إعادة الاعتبار لمبدأ الشفافية

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

من النتائج التي رشحت عن الانتخابات المحلية التي جرت مؤخرا في أربع عشرة محافظة من محافظات العراق هي عودة الاعتبار النسبي للفظة الديمقراطية التي ما من شك في كونها قد تعرضت الى هزة عنيفة أطاحت ببريقها المهيب وحولتها الى مادة للتندر والسخرية على أكثر من صعيد، إذ أن إفراز مجالس للمحافظات جديدة امتاز البعض منها بكونه مغايرا بالكامل عن سابقه السياسي فيما تباينت البقية من حيث هذه المغايرة شدة وضعفا ارجع نسبة من الثقة الضائعة في النفوس وزاد من عوامل الترجي في وصول التجربة الديمقراطية في هذا البلد الى شاطئ أمين في المدى المنظور.

 ولكون الانتخابات هي آلية من آليات الديمقراطية لا أكثر فان انتخابات بهذا المستوى لا تكفي على الإطلاق في إرجاع الثقة كاملة الى النفوس ولا يمكن أن تعطي الطموح بالوصول الى شاطئ أمين سوى قدر يسير من طيب الأمنيات ودواعي التفاؤل، وعليه فلابد من الأخذ بنظر الاعتبار تفعيل آليات ديمقراطية أصاب البعض منها حالة من العطب الشديد إن لم نقل العطب القاتل.

 وعلى رأس تلك الآليات الديمقراطية المعطوبة ما يعرف بمبدأ الشفافية التي أخذت نصيبا وافرا من حالات التهكم وآن لها أن تفرض نفسها على الساحة بجد يزيل عنها ما لحق بها من حيف واستخفاف.

إن السبيل لتعميم ثقافة الشفافية يمر عن طريق وسائل الإعلام فهي الأقدر من سواها على إيصال المعلومات وتعريف الرأي العام بتفاصيل صفقات السياسة والمال ذات المساس المباشر بحياة الأفراد والجماعات، وما لم يتم التعاون والتنسيق الفعال والمدروس بين أجهزة الرقابة والقضاء والإعلام والسماح الفعلي بتدفق المعلومات الى جانب حماية السعاة إليها والمخبرين عنها، فان الدعوات التي تطلقها الحكومة العراقية الحالية ضد الفساد بنوعيه الإداري والمالي تغدو أشبه بأساليب ذر الرماد في العيون بصرف النظر عن مبلغ حسن النية التي تنطوي عليه تلك الدعوات.

 كما أن وضع حكومة المالكي لوزارات بعينها على رأس هرم الفساد من دون الكشف عن أسماء محددة لا يسهم إلا في تسميم الأجواء بين بعض الوزارات وبعضها الأخر ما ينعكس سلبا على الأداء الحكومي عموما هذا أولا.

 وثانيا إن إيراد الاتهام بهذا النحو العشوائي المبهم لا يتعدى عن كونه تلميحا أكثر منه تصريحا, الأمر الذي يزيد من موجة الأسى والاستياء الشعبي، فما الذي يجنيه المجتمع من صيحات سياسية رسمية لا تميط اللثام عن الحقيقة الكاملة ولا تكشف عن عصابات نهب المال العام بالاسم والصورة، ثم كيف يمكن للقضاء أن يحاسب المقصرين في وزارة أو مؤسسة رسمية وجميع من فيها بريء حتى تثبت إدانته بالاسم الفصل...

إن مدار حركة الشفافية يتوزع على أركان ومفاصل إدارة الدولة العامة وبشكل خاص في الأمور المالية، ورغم أن مجلس النواب تأخر كثيرا قبل أن يصدر قانون الموازنة العامة لسنة 2009م، إلا أن ثمة بادرة طيبة تتمثل في نشر هذا القانون في صحف البلاد الرسمية وغير الرسمية كي يتسنى للمعنيين بشؤون المال والأعمال والخبراء في الإدارة والاقتصاد الاطلاع عن كثب على حجم الأرقام الهائلة التي تُرصد من قبل خزينة الدولة الى بعض المواقع الرسمية وبيان وجهات النظر الموضوعية حول مشروعية ومعقولية تلك الأرقام وفيما إذا كان الأولى بها أن توجه لتعزيز مؤسسات رسمية أخرى من شانها وضع برامج أكثر قدرة على مكافحة الفقر والبطالة والارتقاء بالتنمية الشاملة للبلاد.

 فضلا عن معرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مناقلة بعض الأموال من باب إنفاق الى باب أخر والتساؤل العلمي عن بعض الأسرار المالية التي لم تبح بها بشكل واضح وشفاف مواد وفقرات القانون المذكور، فبهذه الطريقة ومثيلاتها يمكن أن تظهر للنور دراسات وتقارير محلية مفصلة تتحدث عن نسبة النمو العام في العراق والى أين وصل حجم الفساد المالي والإداري فيه، وأي رتبة يحتلها هذا البلد في معايير الشفافية العالمية قبل أن تسبقنا الى ذلك كله وكما هو المعتاد دراسات وتقارير المنظمات الأجنبية.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 11/آذار/2009 - 13/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م