الإعلام الامريكي وأزمة الاقتصاد المتصاعدة الحدّة

 

شبكة النبأ: ما تزال أجواء الأزمة الاقتصادية تُسيطر على الساحة السياسية الأمريكية، فمع الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة الأمريكية لإنهاء الأزمة، والقضاء على حالة الركود التي أصابت الاقتصاد الأمريكي، بدأت عملية مراجعة نتائج هذه الجهود، وما يمكن أن تسفر عنه فيما يتعلق بإنقاذ الاقتصاد، خاصة بعد قيام بعض الشركات ـ التي حصلت على مساعدات مالية من جانب الحكومة الفيدرالية في إطار خطط الإنقاذ الاقتصادي التي أقرها الكونجرس ـ بصرف حوافز مالية للعاملين فيها، على الرغم من الأحوال المالية السيئة التي تعيشها هذه المؤسسات.

وفى سياق هذه الأحوال جاءت متابعات الإعلام الأمريكي خلال الأسبوع الماضي، لتطرح كثيرًا من علامات الاستفهام حول الأزمة الاقتصادية والفترة التي يمكن أن تستغرقها، وحول السياسات التي تتبعها المؤسسات المالية التي استفادت من خطط الدعم والإنقاذ الاقتصادي.   

متى تُنهى الأزمة؟!

ففي برنامج ستين دقيقة 60 الذي يذاع على شبكة CBS الإخبارية، قدم مراسل البرنامج سكوت بيلي حلقة خاصة مع رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، بن برنانك، الذي يتمتع بخبرة اقتصادية كبيرة سواء على المستوى العملي أو المستوى الأكاديمي النظري، حيث شغل هذا المنصب في عام 2006 في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وكان قبل ذلك يشغل منصب رئيس المجلس الاستشاري الاقتصادي التابع للرئيس الأمريكي. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وجدير بالذكر أن بنك الاحتياط الفيدرالي كان قد أنشئ في عام 1913 بقرار من الكونجرس الأمريكي وكانت مهمته الأساسية التعامل مع الأزمات الاقتصادية كتلك التي يمر بها الاقتصاد في الوقت الحالي.

من جانبه أكد بيلي أن رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي هو من له اليد العليا في إدارة الاقتصاد بحكم سلطات وصلاحيات منصبه، والتي تمكنه من التحكم في معدل الفائدة، ولكن عقب الأزمة المالية التي ضربت أسواق المال الأمريكية منذ عام 2008، توسعت سلطاته وصلاحياته بصورة غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي، والتي مكنته من إصدار القرارات المتعلقة بتخصيص مليارات الدولارات التي تخطط الإدارة الأمريكية لضخها في الأسواق لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الانهيار، ومن ثم اعتبر بيلي أن برنانك ـ في هذه الأحوال ـ قد يكون أهم شخص يتولى هذا المنصب على مدار التاريخ الأمريكي، ولكنه تساءل هل سيكون قادرًا على الخروج بالاقتصاد الأمريكي من عنق الزجاجة المتمثلة في الأزمة الاقتصادية الحالية؟

وتعليقًا على التاريخ الذي يمكن أن تنتهي فيه هذه الأزمة، أكد برنانك أن الخروج من هذه الأزمة يعتمد على قدرة المنظومة المالية الأمريكية وفاعليتها في مواجهة الأزمة وتحمل آثارها السلبية، لأن التاريخ يؤكد أنه لا يمكن أن يتعافى الاقتصاد من أي مشاكل وأزمات يعاني منها، طالما أن النظام المالي لهذا الاقتصاد يمر بأزمة، خاصة إذا كانت أزمة كبيرة وخطيرة كتلك التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي، ومن ثم أشار إلى أنه بالفعل هناك بعض التقدم في إنقاذ النظام المالي، ولكن حتى يتم استعادة الاستقرار المفقود لهذا النظام، لفت الانتباه إلى أن هناك خطة موضوعة لإنقاذ النظام المالي يعمل الجميع في الوقت الحالي على تطبيقها، هذه الخطة مهمتها الأساسية العمل على إعادة الاستقرار في الأوضاع الاقتصادية، ومن ثم قد يشهد الاقتصاد الأمريكي ـ على حد قول رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي ـ نهاية لحالة الركود بنهاية هذا العام، وسوف تليها حالة انتعاش اقتصادي سوف تبدأ مع بداية العام القادم، وإن كان هذا لا يعني ـ على حد وصفه ـ أن يصل الاقتصاد إلى حالة التوظيف الكامل بنهاية هذا العام، ولكن هذا التدهور المستمر منذ فترة سوف يبدأ في التوقف ليأخذ منحى أكثر اعتدالاً.

