ثقافة الفضح

عبدالامير علي الهماشي

 لابد من الاعتراف أن الشخصية العراقية انفعالية سرعان ما تغضب إذا ماوجدت خطأًً ما أمامها وتميل الى العنف في معالجة الكثير من القضايا الخلافية، وربما كانت الكتابة متنفسا مهما لتفريغ هذا الشحن العاطفي لدينا.

وكانت احصائية سابقة في مطلع هذا القرن نشرتها إحدى المواقع الالكترونية تبين أن العراقيين هم الأكثر كتابة على الشبكة العنكبوتية بأسماءٍ مستعارةٍ أو بأسماءٍ حقيقيةٍ وكان هذا قبل أحداث التاسع من نيسان عام 2003 وهي شهادة بوجود حراك ثقافي بكل اتجاهاته في المجتمع العراقي المهاجر وبالتأكيد ازداد عدد الكتاب بعد الانفتاح والتغيير وتوفر خدمة الانترنيت في العراق.

 إن الكتابة على الشبكة العنكبوتية قد تخفف كثيرا من حالات الاصطدام المباشر وربما يفرغ انفعالاته على أزرار الكومبيوتر وتظهر على مفرداته التي يستخدمها في تقديم مادته بكل ألوانها.

 وبعد سقوط النظام البائد وانفتاحنا على العالم انضم فريق اخر من الكتاب شعر ويشعر بمرارة ماجرى ويجري للعراق كما هو شأن كتاب المهجر بالتأكيد،ومع فقدان الرقيب وزوال عوامل الخوف والملاحقات القانونية بدأت ظاهرة جديدة فلنسميها ثقافة الفضح أو نشر الغسيل على الملأ دون أي تفكير بعودة المياه الى مجاريها ((سيما أن أغلب أسبابها تعود الى خلافات شخصية)) وكأننا في حرب على غرار ((ياقاتل يا مقتول)).

وهنا لا اُطالب بكم الأفواه أو تقييد الحريات وتفعيل الرقابة الصارمة وإنما أبحث عن خط وسط، وأعتقد أن غيري كثير يطالب بهذه الوسطية في التعامل مع الخلافات الشخصية أو الخلافات السياسية وما ينقل عمن وصل الى المواقع التشريعية او التنفيذية في العراق الجديد أو أي موقع اجتماعي آخر بدون اي ادلة أوبراهين في إثبات مايريد إثباته.

نعم الاثارة مطلوبة في العناويين وبين الاسطر لجلب الانتباه ولقراءة المادة التي كتبها، ولكنها لاتكن على حساب اخلاق الكاتب وسمعة وخصوصيات الاخرين.

فما أسهل الاتهام وماأسهل الفضح وما أسهل أن نُحشد الكلمات وننسق بين الجمل فتخرج متراصة كلوحة فنية ولكنها قاتلة للاخرين وقد نسطر الاف الكلمات ونستخدم قدراتنا ومؤهلاتنا في اخراج مقالات كثيرة لايشوبها الا رائحة الفضح.

قد يعترض بعض المعترضين بحجة الديمقراطية والحرية التي تطلق السنتنا وتترك لاقلامنا ان تكتب ما تشاء في فضح المتلاعبين والمتسلقين والفاسدين.

نعم انا مع ذلك كله،ولكني أجد في الكثير من القضايا بعدا شخصيا أكثر مما هو حرصا على مستقبل وحاضر العراق والعراقيين.

وما يهمني في هذا المجال هو الكاتب ذاته،وأتساءل هل ينطلق من دوافع ذاتية في فضح المستور أم ان حرصه على الحالة العامة تجعله يحشد طاقاته الكتابية ومصادره الخبرية للكتابة في هذا الموضوع؟

لست هنا أضع العراقيل ولكنني أُريد للشخصية ألا تعيش حالة الانفعال والعاطفة وتترك الموضوعية في التقييم.

قد يولد الشعور بالغبن حالة من القلق النفسي فينعكس على السلوك العملي فينتج لنا ثقافة الفضح.

ولكن ماذا سيجني الفاضح من ذلك؟

سيتحول هذا الفعل الى عادة يمارسها ثم الى مرض لا يمكن له التخلص منه فتكون مهنته البحث عن عورات وزلات غريمه أو من تبوأ مقعدا كان يتمنى أن يكون له أو يرى أنه الأجدر به.

وتبقى المشكلة مستمرة مادمنا ننطلق من الذات،وهي لاتعالج بين ليلة ضحاها لاننا نواجه مثل هذه الامور يوميا لاسيما في عراقنا الجديد حيث انقلب الوضع رأسا على عقب ووصل الى مواقع التشريع والتنفيذ اناس يرونهم كأقران واصدقاء فلماذا وصلوا ولم يصل غيرهم!!!!؟

اتمنى ان ننطلق من الشعور بالمسؤولية أولا وأخيرا وتلك هي كلمتي لاغير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/شباط/2009 - 30/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م