الخليج... بين أزمة الهوية وأزمة الديمقراطية

مرتضى بدر

للهوية تعاريف عديدة، إلا أن أبرز تعريف شامل جاء على لسان المفكر السوري الدكتور علي أسعد وطفة، والذي عرّفها “ بالكيان الذي يجمع بين انتماءات متكاملة.

وهوية المجتمع تمنح أفراده مشاعر الأمن والاستقرار في الوقت الذي يكون فيه المجتمع متعدداً بانتماءات وفئات وجماعات عرقية أو دينية أو سياسية أو اجتماعية”. من هذا التعريف ندخل في صلب موضوع أزمة الهوية التي أفاقت مؤخراً بعض المسئولين في منطقة الخليج، فأخذوا يقرعون أجراس الخطر، محذرين من ذوبان الهوية الخليجية.

 فقد أقام (معهد التنمية السياسية) مؤتمره الأول منذ تأسيسه في منتصف الشهر الماضي، وكان عنوان المؤتمر “الهوية في الخليج العربي- التنوع ووحدة الانتماء”. في الوقت الذي نقدر فيه جهود المسئولين في المعهد لنشر ثقافة الديمقراطية في البحرين، نعاتبهم لعدم إقدامهم على عقد مؤتمر خاص حول تعزيز الديمقراطية في دول مجلس التعاون الخليجي. إن تفضيل مناقشة الهوية والانتماء على الديمقراطية يدل على وجود أزمة حقيقية في هوية الكيان الخليجي.

قُدِّمت في المؤتمر أوراق قيمة، و طُرِحت أفكار مثيرة، ومعلومات مهمة، إلا أن بنود البيان الختامي الذي صدر من المؤتمر، والتوصيات التي رُفِعت خلت تماماً من الدعوة إلى تعزيز الديمقراطية، كما لم نجد فيها مناشدةً لحكومات المنطقة بالتمسك بالخيار الديمقراطي الحقيقي كما هي العادة في البيانات الختامية للمؤتمرات الإقليمية والدولية التي تناقش هكذا مواضيع.

كان خطاب البيان الختامي وكذلك التوصيات موجهةً تحديداً إلى الجمهور الخليجي ومؤسسات المجتمع المدني دون الحكومات، وكأنّ الحكومات لا تعنيها الأزمات التي تعانيها دول وشعوب المنطقة. ربما يُقال إن المؤتمر قد خُصص لإثارة مشكلة الهوية والانتماء وليس الديمقراطية، لكننا نتساءل: هل يمكن الفصل بين الهوية والمواطنة وبين الديمقراطية؟ أزمتنا في الخليج تنحصر بالدرجة الأولى في أزمة الديمقراطية، وأما الأزمات الأخرى فهي تليها بحسب الأهمية.

 كان الأجدر على الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية الإقرار بوجود أزمة الديمقراطية في المنطقة، بدل الغوص في بحر الولاءات، فقد قال في كلمته الافتتاحية للمؤتمر: “إن دول الخليج تعاني من ولاءات فرعية تتقدم الولاء الوطني الجامع !؟ إننا نقدرّ للعطية إشارته إلى الإصلاحات السياسية في دول المجلس، والذي مرّ عليها مرور الكرام دون الخوض في تفاصيل تلك الإصلاحات، فقد اكتفى بالإشارة إلى “أن دول مجلس التعاون عملت على صوغ رؤية واضحة بشأن الإصلاح السياسي ومأسسة قنوات المشاركة السياسية وتطويرها، آخذة في الاعتبار المواءمة بين وتيرة الإصلاح من جهة والاستقرار السياسي والاجتماعي من جهة أخرى”. لكننا كمواطنين خليجيين من حقنا أن نسأل سعادة الأمين العام الأسئلة التالية: متى تتحول تلك الصياغات الإنشائية إلى واقع عملي؟ متى تتحول مجتمعاتنا التي تحكمها العقلية القبيلة إلى مجتمعات تسودها المواطنة الكاملة، والمشاركة الفاعلة في صنع القرار؟

 إننا لم نجد أجوبة لاستفساراتنا على لسان الأمين العام، ولكننا وجدناها على لسان أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة قطر السيدة كلثم الغانم حين قالت: إن “هناك بوادر على تحول ولاء الأفراد من القبيلة إلى الوطن، بما يضمه من تنوع عرقي وثقافي واجتماعي وحتى مذهبي وطائفي”، ولكن السيدة الغانم تعتقد أن “قيام الديمقراطية وظهور المواطنة ومؤسسات المجتمع المدني، نهاية المطاف للتحول من مجتمع القبيلة إلى المجتمع المدني”. في مقابلة مع صحيفة (الوسط) بتاريخ 19/4/2009 صرّح أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية الدكتور خالد الدخيل قائلاً: “يجب استبعاد الطائفية والقبلية من السياسة لتستقر الديمقراطية الخليجية”.

وبالعودة إلى موضوع الهوية والانتماء نقول: إن أزمة الهوية أصبحت ظاهرة عالمية، وقد مرّت على الكثير من الشعوب مثل هذه الأزمة، وهي ليست ظاهرة جديدة، إلا أن العولمة جاءت لتؤكد مقولة (لا وجود لهوية ثابتة في العالم)، لكن المجتمعات الحية تقاوم بأسلوب حضاري للحفاظ على هوياتها، وعدم الذوبان في العولمة الثقافية والاجتماعية قدر ما تستطيع من دون أن تفتح بابًا للعصبية القومية والطائفية والعرقية، أو انتهاك حقوق الأقليات، والاستخفاف بثقافاتها. ولدينا في التجربة الماليزية والسنغافورية خير مثال.. تلك التجربتين الرائدتين استطاعتا صهر جميع مكونات المجتمع في هوية وطنية واحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 13/آيار/2009 - 16/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م