ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 

 

وغارَت عينُ الحياة

من وحي مأساة وفاة النبي الأكرم محمد (ص)- 28 صفر 1424هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وأجـفَلَ دون صَــداكَ الصَدى

فــظلَّ يُـــحاكِي نَــدَاكَ الــندى

فـــكُنت الــعَطاءَ وكُـنــتَ اليَدَ

فكــيفَ تغيبُ بـِغَورِ الـــرَدى؟

 

تَصـَاغَرَ دون مَـــدَاكَ المَــــدى

تجـــارَيتَ غيثـــاً بِجَــدبِ الفَلاةْ

وسِــــلْتَ نَميــراً بِقَــفْرِ العطاءَ

تمــورُ الحيــاةُ على ضِفَّتَـيــــكْ

لا تغِبْ أيها الشَفَقُ المؤذِنُ بالرحيل فيغيبَ معَكَ شفَقُ الحياة، لاتخبوا أيها النَجْمُ فيخبوا مَعَكَ وَهَجُ الخلود، لا تنقطِعي أيَتُها الأنفاسُ فينقَطِعَ معَكِ سُرَى الحُلُمِ الجميلِ. سيدي أيُها المُصطفى لاتُسْلِم عينَيكَ للرِقادِ الأبَدِيِّ فما زال لِطَيْفِ الفضيلةِ أملاً أن ينسَرِب في بحورِ عينيك، سيدي لاتُسبِل يديكَ للموتِ فما زال لنهرِ الحياةِ أملاً أن يسيلَ بين ضِفَّتَيْك، سيدي لا تُطبِق شَفَتَيكَ للرَدى فما زالت الكلماتُ تتمنى أن تتجارى فيهِما لتنبعث منهُما لآلئُ الفِردَوسِ على الأرضِ الجَدباء، سيدي لاتَمُدَّ رِجْلَيكَ على فِراش الرحيلِ، سيدي دع قَدَمَيكَ تُلامِسانِ التُراب فما زالت الرُؤى تطوف حولَ وقْعِهِما ... ما زالتِ الرؤى تطوفُ على أدِيمٍ لامَسَ القَدَمَينِ اللَتَينِ شَرَّفَتَا بِساطَ القُدرةِ فتَقطَعَ مَعَهُما رِحلَةً دامَت ثلاثاً وستين سنَةً كانت هي الفاصِلَ القصيرَ بين الميلادِ والرَحيل.

هُناكَ عندَ أفُقِ الميلادِ أشرَقتِ الشمسُ على يتيمٍ يتوَهَجُ نوراً يُخمِدُ النيرانَ، أشرَقَت على صَغيرٍ يمتَلئُ عزماً يزَلزِلُ الإيوان. كانت مسيرَةُ الخُطواتِ المُقَدَّسَةِ لم تبدَأ بعدُ والصغيرُ تتناوَلُهُ مُرضِعَتُهُ على مَضَضٍ لِيُتمِهِ وقِلَّةِ الدر. ولكِنَّ بَرَكةَ الوَليدِ تملأُ الدَرَ والحيَّ والمرابِعَ حياةً وخِصْبَا. ومِن مضارِبِ البادِيَةِ بَدأت حبَّاتُ التُرابُ الملتَهِبَةِ بحرارةِ الشمسِ تتزاحَمُ لِتُعانِقَ بُردَ القَدَمينِ الصغيرَتينِ اللتين كانَتا تمشيانِ على هونٍ وتختطان الفصلَ الأخيرَ من درب الرسالاتِ المُوَشَّى بالتضحياتِ الجِسام.

بين آكامِ الأصنامِ الجاثِمَةِ في فِناءِ البيتِ الحرام كانَتِ الخُطُواتُ تطوفُ على البيتِ العتيقِ، فترتَعِدُ من وَقْعِها فرائِصُ هُبَلَ واللات. كانَ في السادِسَةِ من عُمُرِهِ الشَرِيفِ عِندَماَ طوى مع أُمِّهِ آمِنَةَ وأُمِّ أيمُنَ طرِيقَ يَثْرِبَ للمَرَةِ الأولى لزيارةِ أخوالِهِ ورسَم على تِبْرِ الصحراءِ نحتاً في قلبِ الدربِ الذي ظلَ يرتَقِبُ عودةَ السائِرِ الذي أسكَرَ التُرابَ نشوَةً وحَبوراً. وعادَ الراحِلُ الصغيرُ ولكن كيف عاد؟ عادَ مكسورَ القلبِ دامِعَ العينِ مع أُمِّ أيمن وكَفُّهُ الصغيرَةُ خُلوٌ من يدِ أُمِّهِ التي صافَحَها المنونُ لتترُكه يتيمَ الأبِ والأمِّ وهو بَعدُ في نَضارَةِ الطفولَةِ ورَيعانِ الصِبا. عادَ إلى جدِّهِ يتيماً لايَجِدُ الإنكِسارُ إلى نفسِهِ العظيمَةِ سبيلاً. وَطوى المنونُ جَدَّهُ فسَرَت خُطواتُهُ الثقيلَةُ تنقُلُهُ الى دارِ عَمِّهِ ليقضي فيها باقيَ دَورَ الصِبا والشَباب.

