الإجابة على السؤال التقليدي.. المصالحة مع من؟

مازن الياسري

مرت ما يناهز الثلاث أعوام على انطلاق مشروع المصالحة الوطنية في العراق، ثلاثة سنوات حبلى بالأحداث والمتغيرات وخاصة في الملف المعني (ملف المصالحة الوطنية) ومن أهم النقاط التي عاصرها هذا الملف في عمره القصير بالسنين والغزير بالأحداث هووجود سؤال تقليدي لم يظهر له جواب شافي وهو(المصالحة مع من؟) وبلا شك ما انفك اغلب المهتمين والسياسيين أن أعاد طرح هذا السؤال مع كل متغير جديد على صعيد المصالحة.. كما لم يبان أي إجابة شافية وافية لهذا السؤال.

انا شخصياً واحسب نفسي من المهتمين في الملف والمتابعين له بدقة لتعلقه بالكثير من مدخلات ومخرجات العملية السياسية العراقية.. كنت قد وضعت كتاباً واحد وعدة دراسات ومقالات حول المصالحة الوطنية العراقية لكني لم اهتدي بدقة لجواب للسؤال التقليدي (المصالحة مع من؟) ولكني احسب اليوم وبثقة إنني وجدت الجواب الشافي لهذا السؤال الذي ارتبط بملف المصالحة العراقية طيلة الأعوام الماضية؟

بلا شك ان حداثة المفهوم (مفهوم المصالحة الوطنية) على المستوى الدولي عموماً والعراقي خصوصاً، مع ضبابية كبيرة حول حيثياته والنقاط المحاطة به، والفلك الذي قد يدور حوله.. ساهمت في ولادته في العراق بصورة غير صحية بل لنقل عليلة.. بعبارة ابسط كثيرون من وجدوا أنفسهم مطالبون بإعطاء الرأي حول موضوع لم يفهموه بالشكل الكامل او لم يعرفوا ما الضرورة منه، لهذا كنا نسمع العبارات الرنانة التي تقول ما لمصالحة وهل نحن مختلفون وما الى ذلك من عبارات لا ترتبط بثقافة ومفهوم المصالحة.. لان المصالحة ليست التصالح بين متخاصمين كما يعتقد البعض انها مفهوم آخر.. ولا داعي للخوض في تفاصيل المفهوم التي سيتكفل المستقبل في إيضاحها مع نمو الواقع السياسي السليم في العراق.. المهم لدينا المصالحة موجهة لمن وستكون مع من.. اوكما يقول السؤال التقليدي المصالحة مع من؟..

الأشهر الأخيرة التي حملت في طياتها نضوجاً في العملية السياسية والأمنية.. وتطور وانفتاح عراقي نحو المحيط الإقليمي والدولي.. فتحت الباب على مصراعيه حول ملف المصالحة الوطنية، كما ان سياسة البيت الأبيض الجديدة المتمثلة بالرئيس باراك اوباما تجاه العراق تتطلب تحقيق المصالحة الوطنية بغية إنهاء الوجود العسكري الأمريكي وبالتالي نحو أن يبر اوباما بوعوده بأجراء الانسحاب المنظم لجنده من العراق.

كل هذه المتغيرات في الواقع السياسي العراقي.. حركت البوصلة الحكومية العراقية تجاه المصالحة الوطنية.. وجرى منذ كانون الثاني / يناير الماضي تطور كمي ونوعي هام في ملف المصالحة مع اعلان المالكي عن تشكيله لجنة مقننة رسمية للمصالحة الوطنية تظم مؤسسات المصالحة الرسمية العاملة في البلاد ومجموعة من ممثلي المكونات السياسية والفئوية العراقية.. ومع مطلع شهر اذار / مارس الماضي.. عبر المالكي واقطاب حكوميين آخرون عن الرغبة بإنهاء الخصومات السياسية والوصول لمصالحة وطنية كاملة تهيئ الواقع العراقي للعودة متعافياً وطبيعياً..

