في الذكرى السادسة للتغيير في العراق

موقف حكومي صلب.. وموجة من العنف.. وزيارة أولى لاوباما لبغداد

مازن الياسري

9 نيسان 2003، يوم تحرير ام يوم تغيير ام يوم سقوط، ثم سقوط من، هل هو سقوط لبغداد ام للطاغية ام للنظام.. يبدوان هذه المفاهيم لازالت مختلف عليها في الشارع السياسي والشعبي في العراق.. ثم ما المتغير في الذكرى السادسة لهذا التاريخ.

ستة أعوام مرت على التاسع من نيسان 2003.. تلك الذكرى التي اعلنت بداية فصل هام في تاريخ العراق الحافل.. الأعوام الستة كانت حبلى بالكثير من الأحداث والمتغيرات على الخارطة الدولية والإقليمية فضلاً على متغيرات الواقع العراقي، إلا إن ذكرى هذه السنة لها طعم جديد.. فالعراق اليوم استطاع من تثبيت نظام سياسي دستوري رصين.. كما كان للتطورات الأمنية في البلاد الدور الأكبر في تعزيز الواقع الإقليمي والدولي للعراق.. وفق وجهة النظر السياسية الكلاسيكية القائلة.. ان الواقع الداخلي لأي دولة هو انعكاس لسياستها الخارجية.. العراق قطع خطوات طويلة في الانفتاح على محيطه الإقليمي والعربي.. ونجح في تخطي أزمة المشكلات السياسية الداخلية، وانفتح على معارضيه السياسيون والمسلحون.. من خلال شعار ترك العنف والإيمان بالدستور مقابل المشاركة في الحياة السياسية العراقية.

الحكومة العراقية.. ونتيجة للنجاحات الكبرى التي تحققت في المرحلة الماضية، اندفعت في مواجهة بقايا الإرهاب والعنف في البلاد بضراوة.. من خلال تفكيك بقايا الجماعات المسلحة والعمليات العسكرية النوعية ومن خلال غربلة العناصر الأمنية وخاصة عناصر ما يعرف بالصحوات.. فكما هو معروف إن معظم عناصر الصحوات هم من ضباط الجيش العراقي السابقون وكثير منهم ورط لفترات ضمن جماعات إرهابية مسلحة.. الحكومة العراقية ومن خلال عملة عسكرية منظمة في منطقة الفضل ببغداد ألقت القبض على عناصر الصحوة في المنطقة المذكورة جميعاً وصادرت أسلحة وفيرة وجدت بحوزتهم.. وأعلنت عبر الإعلام إن صحوة الفضل مخترقة كلياً من تنظيمات لحزب البعث السابق المحظور في العراق وتنظيم القاعدة الإرهابي..

وهددت من جانب آخر جميع الصحوات من ضرورة غربلة أفرادها بالإشارة لاختراقها من قبل عناصر إرهابية، وبطبيعة الحال رسالة الحكومة الشديدة للصحوات عدها بعضهم رصاصة الرحمة الحكومية للصحوات.. وبعبارة أخرى إن الصحوات وبعد نجاحهم في إنهاء تنظيم القاعدة في مدن العراق انتهى دورهم.. وهذا ما دعا إليه قادة كبار في الصحوة ذاتها.. كالشيخ حميد الهايس زعيم صحوة الانبار الذي دعا لعودة السلاح في يد الحكومة.. ويعد هذا التصريح انسجاماً مع سياسة المالكي في حصر السلاح بيد أجهزة الحكومة الأمنية فقط.. خاصة والعراق يستعد لنقل السيادة الأمنية كاملاً بيده من القوات الأمريكية التي ابتدأ انسحابها التدريجي والذي يكتمل في أواخر العام 2011.

التوجه الحكومي العراقي بحصر السلاح بيد الدولة وتقويض دور الصحوات.. تزامن مع موقف صارم من حزب البعث السابق والمحظور من قبل الحكومة العراقية.. وسرعان ما تسبب بهجمة إرهابية شرسة في بغداد قبيل الذكرى السادسة للتغيير.. من خلال هجمات مفخخة في مناطق مختلفة من بغداد خلفت ما يزيد على الثلاثين قتيل من المدنيين وعشرات الجرحى فضلاً عن خسائر مادية.. وقد أعربت الحكومة في رد فعلها وعلى لسان رئيس الوزراء العراقي المالكي (ان موجة العنف التي شهدتها بغداد في ذكرى تحريرها، رسالة يائسة من الارهاب والبعث.. لن تجد منا سوى المزيد من الإصرار على القضاء عليهم ) كما وعد المالكي الفاعلين بالعقاب وأوعز بتكثيف الإجراءات الأمنية للنيل من الجناة.. وعلى صعيد شعبي، كان هنالك اجماع عراقي نادر على ضرورة معاقبة الجناة وعدم اعادة العراق الى مراحل العنف والمفخخات الي قضي عليها منذ العام الماضي.. في اشارة لرغبة العراقيين جميعاً في عودة الامن والسلام الى مدنهم التي شهدت انتعاشاً كبيراً وعودة للمهجريين الذين غادروا العراق أبان أحداث العنف الطائفي التي اندلعت في العراق في الأعوام 2004 الى 2007، ومن جهتها اعتبرت الحكومة العراقية، موقف المواطنين بالالتفاف معها ضد الارهاب نصراً كبيراً للعراق الجديد.