وعن معدل البطالة الذي وصل إلى معدلات قياسية كبيرة، وهل يمكن أن يشهد الاقتصاد الأمريكي مزيدًا من الأفراد يفقدون وظائفهم؟ لفت برنانك الانتباه إلى أنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بمعدل البطالة، وإلى أي مدى يمكن أن يصل، حيث أكد على أن معدل فقدان الأمريكيين لوظائفهم ما يزال معدلاً خطيرًا، ومن المتوقع أن تزيد معدلات البطالة في الفترة القادمة، ولكن في حالة نجاح الجهود المتواصلة من أجل إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد والنظام المالي، فسوف يبدأ هذا المعدل في الانخفاض مرة أخرى. وتأسيسًا على هذه الحقيقة أكد برنانك أن الولايات المتحدة لا تتجه في الوقت الحالي إلى حالة الأزمة الكبيرة كتلك التي تعرضت لها في فترة الكساد الكبير، وإن كانت احتمالات هذا الأمر كانت أكثر حدوثًا في الماضي، ولكن مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة الأمريكية فإنه من المتوقع أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح مرة أخرى.

وعن المساعدات التي قدمتها الحكومة الفيدرالية الأمريكية لعملاق التأمين الأمريكيAmerican International Group  (AIG) والتي بلغت حتى الآن أكثر من 160 مليار دولار، أشار برنانك إلى أنه على مدار الأشهر الثماني عشر الماضية بذل الجميع بما في ذلك الإدارة الأمريكية كثيرًا من الجهود لمنع وقوع مزيد من التدهور الاقتصادي، إلا أن أكثر ما أغضبه في كل هذه الجهود، هو قرار الإدارة الأمريكية بالتدخل لإنقاذ مجموعة AIG من الانهيار، على الرغم أن المجموعة بممارساتها وسياساتها الخاطئة هي المسئولة عن هذه الأزمة التي تعرضت لها، فهو يرى أن هذا الفشل الذي منيت به هذه المجموعة العملاقة أثر بالتأكيد كثيرًا على النظام المالي الأمريكي وفاعليته، وسبَّب له كثيرًا من المشاكل والأزمات، لذلك فإنه ليس من العدل أن يتحمل دافعو الضرائب الأمريكيون مسئولية فشل المجموعة، ولكنه في الوقت ذاته أكد أنه لم يكن هناك مجالٌ للمخاطرة، بترك هذه المجموعة الاقتصادية العملاقة عرضة لإعلان إفلاسها ومن ثم انهيارها بالتبعية، لأن حدوث مثل هذا الأمر كانت ستكون له كثيرٌ من العواقب الوخيمة، ليس فقط على النظام المالي الأمريكي، وإنما على الاقتصاد ككل.

ومن ناحية أخرى أشار بيلي إلى أن برنانك هو من الاقتصاديين المتخصصين في دراسات الكساد الكبير الذي هز اقتصاد الولايات المتحدة في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وهو من بين الاقتصاديين الذين يرون أن السياسات التي اتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي في التعامل مع أزمة الكساد الكبير كانت هي السبب الأساسي في تحول هذه الأزمة من أزمة اقتصادية داخلية إلى كارثة عالمية ضربت اقتصاديات العالم كله آنذاك.

وفى هذا السياق أشار برنانك Bernanke إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي ارتكب خطأين في إطار تعامله مع تلك الأزمة، الأول أنه اتبع مجموعة من السياسات المالية المتناقضة مع بعضها البعض، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل التضخم بصور كبيرة. أما الخطأ الثاني فهو أن بنك الاحتياط الفيدرالي سمح في ذلك الوقت بانهيار المؤسسات المالية الكبرى خاصة البنوك الكبيرة، فلم يتم بذل أي جهود حقيقة من أجل منع سقوط هذه المؤسسات، هذا الانهيار كانت له كثيرٌ من الآثار السلبية على الائتمان في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أثر أيضًا بالسلب على قدرة الاقتصاد الأمريكي آنذاك على استعادة قوته وفاعليته مرة أخرى، ومن ثم أكد برنانك Bernanke أن الأزمة الحالية كانت في فترة ما كان من الممكن أن تؤدي إلى حدوث كساد كبير مرة أخرى، ولكنه أكد أنه لن يسمح بانهيار البنوك الأمريكية الرئيسة كما حدث في الماضي.

عملاق التأمين يهدر أموال دافعي الضرائب

أما برنامج Face The Nation الذي يقدمه الإعلامي بوب شيفر فقد استضاف كل من لاورنس سامرز مدير المجلس القومي الاقتصادي، والكاتب الأمريكي الشهير في صحيفة نيويورك تيمز توماس فريدمان.

