الصدق.. طريق الإنسان الأقصر للنجاح

قبسات من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: إن معترك الحياة المعاصرة والتعقيدات المتصاعدة التي تلفُّ حياة الانسان، قد تستدرجه من حيث يعلم او لا يعلم الى (هاوية) الكذب، ظناً منه أنه بهذا الاسلوب يستطيع أن يصل الى أهدافه ومآربه بأقصر الطرق وأسرع الاوقات.

فترى مثل هذا الانسان يجافي الصدق في سلوكه وربما في سجيته ايضا، وغالبا ما يلجأ الى الكذب كوسيلة (أقل جهدا وأسرع زمنا) لتحقيق ما يهدف إليه من منافع غير مشروعة، لكنه سرعان ما يلمس خيباته في هذا المجال حيث يكتشف بنفسه بأن (حبل الكذب قصير) وأن (النجاة في الصدق).

ومع ذلك يحتاج هذ السلوك الى تمرين، بمعنى أن يكون الانسان صادقا في اقواله وافعاله وجميع انشطته، فمثل هذا الامر يحتاج الى تربية وتعليم ومران عملي ونظري لخلق الروح الايمانية الكفيلة بنبذ الكذب والتمسك بمبدأ الصدق كإسلوب حياة دائم لتحقيق ما يصبو إليه الانسان، لأن الكذب المضمور في القلب والكيان الذاتي للانسان لا يمكن اخفاءه مهما كان الانسان متمرنا على الاسلوب الكاذب في تمشية اموره وحياته بصورة عامة، وهنا يقول المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله في كتابه الذي يحمل عنوان (الاخلاق الاسلامية):

إن (التواء اللسان، ليس إلا أثراً من آثار القلب، كما أن استقامته من آثار استقامة القلب.

وكثير من الناس يزعم أنه يتمكن من ليّ قوله، ثم إخفائه على الناس.. لكن لو انطلى ذلك مرة ومرة.. لا ينطلي مرات ومرات..

فالكذوب لا يزال يكذب، حتى تبدو عورته بين الناس، فلا يُصَدَّق في حديث، ولا يقبل له خبر.

وليس الصدق والكذب يدوران مدار اللسان.. إن مدارهما الأفئدة، فإذا صدقت، صدق اللسان، واليد، والرجل.. وإذا كذبت كذبت كلها، إن أثم القلب الذي التاث بالانحراف يكذب، ويرائي ويحب أن يحمد بما لم يفعل، ويخلف الوعد، ويخون، و. و. وأخيراً الكذب والاجتماع طرفا نقيض).

ولعل القاعدة الاساسية التي يستند فوقها ويرتكز اليها الصدق كسلوك عملي ونظري في حياة الانسان هي الايمان، حيث يتحقق للانسان مستوى روحي كبير يتحقق من خلاله تقارب بل تلاصق بين الايمان والصدق، لدرجة انهما يصبحان كلا واحدا لاانفصام بينهما، فالانسان الذي يتحصل على ايمان حقيقي وعميق سيتحصل بالضرورة على مبدأ الصدق الذي يمارسه في حياته سواء في أقوله او منظومته السلوكية العامة، وعكس ذلك سيخفق الانسان مهما كانت قدراته ومواهبه في الاحتيال او غيره، وسيكون معروفا للجميع ومحط حذر الجميع ايضا بسبب انتهاجه للكذب وفقدانه لسمة الايمان، وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي – الاخلاق الاسلامية- حول هذه النقطة:

(قال الباقر (عليه السلام): (إن الكذب هو خراب الإيمان)(1).

الإيمان يأمر بالصدق، فالكذب خرابه، بلا مراء..

والكذاب تعاكس الأقدار بغيته، إنه يكذب ليكسب عزاً أو مالاً أو.. لكنه لا يلبث حتى يعرف عند الناس بالكذب، فلا يصدق له قول، ولا يوقر له حديث، بل انه يخسر فوق ذلك أحاديثه الصادقة، ووعوده التي ينوي الوفاء بها..

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب، فإنه يكذب، حتى يجيء بالصدق، فلا يصدق)(2) ان ما ظهر من كذبه مانع عن تصديق ما يأتي به من الصدق فلا ينتفع بمثل هذا الصديق: إن كذبه كذب، وصدقه مشكوك، فلا حديثه ينفع، ولا كلامه يسمع..).

ولعل المشكلة الاساسية التي يواجهها الكذابون هي نسيانهم لما يقولون، فالنسيان هو المحارب العتيد لهذا النوع من الناسن حيث يقولون اليوم كلاما ينسونه في الغد وربما يحدث في اقل من يوم فينسى الكاذب ما قاله قبل ساعة مثلا ليفتضح أمره امام الملأ وتنكشف أساريره التي يضمر في الحقيقة التي يحاول ان يخفيها عن الآخرين لغرض ما او منفعة غير مشروعة.

ويرد في كتاب الامام الشيرازي حول هذه النقطة بالذات مايلي:

(والظريف ان الكذاب قليل الذاكرة، وهو طبيعي فإن العمل يبقى في الحافظة، أما نسج اللسان فيتلاشى في الهواء، فهو ينسى ما قال حتى يفتضح إذا استفسر.

قال الصادق (عليه السلام): (إن مما أعان الله على الكذابين، النسيان)(3).

إنه يعين على فضيحتم! وبذلك يذهب رونقه، ولا يعتمد عليه يروي الصادق (عليه السلام) ـ عن عيسى بن مريم (عليهما السلام) ـ قال: (من كثر كذبه ذهب بهاؤه)(4).

وقد يستصغر الناس هذا الكذب، لــكنه كذب على أي حال، وهو يسقط المروءة ويهين الرجل، ولذلك يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يجد عبد طعم الإيمان، حتى يترك الكذب، هزله وجده)(5)

ولعل للكذب انواع متعددة، فمنها ماهو حقيقي نابع من الذات المطبوعة بالكذب اصلا، وهناك نوع من الكذب غير المقصود الذي ينطق به الانسان حين (يفقد زمام السيطرة على لسانه فيكذب كذبة ثم يندم عليها، انه ليس بكذاب ولا يترتب على فعله هذا ما يترتب على فعلة الكذاب) كما يقول الامام الشيرازي.

ونقرأ ايضا في الكتاب نفسه:

(ومن الكذب: الرياء، فيعمل الرجل عملاً يريد به وجه الناس ورضاهم ـ لغاية أو لغير غاية ـ وهو يرى أنه أراد وجه الله.!

لكن الله لا ينطلي عليه، فهو الخبير بالسرائر.. انه يخسر بذلك ود الناس، ورضا الله فالله يعلم سريرته، فلا يثيبه، ويظهر الناس قصده، فيسقط من أعينهم).

ولعل من اسوأ انواع الكذب هو الرياء الذي يحاول فيه الانسان أن يخدع الناس بشكل سافر ومفضوح ظانا انه ينجح في هدفه هذا، ولعل الرياء من اخطر الامراض الاجتماعية التي ينبغي انا تُعالج بانتهاج مبدأ الصدق النابع من الايمان والداعم له في آن واحد كونه الطريق الاقرب والاقصر للنجاح من غيره.

..............................................................................

1 ـ الكافي: ج2، ص339.

2 ـ الكافي: ج2، ص341.

3 ـ الكافي: ج2، ص341.

4 ـ الكافي: ج2، ص341.

5 ـ الكافي: ج2، ص340.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 24/آيار/2009 - 26/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م