الصحوات في العراق: ولاءات متغيرة واختراقات بعثية

البدء بتحويل 80% من عناصر الصحوات لوظائف حكومية

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: يقول زعماء لمجالس الصحوة العربية السنّية المتحالفة مع الولايات المتحدة بالعراق والتي ساعدت في طرد تنظيم القاعدة من أغلب مناطق البلاد ان بعض أفرادها يهجرون مواقعهم بسبب التأخير في دفع الرواتب وسلسلة من الاعتقالات والمداهمات الحكومية التي استهدفتهم.

ورغم أن رجال الميليشا وأغلبهم مسلحون سابقون مناهضون للحكومة بدلوا ولاءاتهم ولا يعودون للانضمام الى المسلحين بشكل جماعي إلا أن زعماءهم يخشون من أن البعض سيرى ذلك قريبا على أنه الخيار الأفضل أمامه.

ويقول مسؤولون عسكريون أمريكيون ان التأخير في دفع الرواتب مؤقت وان العراق يُدرك أن البرنامج أهم من أن يسمح له بالفشل.

ويدير أفرادها البالغ عددهم نحو 100 ألف حارس نقاط تفتيش ويداهمون مخابيء للمسلحين وكانت القوات الأمريكية تدفع أجورهم الى أن تولت الحكومة العراقية السيطرة عليها في الشهور الأخيرة. ومنذ ذلك الحين تناقصت أجورهم عما كانت عليه وجرى اعتقال عدد منهم.

ولم تتوفر أرقام دقيقة لتوضيح عدد الذين تركوا مواقعهم لكن عددا من القادة العسكريين قالوا ان هناك حالات هجر للمواقع.

وكثير من هؤلاء ينظر للحكومة العراقية التي يقودها الشيعة بارتياب وتعتبر الكيفية التي تتعامل بها الحكومة معهم اختبارا هاما للعراق فيما يسعى للمصالحة بعد سنوات من الصراع الطائفي.

وتعد الحكومة بدمج 20 بالمئة منهم في قوات الامن وتوفير وظائف مدنية للباقين. ولم يحدث شيء يذكر من ذلك.

وقال شجاع الأعظمي قائد وحدة من مجالس الصحوة في حي الغزالية بغرب بغداد ان القوات الامريكية كانت دائما تدفع الرواتب في الوقت المحدد لكن الحكومة تؤخر دفعها شهورا. بحسب رويترز.

وأضاف أنه يقود 170 من مقاتلي الصحوة وان 40 هجروا مواقعهم بالفعل للعمل في قيادة السيارات الأجرة أو بيع البقالة أو في المعمار لتوفير الطعام لأطفالهم لأنه لا يمكنهم تحمل تأخر الحكومة في دفع الرواتب.

وقال حسن الجبوري قائد وحدة من مجالس الصحوة في شمال كركوك ان ربع مقاتليه الذين كان يبلغ عددهم 500 تركوا مواقعهم بالفعل.

وقال الكولونيل جيفري كولماير المسؤول الكبير بالجيش الامريكي المختص بعملية المصالحة ان تأخر دفع الرواتب خلل مرتبط بتسليم السيطرة الى الحكومة العراقية وسيتم اصلاحه.

واضاف "تعمل الحكومة بجدية شديدة على مكافحة البيروقراطية وتسبب ذلك في أن يكون دفع الرواتب خارج جدول الاعمال."نتلقى تقارير تفيد بأن أعدادا قليلة عند بعض نقاط التفتيش تركت مواقعها... لكن بمجرد ان تحدد الحكومة يوم دفع الرواتب .. سيعود الناس."

وفي حي الأعظمية ببغداد يجلس أبو عمر زعيم احدى وحدات مجالس الصحوة على مكتب يعلوه التراب كان يجلس عليه في السابق شقيقه الزعيم السابق للوحدة حتى مقتله أثناء العمل في يوليو تموز الماضي.

