قراصنة عصر العولمة

حميد لفته

حينما نسمع بالقراصنة يعود بنا الزمن الى مئات السنين الى الوراء في عالم متخيل لعصابات من أفراد ضواري أشداء يسكنون البحار والمحيطات كمخلوقات أسطورية تقطع طرق البحار والمحيطات تقوم بالسلب والنهب كنوز وبضائع التجار المغامرين وهم يشقون عباب البحار والمحيطات بعيدا لاعن بلدانهم وقاراتهم سعيا وراء الربح من خلال التجارة ويذكر التاريخ ان الخليفة عمر بن الخطاب جهز حملة لمحاربة القرصان وكذلك الأمويون والعباسيون قد جندوا الجند وجهزوا السفن للقضاء على القرصنة وتامين طرق التجارة البحرية،مثل ما يقومون بحماية طرق التجارة البرية بين البلدان،

كان هؤلاء القرصان وقطاع الطرق عصبة من الناس اللذين ضاق بهم العيش وسدت عليهم منافذ وطرق العيش وهم يشهدون تلال الذهب والفضة وأطنان الحرير والعسل وآلاف الجواري والقيان الحسان والغلمان التي تذهب لقصور الأثرياء من التجار والملوك والأمراء.

لاشك ان الكثير من القراصنة هم من البحارة ذوي المهارة العالية والخبرة الكبيرة والقدرة والكفاءة في معرفة متاهات ومداخل ومخارج البحار والخلجان بالإضافة الى كونهم من الرجال الشجعان الأشداء يجمعون حولهم الكثير من المتمردين ولمغامرين وطالبي الثراء السريع وعدم احترام القانون المحلي او الدولي وقد تقف وراءهم بعض الدول لتمدهم بالمال والوسائل والحماية وقت الضيق وهي ترمي من وراء ذلك مكاسب اقتصادية او سياسية او غايات أخرى قريبة او بعيده.

غالبا ما تبرز مثل هذه الظواهر وتنتشر في أوقات الأزمات والحروب التي تمر بها البلدان في مختلف الأزمان.،ومما يعتبر عاملا مشجعا لظهور القرصنة البحرية في تلك الأزمان هو عدم وجود وسائل الاتصال والمراقبة والمتابعة المتطورة للسفن والممرات المائية وعدم القدرة على نجدتها وتخليصها من مخالب القرصان في غياهب البحار والمحيطات،فالقرصنة اذا حالها حال ظاهرة قطاع الطرق عبر الصحارى والجبال والمناطق والطرق غير المحمية.

وقد ظهرت بعض حالات القرصنة البحرية والجوية كانت تقف وراءها أهداف سياسية تقوم بها منظمات وقوى وعصابات توصف بالمتطرفة مطالبة بتحقيق مطالب وأهداف سياسية او تطالب بإطلاق سراح بعض مؤيديها...الخ ولكن ليس من بينها المطالب المادية او طلب المال.

إما ان يظهر القرصان الآن في عصر العولمة كمارد ينتفض من خلال رماد العصور الغابرة، او ميتا ينتفض من مقابر التاريخ ليعبث في امن وسلام العالم، في عصر أصبح فيه العالم أشبه بقرية صغيرة مكشوفة الدروب والشعاب ومكشوفة المغارات والكهوف في ظل التقدم العلمي الهائل والمسح المكوكي خلال أربعة وعشرين ساعة في اليوم من قبل الأقمار الصناعية ووسائل المسح والترقب ومتابعة حركة وتنقل أجسام في غاية من الصغر سواء في البر او البحر في الغابات او الصحارى هذي القدرات الهائلة والأسطورية المذهلة للدول الكبرى من قوى عسكرية ضاربة ووسائل نقل وتنقل خيالية السرعة والدقة بحيث بلغت كوكب المريخ وما بعده.

كذلك ان تكون وراء هذه المارد الأسطوري الأسود وكأنه قادم من كوكب غير كوكب الأرض منافع مالية صرفه فهو يحتجز وياسر من اجل المال بغض النظر عن جنسية وقومية السفن والعبارات او الزوارق المختطفة والماسورة!!!

 ان عودة هذه الظاهرة في هذا الوقت وبهذا الوصف أمر يثير الاستغراب،حيث تقف اغلب الدول موقف المتفرج او العاجز عن استئصاله او السيطرة عليه او الحد من نشاطه، حيث ورد خبر الآن وأثناء كتابة هذا المقال وبعد عملية ((تحرير)) القبطان الأمريكي،ان القراصنة اختطفوا أربعة سفن تعود لعدة دول وبسرعة خاطفة ومذهلة وخلال ليل البحار وأمواجه المتلاطمة حيث لم تستغرق عملية الاستيلاء أكثر من ثلاثة دقائق!!!!

حيث يتمكن هؤلاء القراصنة من اقتياد السفن والبواخر لدول صغرى وكبرى كما يقتاد قصابون الخراف،ليبادلوها بعد ذلك بملايين الدولارات كفدية ندفعها الدول والشركات مقابل سلامة رجالها ورعاياها وبضائعها من أيادي هؤلاء القرصان،والأخطر من ذلك يشاع ان هؤلاء يمولون منظمات وقوى إرهابية في المنطقة والعالم؟؟

ان عملية تحرير الكابتن الأمريكي وما رافق هذه العملية من صور دراماتيكية وخيالية شبه أسطورية حيث أنقذ القبطان الايثاري الشجاع ((الفادي)) رفاقه من البحارة مقابل بقاءه رهينة بأيدي القرصان وإطلاق سراح السفينة.

كذلك كيفية سيطرة السوبر مان الأمريكي الخارق الذي انقض على القراصنة لينقذ ((الفادي)) من أيادي الشر ليظهر هازئا يتمتع بدعابته المعهودة كما ذكرت زوجته ليضحك على عقول هؤلاء الصعاليك امام جبروت ((المخلص)) السوبرمان الأمريكي.

ان هذا الحال هو إرسال رسالة للعالم ان لا امن ولإسلام لا في البر ولا في البحر إلا ان تكون تحت جناح السوبرمان الأمريكي المعولم وتقديم القرابين له باعتباره زعيم الآلهة وقاهر جبروت آلهة الشر في كل مكان وزمان؟؟!!!!

 ان هذا القرصان الأسود يخفي وراء عتمة بشرته وغموض قدرته وزمن ظهوره وعجز اغلب دول العالم عن مواجهته لحد الآن ما عدى المارد الأمريكي، نقول انه يخفي أكثر من سؤال وسؤال:-

ماذا يخفي وراءه هذا القرصان ((الأسود)) وما هو سر قوته وجبروته،وما هو ثمن بطولة وقدرة وتفرد السوبرمان الأمريكي باعتباره المخلص الاكبر والحامي الجبار؟؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 19/نيسان/2009 - 22/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م