعض رجال الدين المسؤولين عن متابعة مثل هذه القضايا الحساسة وحث المسؤولين على متابعتها ومقارعتها في آن واحد، لدرجة يرى فيها البعض انها قد تشوّه المشروع الاسلامي، ذلك لأن مكافحة الفساد ينبع من قاعدة اصلية ومن ثوابت الدين وهي قاعدة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) مما توجب على رجال الدين أن يتدخلوا بقوة لدى الجهات ذات العلاقة واستخدام قوتهم الاعتبارية بمحاسبة آنية وقوية لكل من تثبت ادانته بالتعدي على المال العام، حيث ان ذلك التعدي هو الرافد الاكثر خطورة للارهاب وتدمير تطلعات الشعب واحلامهم بصنع حاضر وغد افضل.

ان الكثير من المفسدين اليوم في العراق قد اوغلوا في الفساد كثيرا عندما رأى هؤلاء ان لا محاسب ولا رادع ولا عقوبة لجريمة الفساد وفي الاثر: (من أمن العقوبة اساء الأدب)، ولعل التقصير في المحاسبة والمراقبة هو الذي يجعل بعض الموظفين والمسؤولين يسيئون التعامل مع مناصبهم ويستخدمون نفوذههم ليس من اجل الناس بل من اجل مصالحه الشخصية وذويه وحاشيته، ولنا في ما حدث ويحدث في بعض الوزارات والدوائر مثال صارخ على ما نقول.

في حين يشكل غياب دور المنظمات الأهلية كالعشائر وغيرها علامة استفهام حول عدم مقارعة الارهاب المالي والاداري، ويحق لنا هنا ان نتساءل أين هو دور العشائر على سبيل المثال في التدخل في مقارعة سرقة المال العام؟!! مثلما تساءلنا عن غياب دور رجل الدين المسؤول وإسهامه (بصمته) في الاساءة للمشروع الاسلامي من خلال التغاضي او الصمت عما يحدث في هذا المجال.

كذلك الحال بالنسبة لدور منظمات المجتمع المدني الذي يسجل غيابا يكاد يكون كليا في المراقبة والاعلان وما شابه، في غاب دور النخبة المثقفة في فضح هذا السلوك الشائن لنجد ان جميع من يهمه الامر من المثقفين معتزلا في برجه العالي ومراقبا لما يدور في الساحة العر اقية وكأنه في عالم او بلد آخر، يسانده غياب شعبي غريب للاحتجاج والمراقبة وما شابه لوضع حد للارهاب المالي والاداري الذي سيقود الى تقويض التجربة الجديدة لا محالة، خاصة اذا ما بقيت الجهات التي ذكرناها آنفا على صمتها وحياديتها وتعاملها مع بعضها وفقا للمصالح المتبادلة في التغاضي عن المسيئين والمتجاوزين على المال العام من قبل الطرفين إستنادا الى مبدأ (مشّيلي ومشّيلك) أي تجاوز عن خطئي وسأقوم بالمقابل بنفس الشيء.

لقد بات واضحا خطر هذا الارهاب الجديد يرافقه خطر صمت المعنيين سواء في الجهات التنفيذية او الرقابية او التشريعية او حتى الدينية التي يعوّل الشعب عليها كثيرا وهو يعيش اليوم شريعة الغاب التي تحفظ للقوي تجاوزاته وتغمط من الضعيف حقوقه.

 وتأسيسا على ما ورد في هذا الموضوع نقترح الخطوات الاجرائية التالية مشفوعة بضرورة سرعة التخطيط والتطبيق السريعين:

- أن تتحمل المرجعيات الدينية مسؤولياتها الحاسمة في تأشير مكامن الخلل بخصوص الفساد الاداري والمالي ووجوب المعاقبة الفورية لكبار المسؤولين الذين تثبت ادانتهم بهذا الصدد.

- أن يتحمل المواطن دوره في فضح المسؤولين المتجاوزين على المال العام عبر التظاهر والتصريح والاخبار وما شابه ذلك وأن لا يبقى سلبيا متكلا على الغير في مختلف شؤون حياته لاسيما ما يتعلق بالحقوق.

- أن يتحرك وجوه المجتمع من علماء ومثقفين وغيرهم بقوة وسرعة لدرء خطر الارهاب المالي والاداري.

- ان تاخذ المنظمات الاهلية كالعشائر ومنظمات المجتمع المدني دورها في مقارعة هذا النوع من الارهاب.

- أن تبادر الجهة التنفيذية المتمثلة برئاسة الوزراء بحسم بعض قضايا الفساد الواضحة للعيان حتى لو تعلق الامر بشخص الوزير الفلاني او غيره.

- أن يتعامل القضاء العراقي باستقلالية تامة مع قضايا الفساد وان يكون اسلوب الحسم العادل والسريع طرقه في معالجة مثل هذه الامور البالغة الخطورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آيار/2009 - 27/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م