الحكومة العراقية حينما تتراجع عن قراراتها

علي الطالقاني

بعد أن أوصى وزير الدولة العراقية لشؤون الحوار الوطني أكرم الحكيم باعادة تأهيل حزب البعث المنحل للمشاركة في الحياة السياسية في العراق، بعد أن ينبذ الحزب سياسات النظام السابق، وفرز المجرمين بين صفوفه، ليتحول فيما بعد الى حزب عراقي وطني. أثارت هذه الوصية الرأي العام الداخلي العراقي.

أما على المستوى الحكومي فأن الحكومة العراقية، لاتملك خطة واضحة للمصالحة مع البعثيين، والحراك يفيد بأن رئيس الوزراء العراقي يقف وراء مشروع إعادة أفراد من حزب البعث الى السلطة، حيث يعمل من من خلال هذا الحراك على تقوية بنية حزب الدعوة بعد التشتت الذي وقع بين صفوفه والانشقاقات المتعددة التي حصلت، ويسعى المالكي من خلال تحركاته الى استقطاب مختلف شرائح المجتمع العراقي، حيث ابتكار خطة فرض القانون، وإيجاد مجالس الإسناد، ودعم مجالس الصحوة التي تنبع من العشائر.

مشروع المصالحة مع أفراد من حزب البعث والذي أكد عليه الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ في لقاء تلفزيوني مع قناة الحرة بتاريخ 25/4/2009، الذي قال ان الحكومة تسعى الى اعادة تأهيل أفراد من حزب البعث، لم يكن مجرد تصريح عابر وإنما جاء نتيجة ضغوط مارستها سوريا مؤخرا على الحكومة العراقية، وثمة خطوات تبعت هذه الضغوط تنم عن إرجاع البعثيين الى المشاركة في العملية السياسية، أما الجديد في هذه المصالحة أن الحكومة ستقدم عرضاً مرضياً للعراقيين عموما، ومن ثم عرضاً آخر لعوائل ضحايا البعث.

 الرئيس المالكي كان يمتلك موقفا صارماً ضد البعثيين وصرح مرات عديدة أنه لاعودة لهم، ولكن الإغراء، والضغط، والدفاع عنهم بقي مستمرا حتى بدأ المالكي يتراجع عن طموح التغيير الذي كان يسعى من أجله في العراق الجديد.

يقول المنتهكة حقوقهم من العراقيين ذلك خوفا من أن يحصل البعثيين على مطالبهم، حتى بعد فرار قسم منهم وإدارته لجرائم الإرهاب من دول الجوار وغيرها، في حين كانت المؤتمرات التي عقدت من قبل تنص على عدم العفو عنهم، واليوم نرى تراجعاً سياسياً من خلال مشروع المصالحة.

نحن اليوم أمام قرار سياسي حساس، ومن المؤكد أن هذا الموقف يُفرح بعض القادة العراقيين، ويؤكد وجودهم، واستمرار نشاطهم، واستمرار رضوخ الحكومة العراقية لهم، تماما كما كان الحال أيام رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، الذي سعى لإعادة البعثيين، ولكن يتم اتخاذ القرار هذه المرة بلغة أكثر عقلانية.

إن التغيير الذي يتحدث عنه بعض السياسيين العراقيين هذه الايام هو شعار حديث العهد، لايشمل خوض المعركة ضد هؤلاء الذين وصفوا من قبل بالمجرمين، حيث يمثل هذا الشعار خيبة أمل للكثير من العراقيين، وعامل مساعد على أن تخطو الحكومات الأخرى فتعلن موقفا مماثلا.

فحين نجد دعوة الحكومة العراقية القوى السياسية الى بذل الجهود في مشروع المصالحة والذي اعتبره المالكي بمثابة قارب النجاة الوحيد لأبناء العراق، نجد أن المعترضين على مشروع المصالحة لهم أسبابهم في المقاطعة.

فعندما يدعو الفريق الأول الى المصالحة، عليه أن يوضح معنى المصالحة، فيخفف من حدة المفهوم، ويخفف من استغلاله كعامل لدعم المشاريع الشخصية. وأن يخفف من لهجة الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بالقبول من الجميع، لأن هذا المطلب الذي يبدو بريئا وإيجابيا، يتضمن تراجعا سياسيا كبيرا.

الدستور والقضاء الراعيان لمشروع المصالحة، من جهتهما معنيان أيضا بإدراك الحراك السياسي وقراءة مابين السطور في أي قرار يُتخذ.

وما بين الحكومة والبعثيين يبقى نصيب المظلومين وعوائل ضحايا البعث والارهاب، حيث يوجد الالاف منهم بلاحقوق وبلا معين، قائما تحت ظل المخاوف من عودة البعثيين الى السلطة، في وقت يأمل فيه العراقيون معالجة واقعهم المأساوي.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/نيسان/2009 - 1/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م