الإدارة بين قوة المسؤول وضعفه

قبسات من فكر الامام الشيرازي (قده)

 

شبكة النبأ: للإدارة دور كبير ومهم في حياة الانسان العملية وتنظيمها بما يحقق له نجاحات متواصلة في مضامير العمل المتنوعة التي ينشط فيها، ولا يقتصر حسن الادارة في جانب عملي دون غيره، فكما للمؤسسات الصغيرة طاقمها الاداري فإن المؤسسات الكبيرة تتطلب الشيء ذاته، ولعل القول بأن نجاح أصغر المشاريع وأكبرها يتوقف على طريقة إدارته هو قول صحيح ولهذا السبب أعطيَ الجانب الاداري مساحة واسعة من الاهتمام من لدن القائمين على المشاريع بمختلف انواعها.

ويؤكد المختصون بأن شخصية القائد الاداري هي التي تقف وراء نجاح المشاريع أو اخفاقها، ولعل التوازن في ادارة الامور المختلفة هو العنصر العملي الاساس في النجاح الاداري، ولو أخذنا على سبيل المثال أصغر مؤسسة او مشروع وتفحصنا شخصية مسؤوله او قائده الاداري سنصل من خلالها الى بوادر نجاح او فشل هذه المؤسسة، وقديما قيل (إن الفرس بفارسها) بمعنى ان المواصفات العالية التي تتمتع بها الخيول لاتظهر الى العيان إلاّ بمهارة الخيال الذي يقودها.

ولعل المهارة هنا تتوزع بين القوة والضعف في طريقة ادارة المسؤول الاداري لمشروعه او مؤسسته، وفي هذا الجانب يرى الامام الشيرازي في كتابه (الفقة: الإدارة  ج2) أهمية عدم إظهار الضعف، ولا القوة، حيث جاء في هذا الكتاب:

(من الأمور المهمة في حسن الإدارة (عدم إظهار الضعف، ولا القوة) وهذا باب طويل نكتفي منه بمثالين: مثلاً، رئيس الحكومة بالنسبة إلى قواه العسكرية.

إن أظهر الضعف كان خليقاً بانقضاض الأصدقاء، وتجري الأعداء، وإن أظهر القوة، كان خليقاً بإثارة الأصدقاء حسداً، وتحفيز الأعداء إلى الاِستعداد أكثر فأكثر.

ثم إن وقعت محاربة، فمظهر القوة.. إن انتصر لم يكن لانتصاره حلاوة، لأنه كان منتظراً منه، وإن فشل، كان مثار سباب وتحقير: يقولون له لم أظهرت كذباً، وخدعت الناس؟ ومُظهر الضعف، إن انتصر كان في الأنظار كالكاذب، وإن فشل أخذ بأنه لم حارب مع علمه بضعفه؟ ولمَ لم يهيء ما يكفي لصد عدوه؟).

ولعل هذا القول ينطبق على مؤسسات تحتاج الى الادارة الناجحة، ومنها المدارس على سبيل المثال، وحول ذلك يقول الامام الشيرازي:

(مثلاً: مدير المدرسة، إن أظهر الضعف في إدارته، سحب الآباء أبناءهم عن المدرسة مما يورث الفشل، وإن أظهر القوة، كان مثاراً للتوقع المتزايد، حتى أنه كيفما ربى التلاميذ، كان دون مقدار توقع الناس.

فالإنسان يجب عليه أن يحكم أموره إلى أبعد حد، ولكن ليسكت عن ذلك، ولذا ورد في المثل "إذا قدرت أن تكون أحكم الناس، فكن، ولكن لا تقل للناس ذلك" ).

إن عدم التصريح بالحكمة والقدرة على الادارة الناجحة من قبل المدير او المسؤول الاداري تندرج تحت باب السلوك المتوازن للشخصية المتوازنة الناجحة، فأن تكون إداريا ناجحا وانسانا حكيما متوازنا فهذا أمر جيد بل ومستحسن من لدن الجميع، لكن أن تصرّح بذلك وتجعله همّاً دائما لك وسمة من سماتك فهذا ما لايليق بك بل وسيعمل ضدك ويعود عليك بنتائج غير جيدة تضعف من قدراتك الادارية الجيدة، والسبب كما يراه الامام الشيرازي في كتابه هذا:

(فإذا أظهرت نقاط قوتك أكثرت المتوقعين منك ـ ولا داعي لذلك ـ وإذا أظهرت نقاط ضعفك، أكثرت المزدرين عليك ـ ولماذا تزيد الازدراء على نفسك؟ ـ إنك إن أظهرت الفرح أثرت أعدائك وحسدك أصدقاؤك، وإن أظهرت الحزن أحزنت أصدقاءك، وفرّحت أعداءك. وهكذا بالنسبة إلى سائر نقاط الضعف والقوة.

وما أشد ضبط النفس بين هاتين النقطتين.

فإن الناس ـ غالباً ـ تبطرهم القوة، فيظهرونها، أو يضعفهم الانحطاط والضعف، فيبدونه، وهذا بالنسبة إلى الإنسان العادي مضر، فكيف بالمدير؟).

وهكذا نلاحظ أهمية الموازنة الدقيقة في التعامل مع الآخرين لاسيما من لدن المسؤول الاداري او الانسان الذي يتصدر مسؤولية القيادة في عموم مجالات الحياة، ويذكرنا هذا الموضوع بمقال رائع للامام الشيرازي حمل عنوان (إعمل ولا تتكلم) حيث يتطلب الأمر من الانسان الناجح أن يعمل وفق طريقته وشخصيته المتوازنة والحكيمة من ان يصرّح للاخرين بحكمته، لأن واقع الحال والاعمال هي التي ستؤشر حكمة الانسان من عدمها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 6/آيار/2009 - 9/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م