وفي ماتَبَقَّى من صِباهُ كانَت بعضُ خُطُواتِهِ تختَلِطِ بخُطُواتِ الأغنامِ التي يَرعاها. وما لَبِثَ أن شَبَّ الصَبِيُّ الصغيرُ وصارَ شاباً يافِعاً تتجارى النضارَةُ والجمالُ في خدَّيهِ المُوَرَّدَينِ. وصارت أقدامُهُ تسايِرُ ميسَرَةَ والإبِلَ التي تحمِلُ تجارَةَ خديجةَ. ثُمَّ حلَّ الشَرَفُ في بيتِ بنتِ خويلِدَ الحكيمةِ وشرَّفَت أقدامُ مُحَمدٍ أديم دارِها وفُرُشَهَا التي صارَ يغبِطُها سندُسُ الفِردَوسِ الأعلى. وراح يغدوا ويروحُ بينَ بيتِها وبيتِ رَبِّهِ، لكنَّ خطواتِهِ كانت تتقطع بين البيتين وهو يرقى جبَلَ النورِ ليَختَلِيَ بربِهِ في غارِ حِراءَ ليسَ مَعَهُ إلا آمالُ الكونِ المعقودَةِ عليهِ وعلى رفيقِهِ الصغيرِ الذي يعبُدُ اللهَ مَعَه. كانت مكَّةُ كُلُّها تضُجُ باسمِ اللاتِ والعُزَّى إلا هذا الغار كان يمتلئ بنجوى محمدٍ وعليٍ ...يا الله. وفي اليومِ الموعودِ خاطَبَه الجليلُ وكلَّفَه وشَرَّفه بالرسالة فصارت خُطواتُ محمدٍ تغور في التُراب بقوةٍ وهي تحمِلُ ثِقْلَ الرِسالةِ العظيم.

وهَبَطَ من الغارِ ولَقِيَهُ ناصِرُهُ الأولِ وآمَنت به محِبَتُهُ الكُبرى وراحَ الصعيدُ يمورُ بصورَةِ صلاةِ الجماعَةِ الأولى التي تعلوا تكبيراتُها بين آكامِ الأصنامِ الصَمَّاء. وبدَأَتِ عليه الحربُ. إستولى على ألبابِهِم ببَيانِهِ السَاحِرِ فاتَّهَموه بالسِحرِ. ألقى في جفافِهِم لآلئ النَجاةِ الرحيمة، فرَجَموا بيتَهُ بالحِجارَة. أرادَ لهم أن يخرُجوا من ظَلامِ رَحِمِ عبادَةِ الأصنامِ الى فَضاء عبادَة اللهِ الرحيبِ، فألقوا رَحِمَ الشاةِ المذبوحَةِ للأصنامِ عليه. زَرَعَ وَردَ الهِدايَةِ في طريقِهِم، فوَضَعوا شوكَ الحِقدِ في طريقِهِ. نَثَرَ تِبْرَ الرحمَةِ على رؤوسِهم، فنَثَروا تُرابَ القسوَةِ على رأسِهِ الشريفِ. فَتَحَ لهُم مساريبَ السماءَ ليستنشِقوا عبَقَ الجَنَّةِ، فخنَقَهُ ابنُ أبي مَعِيْطٍ حتى كادت تفيضُ روحُه الشريفة.

لكنَّه رغمَ كُلِّ ذلكَ لم يتراجَع قيدَ أُنْمُلَةٍ عن نهجِه القويمِ. ظَلَّ كالوَردَةِ تُعَطِّرُ كَفَّ قاطِفِها، كنورِ الشمسِ يُضِئُ لأنَّهُ أهلٌ للضِياءِ وَحسْب، كالمَطَرِ يهمي ليسقيَ الياسَمِينَةَ والشوكةَ على حدٍ سَواء. وظلَّ صوتُهُ وسطَ صمودِهِ وأذى قومِهِ يملأُ الآفاقَ "ما أوذيَ نبيٌ مِثلَ ما أُوذيت". وشاءَ الله أن يَهَبَهُ في جَديبِ القسوَةِ جدوَلاً يتدافَعُ حُبَّاً وأريَحيةً، شاءَ أن يَهَبَهُ في نتَنِ الوَثَنِيَةِ أريجاً تستافُ من عبيرِهِ الجنَّةُ وأهلُها، شاءَ اللهُ أن يَهَبَهُ سُلوَةً تشُدُّ من أزرِهِ في دربِهِ الشائِكِ، شاء الله أن يهبَ يتيمَهُ أُمَّاً. فاجتمع جدولُ الحُبِّ وأريجُ الجنَّةِ وسِلوَةُ السماءِ وأمِّ أبيها في جسدٍ واحِدٍ ... فكانت "فاطمة".