وبالتأكيد كان اول تحديات هذه الأطروحات السؤال التقليدي موضوع الدراسة (المصالحة مع من؟).. واعتقد ان الجدل الواسع والمتشعب الذي حملته التصريحات والمواقف الرسمية وغير الرسمية، أوضح وأجاب عن السؤال التقليدي.. وخاصة من خلال النقاشات والآراء التي قدمت عبرها قيادات عراقية مختلفة موقفها من الملف..

وبقراءة طويلة للمواقف والآراء المختلفة وتحليل دقيق لما بين سطورها، يبدوان الإجابة على سؤال المصالحة مع من؟ هي كالأتي : الحكومة العراقية وفق برنامجها للمصالحة الوطنية منفتحة على الجميع إلا حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في المرحلة الماضية (1968 – 2003) ولا يستثنى من الحزب إلا الأشخاص الذين ثبت عدم تورطهم بجرائم في عهد صدام اوفي المرحلة اللاحقة.

ولنناقش هذه النتيجة بدقة أكثر..

هنالك شبه إجماع سياسي عراقي على عدم إعادة حزب البعث للعمل في العراق.. واستشهد في هذا الصدد من خلال معلومات لجنة التعديلات الدستورية التي لم يقدم لها أي طلب من أي كتلة سياسية او شخصية برلمانية عراقية، لتعديل المادة السابعة من الدستور العراقي الناصة بحضر حزب البعث العربي الاشتراكي عن العمل في العراق.. بالتالي فالحديث عن عودة البعث قد يستخدم في المزايدات والدعايات الانتخابية.. ولكن الدلائل تشير إلى انه لم يستخدم رسمياً..

من جانب آخر عبرت جميع المكونات السياسية عن ترحيبها بالحوار مع أشخاص البعث من غير المتورطين بجرائم.. إلا إن الوقائع تشير إلى ضعف بالاجرائات.. كما ان حزب البعث اليوم والذي يرأسه كما تشير تصريحاته وبياناته عبر الانترنيت، نائب الرئيس السابق (عزة ابراهيم) وقد عبرت رسائلهم وبياناتهم عن عداء واضح للعملية السياسية الجارية في العراق ورفض مطلق لها، وعن تحالف مباشر او غير مباشر مع تنظيم القاعدة الارهابي على الارض العراقية.. وهذه النقاط بالمجمل تعطي إيضاحاً لا يقبل الشك ان الحوار والانفتاح مع حزب البعث هو خط احمر بالنسبة للحكومة العراقية.. وهذا ما جرى تأكيده من خلال مجمل المواقف والتصريحات في المرحلة السابقة.. بالتالي فالحديث عن الإطار الواسع للمصالحة اصبح سلساً.. فالمصالحة منفتحة على الجميع، باستثاء حزب البعث كحزب واما الأشخاص فالاستثناء يمس المتورطين بالدماء فقط.

لكن لابد من الاشارة الى ان الموقف الحكومي الرسمي من مرحلة الماضي (العراق في عهد صدام) لا زال ملفا ملتبسا ولازال موضعا للمزايدات والدعايات الانتخابية.. فالحكومة العراقية تعلن مراراً انها ساعية للاقتصاص والتعويض لضحايا النظام السابق.. في حين ان هذا الملف لا يزال قاصراً مع الأخذ بوجهة النظر التي تقول ان الحكومة متهمة احياناً باستغلال هذه الدعايات لصالح شخوصها وذويهم.. وعلى صعيد اخر تجد جهات سياسية اخرى تعلن عن ضرورة الاعتناء بالبعثيين السابقين وضباط الجيش السابق كونهم من ضحايا النظام السابق ايضاً.. وكما هو الحال من مطالبات الحكومة، فمطالبات معارضيها كذلك لا تجتاز حاجز الشعار نحو التطبيق.. بالمختصر فهذا الملف هو صيد للمزايدات.

لكن ما يهمنا حتماً هو حسم السؤال التقليدي وتوضح الرؤى حول مفهوم المصالحة الوطنية العراقية.

www.alyasery.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آيار/2009 - 15/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م