دبي.. ارض الذهب تتلاشى وتتحول الى صحراء من جديد

آلاف المهارات تعاني فقدان الوظائف والقلق من الغَد

 

شبكة النبأ: كانت حفلة مجلة Hot 100 التي أقيمت في دبي تذكاراً بالأيام الجميلة لتلك المدينة قبل اندلاع أزمة الائتمان قد استقطبت الشخصيات البارزة في دولة الإمارات المتحدة بالاضافة الى عدد كبير من الأسماء اللامعة من بينها ثاكسين شيناواترا، رئيس وزراء تايلند الأسبق الذي كانت له علاقة مع صاحب شركة للتطوير العقاري هو سليمان الفهيم الذي توسط في عملية بيع نادي مانشستر سيتي لكرة القدم إلى أحد شيوخ أبو ظبي.

وكانت المشروبات المجانية توزَّع من غير حساب وبنشاط وحيوية غير معتادة على موظفي دار ITP الناشرة للمجلة، ولكن في ذلك الأسبوع خفضت ITP عدد العاملين لديها بنحو 10 في المائة، حيث يقول أحد الموظفين الذين تم فصلهم، كان الموظفون يعرفون أن عمليات الفصل سوف تحدث وكانوا متأكدين من أنها ستكون قاسية.

وفي مقال نشرته صحيفة (الفايننشال تايمز) حول تدهور قطاع المال والاعمال في دبي، جاء فيه: بالنسبة لآلاف المغتربين الذين أغرتهم للقدوم شمس دبي التي تظل مشرقة طوال العام والإعفاء من الضرائب، فإن الحفل انتهى. لقد جاءت عمليات إعادة هيكلة الشركات في أعقاب التراجع الحاد في أسعار العقارات والتراجع الشديد لثقة المستهلكين، لقد تلاشت أرض الذهب وتحولت إلى صحراء مرة أخرى. ومع انتشار عملية خفض أعداد الموظفين من قطاعي المال والعقار إلى قطاعات السياحة، والإعلام، وتجارة التجزئة، أخذ الكثيرون يحزمون أمتعتهم ويعودون إلى أوطانهم.

ومن الملاحظ أن شوارع دبي ومطاعمها أصبحت أهدأ، والإيجارات التي كانت مغالى فيها في وقت من الأوقات أصبحت معقولة أكثر، وهي تتراجع شهراً عن شهر. وتدعي الحكومة أن إصدار التأشيرات ما زال مستمراً وتنفي التقارير التي تتحدث عن إلغاء للتأشيرات بالجملة. و لكن أحد الاستطلاعات التي أجرتها شركة YouGov في دولة الإمارات العربية المتحدة وجد أن أكثر من نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يعرفون قريباً أو صديقاً فصل من العمل بسبب زيادته عن الحاجة، وقد زاد عدد هؤلاء الأشخاص زيادة حادة عما كان عليه في نهاية عام 2008.

فعلى سبيل المثال، يجرى تغيير الموظفين باستمرار في كبرى شركات دبي الاستثمارية، وهي شركة دبي انترناشونال كابيتال، وذلك لأن شركتها الأم المملوكة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تعمل على دمج عمليات المساندة في المكاتب الخلفية مع عمليات شركة استثمارية أخرى عائدة له. ويقول أحد الموظفين في تلك الشركة: "إننا نذهب إلى المكتب غير متأكدين من أنه سيكون لدينا عمل في نهاية اليوم".

ومن المتوقع أن تتزايد في نهاية الشهر عمليات الرحيل بين موظفي المكاتب المغتربين من الجاليتين البريطانية والهندية، لأن هذه الفترة تتصادف مع نهاية السنة الدراسية الهندية ومع بداية عطلة الربيع في المدارس البريطانية. وقد عمل كثير من أصحاب العمل على مساعدة الموظفين المفصولين، خاصة من لديهم أطفال، وذلك عبر تمديد تأشيرات إقامتهم لكيلا يضطروا إلى مغادرة البلد بسرعة. ويخشى البريطانيون أيضاً من المسؤوليات الضريبية التي ستترتب عليهم إذا عادوا إلى بلدهم قبل تاريخ 1 نيسان "أبريل" الذي تبدأ فيه السنة الضريبية في بريطانيا.