وبعد يوم واحد من موجة العنف التي ضربت بغداد.. وفي رسالة واضحة لدعم العراق قبيل ذكرى التغيير السادسة.. حطت في مطار بغداد الطائرة الرئاسية للرئيس الأمريكي باراك اوباما في أول زيارة للعراق بعد توليه لإدارة البيت الابيض.. وهي كذلك الاولى لبلد عربي، اوباما زار العراق دون اعلان الزيارة حتى هبوطه، بعد اختتام اول جولة طويلة له كانت تركيا المحطة الاخيرة في جولته الخارجية التي قادته الى لندن للمشاركة في قمة مجموعة العشرين ثم الى فرنسا والمانيا لحضور قمة حلف شمال الاطلسي ثم الى براغ للقاء قادة الاتحاد الاوروبي.

اوباما وبعد وصوله بغداد زار جنوده في قاعدة فيكتوري القريبة من مطار بغداد وقال لجنوده في اشارة الى موعد انهاء العمليات القتالية في العراق والذي حدده مؤخراً ضمن إستراتيجيته الجديدة في  أب 2010 ستكون هذه الشهور الثمانية عشر القادمة فترة حرجة.. وستكون لكم أهمية من حيث ضمان أن يكون العراق مستقرا وألا يكون ملاذا امنا للإرهابيين ويمكننا عندها اعادة رفاقنا الى الوطن.. من جهته قال قائد القوات الامريكية في العراق الجنرال راي أوديرنولاوباما انه على الرغم من الزيادة الاخيرة في التفجيرات الا أن مستوى العنف في البلاد وصل الى أدنى مستوى له منذ 2003.. وقال اوباما ايضاً لقد حان الوقت بالنسبة لنا لنقل السيادة الى العراقيين، مؤكداً ان اسقاط نظام صدام وبزوغ الديموقراطية يشكلان نجاحا استثنائياً.

وقد استبعد مسئولون أمريكيون فكرة انتقال اوباما الى داخل بغداد في موكب بعدما تسبب سوء الأحوال الجوية في بغداد في الغاء رحلة مزمعة بطائرة هليكوبتر الى المدينة للاجتماع مع الزعماء العراقيين.. وعلى الرغم من ان الرأي العام العراقي كان مرحب بأوباما، على العكس من موقفه من الرئيس الأمريكي السابق بوش.. الا ان الامريكان بقوا حذرين على سلامة رئيسهم بالتالي قدموا رؤية سلبية للواقع الامني داخل بغداد.. في حين ينضر البعض لرغبة اوباما بعدم زيارة بغداد والاكتفاء بالبقاء في معسكر امريكي في مشارف المدينة.. انعكاساً لسياسة الرجل الغير مجاملة للحكومة والهادفة للضغط نحوتحقيق الحكومة للالتزاماتها السياسية والامنية.. وخاصة الالتزام بمشروع المصالحة الوطنية الذي يعتبر لا يزال معطلاً.

وبدلا من ذلك توجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى معسكر فيكتوري لإجراء محادثات مع أوباما.

وقال اوباما انه جاء الى العراق لعقد اجتماعات مباشرة والتعرف بشكل أفضل على الوضع الامني.

وقال للصحفيين (قضينا وقتا طويلا في محاولة دفع أفغانستان الى الطريق الصحيح لكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين عمله هنا) ومن المرجح ان يبحث اوباما مع المالكي قضية حزب العمال التركي القاطن في شمال العراق.

وفي لقاءها اتفقا الرئيسان، المالكي واوباما على اهمية استمرار الجهود المشتركة لتثبيت الامن والاستقرار في العراق والاستعداد لتسليم القوات العراقية كامل المسؤولية الامنية من القوات المتعددة الجنسيات.

من جانبه جدد الرئيس الامريكي باراك اوباما التزام الولايات المتحدة بسحب القوات الامريكية وفق الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين البلدين واستعداد بلاده مساعدة العراق في مراجعة القرارات الدولية في مجلس الامن الدولي.

واشاد الرئيس باراك اوباما بالنجاح الذي حققته الحكومة في تثبيت الامن والاستقرار في العراق والجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة لانجاح انتخابات مجالس المحافظات باعتبارها خطوة مهمة في طريق تعزيز الديمقراطية في العراق.

وتعهد الرئيس الامريكي بتشجيع الشركات الامريكية للمساهمة في عملية البناء والأعمار في ظل تنافس الشركات العالمية للعمل في العراق.. بعبارة اخرى فأوباما لوح بالعصا والجزرة سوياً.