في البداية تناول شيفر ما تم الإعلان عنه مؤخرًا من قيام عملاق التأمين الأمريكي American International Group AIG ـ والتي كانت قد تلقت كثيرًا من أموال دافعي الضرائب في صورة مساعدات مالية حصلت عليها لتلافي خطر انهيارها ـ بصرف ملايين الدولارات كحوافز للعاملين في المجموعة والمنصوص عليها في عقود التوظيف لهؤلاء، هؤلاء اعتبرهم شيفر أنهم هم المسئولون عن وصول المجموعة إلى حافة الانهيار، بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعوها في إدارة أنشطة المجموعة.

وفي هذا السياق أكد لاورنس أن ما قامت به المجموعة هو أمر معيب حقًّا، مما دفع تيموثى جيثنر وزير الخزانة إلى التفاوض مع المجموعة ومديرها التنفيذي، من أجل اتخاذ كل الإجراءات القانونية والأخلاقية المسموح بها فيما يتعلق بهذه الأموال، وضرورة اتخاذ إجراءات أخرى كتأجيل دفع هذه الحوافز أو حتى العمل على تخفيضها.

وفيما يتعلق بوضع البنوك المتعثرة والتي أعطت لها الحكومة الفيدرالية أموالاً كثيرةً في إطار خطط الإنقاذ الاقتصادية، والكيفية التي تتصرف بها إدارات هذه البنوك في هذه الأموال، أكد لاورنس Lawrence أنه في ظل ما تتضمنه خطط الإنقاذ من إجراءات رقابية وضرورة متابعة عمل هذه البنوك وكيفية تصرفها في هذه الأموال، فإن وزير الخزانة يتابع عن كثب طريقة عمل هذه البنوك ومختلف الأنشطة المالية التي تقوم بها، حتى تضمن الإدارة الأمريكية توجيه أموال دافعي الضرائب إلى قنواتها الصحيحة، وتؤدى مهمتها المنوطة بها في إنقاذ النظام المالي الأمريكي.

وعن مدى فاعلية القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بالتدخل لإنقاذ المؤسسات المالية من الانهيار، أكد لاورنس أنه بالرغم من الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها كثير من المؤسسات المالية الأمريكية ـ والتي كان آخرها قرار المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين AIG بصرف حوافز مالية لكبار موظفيها ـ هذه الأخطاء التي تسببت في نهاية الأمر في حدوث هذه الأزمة العاصفة، بل وتفاقمها لتهدد الاقتصاد ككل، إلا أن الإدارة الأمريكية لم يكن أمامها إلا أن تساعد هذه المؤسسات من خلال خطط الدعم والإنقاذ التي تم الإعلان عنها خلال الفترة الماضية، لأن انهيار مثل هذه المؤسسات يعنى مزيدًا من  التأثيرات السلبية على الاقتصاد.

وتعليقًا على تأكيدات مدير المجلس القومي الاقتصادي بخصوص أن الإدارة لم يكن لديها خيارات أخرى سوى مساعدة هذه المؤسسات ومنعها من الانهيار، أكد فريدمان أن هذا الأمر يوضح المعضلة الأساسية التي تواجهها الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي، فمن ناحية أولى لم يعد لمفهوم العدالة مكان في سياسات الإدارة المتعلقة بمساعدة هذه المؤسسات، بمعنى أن المؤسسات الفاشلة التي لا تستحق أي مساعدة مالية، يتم توجيه أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لها من أجل إنقاذها، فالإدارة الأمريكية تسعى سعيًّا حثيثًا من أجل منع حدوث أي اختلالات أخرى في النظام المالي الأمريكي مما يعرضه لمزيد من المخاطر ومن ثم ينهار في نهاية الأمر.

وعلى الجانب الآخر لفت فريدمان الانتباه إلى أن الغضب الذي صاحب إعلان مجموعة AIG عن الحوافز المالية الجديدة هو غضب مبرر، حيث كان من الأفضل بالنسبة للمجموعة أن تؤجل صرف هذه الحوافز حتى العام القادم، أو تعمل على التوصل إلى اتفاق لتخفيضها، حتى تستطيع المجموعة الخروج من أزمتها الحالية، لأنه إذا كانت هذه الحوافز منصوص عليها في لوائح المجموعة وعقود موظفيها إلا أن الأحوال الاقتصادية السيئة تفرض ضرورة التعامل بصورة مختلفة سواء بتأجيل صرف هذه الحوافز أو العمل على تخفيضها بصورة كبيرة.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/آذار/2009 - 28/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م