دور جديد

وكتبت ليز سلاي، مقالاً في صحيفة لوس انجليس تايمز جاء فيه: يدور الحوار في مزرعة زعيم صحوة الانبار احمد أبو ريشة، التي هي بيت له، ليس حول محاربة القاعدة في بلاد الرافدين هذه الايام، بل حول مسائل عملية تتصل بشؤون الحكم والميزانية يقول أبو ريشة الذي يقود وحدات الصحوة منذ اغتيال اخيه عام 2007: الصحوة الآن كيان سياسي واقتصادي ولذا، اصبحت استراتيجيتنا الآن مالية واقتصادية.

بالطبع، ربما يشعر المنتسبون للصحوة التي يسميها العسكريون الامريكيون «ابناء العراق» بالامتعاض لأن الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة قد وضعتهم على الهامش، لكن هؤلاء العرب السنة الذين انتظموا في وحدات الصحوة المسلحة، وحولوا بنادقهم ضد رفاقهم السنّة المقاتلين في القاعدة اصبحوا هم من يحكم محافظة الانبار الآن.

فقد احتلت قائمة مرشحي الصحوة المركز الاول في الانتخابات البلدية التي جرت في يناير مما منحها حق تعيين المحافظ وتشكيل ادارة الحكم المحلي.

لذا يكمن التحدي امام الصحوة مع استعداد المجلس المحلي الجديد لبدء العمل الآن في اظهار كفاءتها في ادارة شؤون المحافظة مثلما اظهرت قدرتها على سحق القاعدة في العراق.

ويبدو ان هناك املا كبيرا بالفعل بحدوث تحول حقيقي في حركة الصحوة التي كانت قد بدأت عام 2006 كانتفاضة عشائرية ضد مسلحي القاعدة الذين عملوا لفرض تفسير متشدد للشريعة الاسلامية على محافظة الانبار الواقعة في الجزء الغربي من العراق.

جدير بالذكر ان التحول السياسي في هذه المنطقة لم ينطلق بشكل يبشر بالنجاح أو يبعث على التفاؤل. فقد حفلت فترة الانتخابات باتهامات صادرة عن مختلف الاطراف تشير الى عمليات تزوير في عدد الاصوات، كما هدد أبو ريشة بان الصحوة سوف تلجأ للعنف اذا لم تكن من الفائزين، وكانت من بينهم بالفعل، واصبحت بعد ذلك اكثر ليونة بالمقاييس العراقية.

لجأ أبو ريشة عقب الانتخابات لاختيار رجل اعمال يرتدي بدلة وربطة عنق، كان قد امضى معظم سنوات الحرب في الخارج يدير شركة للانشاءات في الامارات العربية، حاكما لادارة المحافظة.

وكان لا بد لهذا الاختيار ان يثير الاحتجاج على ما يبدو. لكن في جلسة تضمنت تناول عدد من كؤوس الشاي الاسود اللون مع وعود سياسية جذابة ببداية جديدة في المحافظة، تمكن أبو ريشة من التغلب على احتجاجات تعيين رجل كان في الخارج خلال صراع الانبار الدامي مع رجال القاعدة.

فبعد جلسات حادة المناقشات انتخب المجلس المحلي قاسم محمد عايد الحامدي محافظا خلال عملية تصويت كانت نتيجتها 24 صوتا لصالحه مقابل 6 اصوات ضده. وهكذا تمكن الحامدي من تشكيل تآلف للادارة ضم كل الاحزاب الاخرى في المجلس باستثناء الحزب الاسلامي العراقي وهو حزب سني كان قد قاد الادارة السابقة.

والحقيقة ان الحامدي الذي يتحدث الانجليزية بدا وهو يرتدي بدلته الرمادية اللون متنافرا من ناحية الشكل مع ما يحيط به من رجال العشائر الذين يرتدون العباءات والكوفيات الحمراء اللون. لكن السكان المحليين يقولون انه الشخص الذي تحتاجه المحافظة وهي تخرج الآن من بين حطام الحرب، فهو رجل ذو خبرة بالعالم الخارجي يستطيع ان يدير شؤون الحكم ويجذب الاستثمار الاجنبي الذي تحتاجه المحافظة.