وتبنى أوباما نهجا اشد صرامة من سلفه بوش في الضغط على الحكومة العراقية لتحمل المزيد من المسؤولية عن ارساء الاستقرار بالبلاد ومؤسساتها.

وقال ان تقدما ملموسا تحقق في العراق غير أنه لا يزال يتعين على زعماء الفصائل السياسية في العراق عمل الكثير للتوصل الى حلول "منصفة وعادلة". واضاف "سيتعين عليهم تقرير أنه ينبغي لهم حل خلافاتهم من خلال وسائل دستورية وقانونية".

وقال للصحافيين في ختام اللقاء «من المهم جدا وبشكل قاطع انضمام جميع العراقيين الى الحكومة وصفوف القوات الامنية» مشيرا الى «روح الشراكة» وذلك في دعوة الى تسريع عملية المصالحة الوطنية بهدف الوصول الى الاستقرار الامني والسياسي.

وقد زار اوباما في مقر إقامته في بغداد الرئيس العراقي جلال طالباني ونائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي ونائب رئيس الوزراء برهم صالح، وقد اشار طالباني الى التطورات الايجابية التي شهدها العراق في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والانجازات التي حققها على الصعيد الدبلوماسي. كما أكد طالباني اهمية تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية من اجل بناء البلد ورقيه، مشيرا الى ان العراق بلد غني برجالاته وثرواته وتأريخه العريق يستطيع ان يلعب دورا ايجابيا مهما في المنطقة.

واشار الرئيس اوباما الى اهمية المرحلة التي يمر بها العراق الان، كونها مرحلة تمهيدية للوصول الى الانتخابات القادمة، مؤكدا "علينا خلق مناخ انتقالي سليم للوصول الى هذا الهدف". وشدد الرئيس الامريكي على ان "العراق لا يزال مهما جدا بالنسبة الينا ونريدكم ان تكونوا متأكدين من ذلك"، مضيفا "الانتخابات الماضية اظهرت رغبة حقيقية للشعب في استقرار الأوضاع، ونريد ان يحصل الجميع على حرية اختياره"، مؤكدا "سنقدم لكم الدعم اللازم لاستقرار البلد وازدهاره".

واكد الرئيس الامريكي باراك اوباما على اهمية مشاركة الجميع في رسم سياسات العراق وادارته، مضيفا "العراق بلد مهم ويعتمد على قادته السياسيين لادارته بشكل حضاري نحوالتقدم والازدهار واعادة البناء"، مشددا على اهمية احترام الدستور في البلاد من قبل الجميع.

هذا وكان السيد مقتدى الصدر الزعيم الديني الشاب قد دعا لتظاهرة مليونية في يوم التاسع من نيسان تدعوا لخروج القوات الامريكية من العراق.. ويذكر ان الزعيم الشاب ذوالشعبية الكبيرة والأنصار الكثيرين داخل العراق قد دعا لمظاهرات سلمية عديدة للمطالبة بخروج الأمريكان من العراق، باعتبارهم قوات احتلال حسب تعبيره.. وبأعتبار يوم التاسع من نيسان يوم احتلال للعراق.. وهذا ما استغربه بعض الكتاب بأعتبار ان 9 نيسان هي من اتت بساسة وقادة اليوم واعطتهم حرية ابداء الرأي والتظاهر.. على العكس من قيم النظام العراقي السابق قبل 9 نيسان 2003 والذي كان يتعامل مع الحريات بقسوة شديدة.

المظاهرة التي انطلقت في ساحة الفردوس وسط بغداد.. حملت الاعلام العراقية وصور السيد مقتدى الصدر.. وشارك بها اعضاء مجلس النواب (الكتلة الصدرية 30 نائب) ووفد من صحوة الانبار.. وبحماية امنية حكومية، ورجح مراقبون ان اعداد المشاركين في المظاهرة، على الرغم من كثرتهم الا انهم لم يصلوا للرقم المليوني الذي وصلته مظاهرات السنوات الماضية المشابهة.

في وقت اعتبر حزب الدعوة الإسلامية (الحاكم) ان 9 نيسان يمثل يوم العقاب التاريخي لنظام صدام، بالاشارة الى الربط بين اعدام رجل الدين المفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر وشقيقته العلوية بنت الهدى في يوم 9 نيسان 1980.. وسقوط نظام صدام في نفس التاريخ بعد 23 عاماً في مفارقة تمثل دالة تاريخية اعجازية كما يعبر عن ذلك.

وكان المواطنون العراقيون قد عبروا عن اعتبار العراق الجديد بعد 9 نيسان 2003 هوالافضل من نواحي الحرية والحالة الاقتصادية.. إلا إنهم تحفظوا على الواقع الأمني والخدمي.

www.alyasery.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/نيسان/2009 - 17/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م