ونَهَضَت فاطِمَةُ تقومُ بدورِ أُمِّها الغادِيَةِ إلى حيثُ كان يصدُرُ سلامُ الجليلِ المخصوصِ لها. كانَت فاطِمةُ تُتابِعُ أباها بقلبِها قبلَ عينيها. رأتهُ ساجِداً وقد وضَعوا على ظهرِهِ سَلَى الجَزورِ فجاءت ورفَعَتُهُ عنهُ ودُموعوها تتجارى على وجنتيها الطاهِرَتَين. وراحَ يوماً إلى الطائفِ لدَعوَةِ ثقيفٍ وقد ماتَ ناصِرُهُ في مَكَةَ شيخُ البطحاءَ. فرَفَضتهُ ثقيفٌ وردُّوا عليهِ بفاحِشِ القولِ وأغرَوا بِهِ الصِبيانَ والعَبيدَ فرَمَوهُ بالحِجارَةِ حتى أدْمَوا رِجلَيهِ وشَجُّوا رأسَهُ الشريفَ فالتَجَأ الى ظِلِّ شَجَرَةٍ يُناجي رَبَّه: " اللهمَّ إنِّي أشكوا إليكَ ضَعْفَ قُوَّتِي وقِلَّةَ حِيلَتي وهَواني على الناسِ يا أرحمَ الراحِمِين". وعادَ إلى دارِهِ داميَ الجسمِ مُثقَلاً بالآلامِ فقامَت تتلقاهُ أُمُّ أبيها وتمسَحُ الدَمَ عن جبينِهِ وَرِجلَيهِ وهو يمسَحُ الدَمعَ عن وجنَتَيها وصدرُهُ الرحيمُ يُبادِلُها عطفاً بعطفٍ وحناناً بحنان. وراحَ ملجَأُ الوجودِ لايجِدُ ملجأً آمِناً يضُمُّهُ وقبائِلُ العربِ ترفضُهُ وتطرِدُهُ واحِدَةً بعدَ أُخرى حتى تَعالى صوتُهُ يُقَطِّع الجِلمودَ وهو يتبعُ الناسَ في منازِلِهم ويُنادي: "من يُؤويني؟ من ينصُرُني؟"، ويقِفُ على الرُكبانِ ويهتِفُ بصوتٍ يمزِّقُ الألمَ ألَماً: "ألا رجُلٌ يحمِلُني ألى قومِهِ، فإن قُرَيشَاً قد منَعوني أن أُبَلِّغَ كلامَ ربِّي".

ولَمّا أحسَّ أن أحشاء مَكَّةَ صارَت سبِخَةً بعنادِ أهلِها يمَّمَ وجههُ تلقاءَ يثرِبَ المعشوشِبَةِ حُباً وشوقاً له ولِدَعوَتِه. وخَرَجَ والقومُ وقوفٌ لايَرَون شَخْصَهُ، قد أعمى اللهُ أبصارَهم كما أعمى الشيطانُ بصائِرَهُم. وتَرَك علِيَّاً في فِراشِهِ يقيهِ بنفسِهِ، ووقف ينتِظرُهُ ورَكْبَ الفواطِمِ في "قِبا" وفؤادُهُ وَجِلٌ عليهِم. وأطَلَّ عليٌ ورَكبُهُ فدَخَلوا جميعاً إلى يَثرِبَ تحوطُهُم قلوبُ الخُلَّصِ من المهاجِرِين والأنصارَ ونبضُها يهتِفُ باسمِ محمد (ص). فآخى بينَهُم وإدَّخَرَ علِيَّاً لنَفْسِهِ وإستَلَّهُ حُساماً على أعدائِهِ وإنتَضاه شُعاعاً يكشِفُ بهِ ظَلامَ الشدائِدِ عن وَجهِه. فكفى بهِ المؤمنينَ والملائكةَ المؤونةَ في بَدر،ٍ ورَدَّ بهِ الكتائِبَ في أحُدٍ... كُلَّما جاءت كتيبَةٌ قال: "رُدَّها ياعلي... رُدَّها ياعلي". وكفى الله به المؤمنين القتال في الأحزاب، وانتصر به اللهُ لِرَسولِهِ في خيبرَ وحنين.