بيد ان المهمة لن تكون سهلة امام الحامدي فشوارع مدينة الرمادي لا تزال تحمل آثار المعارك العنيفة التي دارت فيها بين مشاة البحرية الامريكية والمتمردين، ولا تزال جدران المنازل مليئة بآثار الرصاص والقذائف الصاروخية. وهذا عدا عن انقطاع الكهرباء التي لا تتمتع بها المدينة سوى ساعات قليلة في اليوم. وينطبق هذا ايضا على المياه التي لا تبدو صالحة للشرب.

قائد صحوة مُعتقل يؤكد توقيعه وثيقة تمنع عنه الملاحقة القضائية

وفي سياق متصل قال قائد احد مجالس الصحوات شمال بغداد، معتقل منذ فترة بأوامر محكمة عراقية، انه وقّعَ لدى انقلابه على تنظيم القاعدة في ايار/مايو 2008 "معاهدة" مع الاميركيين تمنع عنه الملاحقة القانونية.

واوضح ملا ناظم الجبوري قائد صحوة الضلوعية (70 كلم شمال بغداد) لوكالة فرانس برس"وقعنا اتفاقا مع القوات الاميركية على وقف النار، كما وقعنا معاهدة يحصل بموجبها كل من وقعها على ضمانة ان لا يلاحق قضائيا من قبلهم حتى لو قتل نصف الجيش الاميركي او اسقط طائرة".

وكان الجبوري يرد على سؤال حول علاقة محتملة بين اعتقاله واسقاط مروحية اميركية قبل عامين. واضاف بينما كان في الباحة الخارجية لمقر فوج العدالة في بلد (70 كلم شمال بغداد) والتابع لمغاوير الداخلية "انها قضية افرازات بسبب انتمائي للفصائل المسلحة، ولا بد ان نتحمل هذا الشيء ويتم رفع شكاوى ضدنا لاننا كنا في مجموعات مسلحة، بتهم باطلة كالقتل والخطف". وتابع "هناك قضاء نزيه في العراق واطلب من القضاء ان لا يظلمني".

المالكي: سنصدر أمراً بالإفراج عن قائد صحوة الضلوعية

وفي وقت لاحق أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لـ بي بي سي، أنه سيأمر بالإفراج عن قائد مجلس صحوة الضلوعية، ناظم الجبوري، الذي اعتُقل في عملية مشتركة للقوات العراقية والجيش الأمريكي بدعوى وجود أوامر بالقبض عليه.

ففي مقابلة خاصة مع بي بي سي أجرتها الزميلة رانيا العطار، أعرب المالكي عن اعتقاده بأن أوامر إلقاء القبض على الجبوري الموجودة بحوزة الشرطة صدرت في الوقت الذي كان فيه الأخير "ناشطا في صفوف تنظيم القاعدة".

وقال المالكي: "لقد كان هذا الرجل في صفوف القاعدة ودخل العملية السياسية، ويبدو أن الإجراء (أي الاعتقال) قد اتُّخذ الآن بناء على مذكرة قبض قديمة."

كما نفى المالكي أن يكون التدهور الأمني الذي شهده العراق مؤخراً ناجما عن حملة الاعتقالات فى صفوف قوات الصحوة، مشيرا إلى أن الاعتقالات تشمل المجرمين ومن وصفهم بالمندسين فى صفوف الصحوات.

لكن عملية الاعتقال جددت مخاوف قديمة في صفوف عناصر الصحوات من احتمال وجود مخطط للاستغناء عنهم وتصفيتهم على خلفية سياسية.

وقد اعترف مسؤولون أمريكيون بمقتل 120 عنصرا من الصحوات في العراق منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووقع آخر استهداف لعناصر الصحوات حين فتح مسلحون النار على وحدة حراسة جنوبي بغداد، فأصابوا عنصرا منها بجروح.

وقد لعبت الصحوات، وهي تتكون بغالبيتها من عناصر سنة يشكلون وحدات حراسة تشمل مسلحين سابقين غيروا مواقعهم آواخر عام 2006 وقرروا محاربة القاعدة، دورا هاما في تراجع حدة العنف في البلاد في السنوات الأخيرة.

ويُنظر إلى الجبوري على أنه من الحلفاء الرئيسيين للأمريكيين في حربهم على القاعدة في محافظة صلاح الدين التي تقع ضمنها مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين.

