الأطفال برعاية الحب

السيد محمود الموسوي

لا تتوقّف انعكاسات الحب على الزوجين فحسب، وإنما لأولادكما نصيب في هذا التأثير، فهم معرّضون للتأثر بأجواء الحب التي تعيشونها فيما بينكما، فإن (الحقد داء دوي، ومرض موبي) كما يقول أمير المؤمنين (ع)[1]، أما الحب فهو الوقاية من ذلك الحقد والعلاج الطارد له إذا ما حل بقلبك.

كيف يتأثر الأولاد بمشاعر الحب بينكما؟

قد تقول أنني لا أملك أي شعور بالحب تجاه زوجتي، فماذا يضير هذا بالأولاد؟

صحيح أن الحب شعور في القلب ولا يمكن تلمّسه بالأنامل  ولا يمكننا رؤيته بالعين، لكن المشاعر في كثير من الأحيان قد تؤدّي إلى انهيار الإنسان وتحطّمه، فكم من رجل جابه المصاعب والأذى، ولكنه لم يصمد أمام دورة قلق بسيطة ألمّت به، فتؤدّي به إلى الانتحار.. دائماً العدو الظاهر أضعف من العدو الخفي.. حيث لا بد من التحسّب له بألف حساب.. وفقدان الحب مرض وحلول البغض مرض.. لذا لا بد من التحسّب للحالة الشعورية التي تكونان فيها لأنها تؤثر على أولادكما، وذلك في مراحل ثلاث:

أ / الجنين في معمل الحب

لا يرتبط جنينك بحالتك الصحية  وبنوع الغذاء التي تتناولينه فحسب، وإنما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاعركِ، فقد أكّد العلم الحديث علــى ذلك، وإليكِ الــنصّ الآتي: (( إن الاضطرابات العصبية للأم توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولّده، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر، ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الأم في دور الحمل إلى الابتعاد إلى الأفكار المقلقة، و الهم والغم، و الاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار))[2]، ((وفي هذا الخصوص يقول أحد علماء النفس: يجب أن يحظى الجنين بالمحبة والحنان أثناء الحمل، ولكي يحظى بذلك يجب على الأم أن تحظى به أولاً..))[3].

ولهذا يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ((الشقي شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه))[4].

إن المشاعر الفيّاضة من الحب لكلا الزوجين، واغداقهما الحب على بعضهما البعض، كفيل بأن يشيع الاستقرار النفسي والسعادة والراحة في جو الأسرة، لكي يتخطّى الطفل مرحلة الحمل بسلام.

ب / الطفل يستنشق الحب

الحب كالهواء، يستنشقه من يشارككما العيش في منزلكما، وعلى رأسهم أبناؤكما فإنهم يتأثّرون بالبيئة المحيطة بهم تأثراً كبيراً، خصوصاً عند مرحلة الطفولة، لأن قلوب أطفالكما صفحات ناصعة البياض، تلوثها المشاعر السلبية، والكلمات السيئة، والنظرات النافرة بكل سهولة..

يقول الإمام علي (ع) في هذا الصدد: ((إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته)) [5].

ولقد سنّ الدكتور رينية. أ- سبيتنز، الاختصاصي الأمريكي في عالم الأطفال، هذه القاعدة: ((المناخ العاطفي هو الذي يحدد نشأة الطفل ومستقبله..))[6].

فعندما تضع ابنك في أجواء يشوبها الحقد والنفور فسوف تصطبغ نفسه بتلك الصفات بفعل القابلية التي يمتلكها، وحين يرى مدى كره والده لأمّه فسوف يحمل حقداً على أحدهما أو كلاهما، وسيحمل ألوان الحقد لأفراد المجتمع ليبدأ مسيرته نحو دمار نفسه ومجتمعه.

فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا رسول الله ما حق ابني هذا؟ قال (ص): (تحسن اسمه وأدبه، وضعه موضعاً حسناً)[7].

والموضع الحسن الذي يشكّل نفسيته بالصفات الطيبة، هو الموضع الذي يسوده عبق الحب، وأريـجه، لكي ينعم بشمّه ويفوح عطره في الوسط الاجتماعي بعد ذلك.

