إلى متى الرهان على السلفية المتشددة؟

بشير البحراني

في الحديث الشريف عن رسول الله (ص): "لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين"، وهذه البلاد منذ تأسيسها وهي تراهن على السلفية المتشددة، فكأنها من قَبِلَ بالورم يفتك فيه بين الفينة والأخرى!

إن السلفية المتشددة تجربتها مريرة في أفغانستان التي قادتها حركة طالبان في أسوأ حكمٍ سياسي معاصر، وما زال الأفغان يعانون من بقاياها موتًا وجوعًا وجهلاً وتخلفًا!

والسعودية عندما دعمت السلفيين المتشددين في أفغانستان لم تجنِ منهم سوى سقوط قيمها الإنسانية وتشويه سمعتها عالميًا. وعندما حاولت احتواءهم قابلوا الحسنة بالسيئة، فشنوا حملاتهم الإرهابية مهددين أمنها واستقرارها، وكل ذلك باسم الجهاد والدفاع عن العقيدة. وإذ احتوتهم ثانيًا وثالثًا، وغفرت خطاياهم تباعًا؛ عادوا مجددًا إلى كنف الإرهاب، وليس قائمة المطلوبين أمنيًا مؤخرًا إلا مثال واضح على خيانة هؤلاء لولاة أمرهم وللوطن وأمنه!

وتستمر الثقة مجددًا، ولكن إلى متى؟!

ما حدث من اضطرابات في المدينة المنورة أمر فظيع، وغير مقبول إنسانيًا على الإطلاق، وفسح المجال للتشدد بأن يحكم الحرمين الشريفين غير منصف، فكل أحادية يتم إلغاء الآخر فيها بمثابة القنبلة، فكيف إذا كانت هذه الأحادية متشددة، وتستخدم السكاكين والعصي من أجل فرض معتقداتها الدينية المتطرفة قسرًا، في حين أنها لا تمثل إلا فئة بسيطة من المسلمين كافة.

منذ سنوات والبلاد قاطبة تعاني من تجاوزات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أنها تورطت أكثر من مرة في جرائم قتل وما شابه، ومع هذا فعين السلطة عليهم باردة إلى أن انتهى الأمر بإقالة الرئيس العام للهيئة وتعيين آخر. ومع العهد الجديد فصلٌ جديدٌ من تجاوزات الهيئة غير المقبولة، ولكن هذه المرة أمام مرأى رسول الله محمد بن عبدالله (ص)!!

إن تبرئة الهيئة وتجريم الضحية رسميًا منذ اللحظة الأولى، وإسكات الإعلام عن الحقائق كافة، كانت غلطة كبيرة أدت إلى تفجر الأوضاع مجددًا، وأعطى السلفية المتشددة الضوء الأخضر -بشكل غير مباشر- إلى ممارسة العنف بصورة همجية لا يقرها شرع ولا قانون.

يعتقدُ الكثيرون اليوم أن حربًا تُحاك في الخفاء لإلغاء صوت المسلمين الشيعة وممارسة الضغوطات عليهم سواءً بالعنف أو تكميم الحريات وتقليص الحقوق المتقلصة أساسًا، ويعتقدون أيضًا أن السلفية المتشددة غاضبة للغاية من إنجازات المسلمين الشيعة خارج المملكة العربية السعودية، ولذلك فالتنفيس قد يكون عبر الضرب بيد من حديد على الشيعة في الداخل السعودي!!

هذا اعتقادٌ يتداوله البعض، وأسأل الله ألا يكون صحيحًا. وفي كل الأحوال على السلطة الحاكمة أن تتنبه إلى خطر التشدد، بأن تضع لممارساته حدًا يلجمه ويصمته في مكانه أو يعيده إلى صوابه، لأن الفتنة بين أبناء الوطن الواحد تكون على حساب الوطن الأم ككل.

إن هذا الوطن للجميع.. لا رهان على أحدٍ دون الآخر، كما أن الحرمين الشريفين للمسلمين كافة وليس من حقِ فكرٍ أو اجتهادٍ معين أن يكون وصيًا على الممارسات الدينية للآخرين لأنها هي الأخرى مبنية وفق أفكارٍ واجتهادات أخرى يرى فيها أصحابها الحق والصواب.

* كاتب ومؤلف من السعودية

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/شباط/2009 - 2/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م