من جانبه، قال أحمد كريم، نائب محافظ صلاح الدين، إن الجبوري متهم بارتكاب عمليات قتل وقعت معظمها في بلدة الدُجيل ذات الغالبية الشيعية في ذروة الصراع الطائفي الذي شهدته البلاد في عامي 2006 و2007. وقال كريم: "لقد وجه أشخاص من الدجيل تهما ضد الملا ناظم بالتورط بمقتل أقارب لهم."

نائب الرئيس العراقي: ميليشيات مدعومة من الاميركيين تخطط لاعتداءات

من جهة اخرى حذر نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي ان بعض المتمردين العراقيين السابقين الذين جندتهم القوات الاميركية لمحاربة القاعدة يخططون سرا لشن هجمات ارهابية في البلاد.

واتت تصريحات عبد المهدي وسط توتر العلاقات بين حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي وقوات الصحوة التي غيرت معسكرها لتقاتل القاعدة الى جانب الاميركيين.

وحاليا تمول الحكومة العراقية عناصر الصحوة، فيما دمج الالاف منهم في قوات الامن العراقية، غير ان بعضهم تواجه مؤخرا مع قوات الحكومة نتيجة سلسلة توقيفات طاولت بعض قادتهم.

وقال عبد المهدي "انها حركة سمحت لنا بمطاردة القاعدة الى خارج الانبار، لذا تلقت دعم الحكومة والشعب العراقيين. فمن دون قوات الصحوة لكان من الصعب جدا التخلص من القاعدة". بحسب فرانس برس.

واضاف "وافقنا على دمج عشرات الالاف من عناصر الصحوة الى القوات المسلحة لكن بعض الجماعات رفعوا لواء الصحوة في بغداد وغيرها، وحتى بعض الجماعات الارهابية".

وحذر في كلمته بالفرنسية "احيانا نعجز عن التمييز .. بين قوات الصحوة الاصليين ومن يدعون ذلك. بعض هؤلاء يدعون انهم من قوات الصحوة وينتظرون الوقت المناسب لتوجيه ضربتهم".

"لذلك جرت توقيفات، عندما اكتشفنا علاقاتهم مع مجموعات ارهابية اخرى"، وشدد على ان "قوات الصحوة الاصلية حركة حقيقية ساعدتنا على اعادة النظام الى البلاد".

البدء بتحول 80 بالمئة من عناصر الصحوات لوظائف حكومية

وفي إطار الدعم الموعود من قبل الحكومة لأفراد مجالس الصحوات، اعلنت الحكومة العراقية البدء بتحويل 80 بالمئة من عناصر الصحوات التي تقاتل تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة لوظائف مدنية.

واوضح الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ في بيان "تقرر تحويل 80% من أفراد الصحوات للوظائف المدنية في وزارات ومؤسسات الدولة العراقية فيما يتم تحويل 20% منهم للقوات الأمنية حسب السياق المعمول به وسيتم تحويل تخصيصاتهم المالية لجهات التعاقد". بحسب فرانس برس.

واضاف ان "الحكومة ملتزمة بدفع رواتب جميع افراد الصحوات في مواعيدها المقررة حسب جداول ومواعيد متفق عليها من خلال جهات الصرف المحددة".

وكان الجيش الاميركي والسلطات العراقية اعلنت في الثاني من الشهر الجاري انتقال مسؤولية قوات الصحوة البالغ عدد عناصرها حوالى 94 الفا والتي ساهمت في استقرار اوضاع العراق، الى السلطات العراقية بشكل كامل.

وشكلت قوات الصحوة للمرة الاولى في ايلول/سبتمبر 2006 في محافظة الانبار حيث استطاعت خلال اشهر قليلة طرد القاعدة والجماعات المتطرفة التي تدور في فلكها، الامر الذي شجع الجيش الاميركي على تطبيق هذه التجربة في محافظات اخرى خلال العام 2007.

وقد اعلنت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي انها ستضم 20% بالمئة من قوات الصحوة الى قوات الامن فيما سيتم ايجاد وظائف مدنية للاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آيار/2009 - 14/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م