ج / الطفل بين يدي الحب

إن للتربية الأثر البالغ في تكوين الطفل النفسي والعقلي، ولذا فالأسرة تحتاج إلى أن تعيش الكثير من الانسجام بين الزوجين والتنسيق الدقيق بينهما للقيام بمهام التربية،فهذه المسؤولية العظيمة لابد أن يتحمّلها كلا الطرفين، وبدافع الحب للولد لا بدّ أن يسعيا لأن تكون تربيتهما صالحة.

هنا تدخل أهمية رباط الحب بينك وبين زوجك، لأن المربي لابد أن يكون محباً للولد الذي يبقى تحت رعايته، وإلا لن يخلص في تربيته، ولعل من المبالغ فيه أن ندّعي أن هناك أمهات لا يمتلكن رصيداً من الحب اتجاه أبنائهن.. ولكن الزوجة التي تحمل مشاعر فيّاضة من الودّ لزوجها، قطعاً ستكون أكثر حباً للابن الذي أنجبته من زوجها الذي تحبه، من تلك المرأة التي لا تحمل إلا أكواماً من الحقد لزوجها، فتلك الزوجة تشعر بأن هذا الولد ثمرة حب صادق فتنجذب إليه أكثر من غيره..

وإن قلب زوجتك التي تكنّ لك الحب ستكون حريصة على وضع طفلك في أعماق قلبها، فهي تشم رائحتك فيه، ويذكرها بك، لا مثل أولئك النساء اللاتي تنشر قصصهن المجلات والصحف في كل يوم، الآتي يصببن جام غضبهن على أولادهن، جرّاء سوء معاملة أزواجهن لهن.

أما قلب الأم السوي الذي يتلقى الحب فإنه ((يطفح بحب الطفل، ولذلك فهي لا تتوانى عن القيام بأكبر التضحية في سبيل رشده ونموه، وحين تبتسم الأم بوجه الطفل وحين تضمه إلى صدرها، وحين تشمه وتقبّله من فرط الحنان والعطف.. تسري موجة من النشاط واللّذة في أعماق روح الطفل وتبدو على ملامحه وعينه آثار الفرح والرضا ))[8].

وقد ذكرت بعض الدراسات مخاطر الحرمان من المحبة للطفل، حيث يصاب بالغم والاضطراب  ـ وحدوث خلل في العلاقات ـ والقساوة والمرض و التشاؤم وعدم الاهتمام، والنقص في النمو والهروب من البيت وعدم التمتع بالحياة.

و قد(( أظهرت بعض التحقيقات التي أجراها المتخصّصون بالعلوم الاجتماعية أن أساس الكثير من الانحرافات والشذوذ، بما فيها الانحرافات الجنسية والسرقة،والعصابات،.. يجب البحث عنها في مسألة المحبة، لدرجة أن نسبة 91% من المحرومين خلال دراسة واحدة كانوا يعانون من نقص المحبة ))[9].

فصلاح الأولاد مرهون بمقدار مصاحبتهم لأجواء الحب منذ فترة الحمل وحتى نضوجهم في المنزل، ولا تتم هذه الصحبة إلاّ من خلال شعور الزوجين بحب كل منهما الآخر.

* فصل من كتاب الحب في العلاقات الزوجية

www.mosawy.org


[1] / غرر الحكم، 299  ،ص: 299

[2] / الطفل بين الوراثة والتربية ج1 ص107.

[3] / مجلة العربي الكويتية، العدد 423 / ديسمبر 1994م.

[4] / الطفل بين الوراثة والتربية ج1 ص107.

[5] / نهج البلاغة، الكتاب رقم 31.

[6] / كيف تسعد الحياة الزوجية – ص 96

[7] / الآداب والسنن، للإمام الشيرازي ج4 ص367.

[8] / الطفل بين الوراثة والتربية / ج1 ص228.

[9] / الأسرة ومتطلبات الطفل – ص185.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آذار/2009 - 16/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م