في سوق عمل ما زالت غير متطورة بالمقاييس الغربية، يستعد المحامون وشركات الاستقدام لزيادة عدد الشكاوى التي يرفعها الأجانب فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة، بينما تكرر الحكومة الحظر الذي تفرضه على أصحاب العمل في القطاع الخاص لكيلا يفصلوا أبناء البلد من العمل بسبب زيادتهم عن حاجته. وينظر إلى إلغاءات الوظائف التي أعلن عنها والتي سوف تجري خلال الفترة المقبلة باعتبارها اختباراً كبيراً لقوانين العمل في بلد لم يتعرض للمصاعب في تاريخه.

فوفقاً لمحام غربي يعمل في إحدى الشركات الكبرى في دبي "لا يوجد مفهوم قانوني حقيقي للزيادة عن حاجة العمل" ولا يوجد التزام على الشركات عدا عن دفع مرتب مدة الإشعار ومكافأة نهاية الخدمة المتواضعة.

ولكن ماكينة الشائعات التي يتداولها المغتربون والتي بدأت تدور بقوة منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية في شهر تشرين الأول " أكتوبر" تتحدث بلهجة متشائمة عن شركات تفصل العاملين في إدارات بأكملها دفعة واحدة أو تقوم بتسريح مجموعات صغيرة من الموظفين كل أسبوع للحد من الأثر السيئ الذي تخلفه عمليات التسريح بأعداد كبيرة على سمعتها.

وتتمثل مشكلة أخرى في الضغط الذي يمكن أن يسببه هذا العدد الكبير من الخلافات العمالية على المحاكم المحلية أو على المحكمة الخاصة بمركز دبي المالي الدولي الذي يوجد فيه عدد كبير من الشركات متعددة الجنسية. إن محكمة المركز التي تضم هيئة دولية من كبار القضاة التجاريين منهمكة بالنظر في عدد من القضايا العمالية التي تستنزف الوقت، وبعض هذه القضايا مستأنفة من محاكم تنظر في مطالبات صغيرة.

وفي إحدى الاستئنافات التي نظرت فيها محكمة المركز في شهر كانون الثاني "يناير"، كان مدير تنفيذي مالي سابق يخاصم صاحب عمله السابق حول مبلغ 25209 دراهم (4825 دولاراً) فقط من مكافأة نهاية الخدمة المختلف عليها. ويصر مارك ريد، مسجل محكمة مركز دبي المالي الدولي على أن المحكمة قادرة على معالجة حمل العمل هذا ولكنه يعترف بأنه يأمل في أن تُحل أغلبية المنازعات قبل الوصول إلى تلك المرحلة.

هذا ومن المتوقع أن يتزايد عدد المنازعات، خاصة ما يخص منها المغتربين الغربيين الذين كانوا يعملون بوظائف ذات رواتب عالية في دبي عندما كان الطلب عالياً، ولكنهم يجدون الآن أن مراكزهم في خطر.

وعندما أنشئ مركز دبي المالي الدولي وبدأ العمل به في عام 2005، استخدمته مئات الشركات كمنصة انطلاق إقليمية وواصلت التعاقد مع أعداد كبيرة من الموظفين مكدسة المصرفيين من ذوى الخبرة والمبتدئين على سواء. ولكن أسواق الأسهم الإقليمية تراجعت، مع ركود أسعار النفط وعمليات تمويل الشركات وديونها، وتبين أن عملية إعادة هيكلة البنوك أكثر تواضعاً مما كانوا يأملون. أما الآن، فإن أعداد الموظفين العاملين في المؤسسات الدولية مثل "مورجان ستانلي" و"كريديت سويس"، والبنوك المحلية الكبرى مثل "شعاع كابيتال" و"المشرق" آخذة بالتناقص.

يقول أحد الاستشاريين في مجال الاستقدام: "أثناء طفرة المضاربات، وجد عدد كبير من الناس الذين لم تكن أية جهة لتقبل بتوظيفهم في لندن طريقهم إلى هنا. وقد وجد أنهم غير مؤهلين للعمل".

وفي شركة دبي العقارية، وهي شركة كبيرة للتطوير العقاري يملكها حاكم دبي، الشيخ محمد، يوجد خلاف بين الشركة وحفنة من الموظفين بعد أن طٌلب منهم أن يتركوا العمل من دون أن تصرف لهم مكافأة نهاية الخدمة في العام الماضي. وتقول الشركة التي على وشك أن تسلم مجمعاً سكنياً رئيساً آخر في حي الأعمال إنه تم الاعتناء بصورة جيدة بالذين تم فصلهم، وجرى تمديد تأشيرات الإقامة لهم لكي يتمكنوا من البحث عن وظائف أخرى ولكيلا يتوقف تعليم أبنائهم.

ويقول أولئك الموظفون السابقون الذين يرغبون في عدم الكشف عن أسمائهم لأن بعضا منهم لم يتوصل إلى تسوية أوضاعهم مع الشركة حتى الآن، إنهم حصلوا على مشورة قانونية تفيد أن أي موظف يفصل من العمل فصلاً تعسفياً لا علاقة له بالأداء كالزيادة عن حاجة العمل يستحق مرتب شهر إلى ثلاثة أشهر إضافة إلى أي مرتب يغطي فترة الإنذار. ولكنهم يعتقدون أن الأمر لا يستحق رفع دعاوى قانونية لأن المبالغ المختلف عليها متواضعة.

لا يعود جميع الذين يفصلون من العمل لزيادتهم عن حاجته إلى أوطانهم. فحسب بيتر هنري الشريك في وكالة وايتهيدمان لتوظيف الكفاءات والتي يوجد مقرها في دبي فإن هناك فرص عمل في بلدان أخرى في المنطقة وخاصة في مجال إدارة الخطر في البنوك وتجمعات الشركات.

ويقول هنري في هذا الصدد: "إذا نظرت خارج دبي ستجد أن الوضع أفضل في أبو ظبي، الدوحة، وإلى حد ما البحرين. كما أن السعودية سوق نشطة، حيث يقومون بتوسعة الشركات وبتنفيذ مشاريع دولية مشتركة، ونرى أن هناك حاجة لأصحاب المواهب." ولكن رغم كل ذلك، فإن أسلوب الحياة في دبي ما زال يجعلها أكثر البلدان جاذبية في منطقة الخليج.

وهناك أشخاص على استعداد للانتظار حتى تتحسن الأحوال. ففي العام الماضي تعاقدت دبي مع ريتشارد أتياس، زوج سيسيليا زوجة نيكولا ساركوزي السابقة للترويج للمدينة من خلال شركة مؤتمرات تهتم بالشأن الرياضي والثقافي. ولكن رعاية الشركات لهذه المناسبات تبخرت، ما ترك المسؤول التنفيذي عن العلاقات العامة هدفاً واضحاً لنظام خفض التكاليف المستمر من قبل الشركات في دبي. وقد تم تنزيل مرتبته من رئيس تنفيذي إلى مستشار في بعض المناسبات غير ذات الشأن. ورغم ذلك، يقول أتياس في هذا الصدد: "قمت بإعادة تنشيط شركتي الاستشارية ونقلت مركزها الرئيس إلى دبي. وإنني متأكد من أن المنطقة ودبي سوف تعودان قريباً لتحتلا عناوين الصفحة الأولى".

ولكن الأكثر حظاً منه هو أندى بلير، وهو مدير مشروع بناء حقق الشهرة بين عشية وضحاها عندما وضع رقم هاتفه على سيارته البورش بعد أن تم فصله من العمل بسبب الزيادة عن الحاجة في شهر كانون الثاني "يناير". إن اهتمامه الشديد بالوسائل الإعلامية – ناهيك عن قاعدة معارفه الواسعة – مكنه من عدم الذهاب إلى أبو ظبي أو عبر الخليج إلى قطر. فقد وجد وظيفة لدى شركة استشارية تعمل في مجال الطعام والشراب. يقول هذا الشخص الاسكتلندي ابن الـ 28 عاماً:" كان الناس يتحدثون عن الدوحة أو البحرين، ولكنني لم أكن مستعداً للذهاب هناك تحت أي ظرف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/نيسان/2009 - 16/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م