وبَقي محمدٌ(ص) بين أظِلَّةِ السيوفِ وحفيفِ النخيلِ في يثرِبَ أنشودَةً في فمِ الدهرِ وأسطورَةً في ضميرِ الأجيالِ وترنيمَةًً في ملَحمَةِ الخُلودِ. فهاهوَ يربِطُ حجَرَ المَجاعَةِ على بطنِهِ الخاوي من الزادِ ويُؤثِرُ بهِ فقَراء المدينَةِ ومُحتاجيها. وها هو يضرِبَ أعظمَ أمثِلَةَ الزُهدِ وهو يُصَرِّحُ قائِلاً: "عَرَضَ عَلَيَّ ربِّي لِيَجعَلَ لي بَطحاءَ مَكَّةَ ذَهَبَاً، قُلتُ: لا يا ربِّ، ولكن أشبَعُ يَوماً وأجوعُ يَوماً، فإذا جِعْتُ تضرَّعتُ إليكَ وذكرتُك، وإذا شَبِعتُ شكَرْتُكَ وحمَدتُك". وهاهي حبيبَتُه تأتيهِ بكِسْرَةِ خُبْزٍ فيقولُ: "ماهذهِ الكِسرَةُ يافاطِمَة؟ قالت "قرصُ خبزٍ، لم تَطِب نفسي حتى أتيتُكَ بهذه الكِسرَة. فقال(ص): "أما إنَّهُ أوَّلُ طعامٍ دخَلَ فَمَ أبيكِ منذُ ثلاثةِ أيَّام". وهاهو يفيضُ رَحمَةً وشَفَقَةً على أعداءِه... يعفو عن وحشِّي قاتِلِ عمِّه، وعن اليهودية التي قَدَّمَت لهُ الشاةَ المسمومَةَ، وعمّن شَهَرَ السيفَ على رأسِهِ ثُمَّ استعطَفَه بحِلمِه، بل ويَعفوا عن قُريشٍ بأسرِها. وهاهو يترفَّعُ عن حُطامِ الدنيا ويعيشُ مع المساكينِ ويقولُ: "اللهمَّ أحيِنِي مِسْكِينَاً وتوَفَّنِي مِسكينَاً واحشُرني في زُمرَةِ المساكين". كان يُصافِحُ الحصيرَ بِخَدِّه، ويَرقَعُ ثَوبَهُ بيدِه، ويَخصِفُ نَعْلَه، ويَحلِبُ شاتَه، ويجلِسُ مع العبيدِ.

وظلَّ حُلُماً في ذاكرة الأيامِ سُرعان مانقَضى وأزِفَ للرحيل.لَمَّا دنا يومُ رَحيلِهِ عن الدُنيا عاوَد الوصِيَّةَ بآلِهِ، وأكدَّ البيعَةَ لخليفَتِهِ، وعادَ من حَجَّتِهِ الأخيرَةِ عليلاً ناحِلاً، تعلوا الصُفرَةُ وجهَهُ ويستولي الشُحوبِ على مُحَيَّاه، وتعجزَ قدَماهُ عن حملِهِ، وتتلعثَمُ الكلماتُ في لُهاتِهِ، ويُسارِعُ الذُبولُ الى أعضائِهِ. ودَخلَ دارهُ مثقَلاً مٌتعَباً وهو الذي أثقَلَتهُ الرسالةُ وأتعبَ العظمَةَ والعُظَماء من بعدِه. واستلقى على فراش الموتِ ودعى إليهِ حبيبَتَهُ، فلمَّ رأتهُ فاطِمَةُ بَكَت وانكَبَّت عليهِ فضَمَّها إليه وقالَ بصوتٍ ضعيفٍ: "يا فاطمة لاتبكي فِداكِ أبوكِ فأنتِ أولَ من تلحَقينَ بي مظلومةً مغصوبة". ولما إجتمع عنده عليٌ وفاطمةُ وحسَنٌ وحُسينٌ قال لأمِّ سلَمَةٍ: كوني على البابِ فلا يَقْرَبْهُ أحَدٌ، ففَعَلَت. فقال كلِمَتَهُ التي طالَما هتَفَ بها ولكنه قالَها همساً هذه المرَّة: "يا علي"، فدَنا منهُ أبو الحسن فأخذ بيدِ فاطمةَ فوَضَعَها على صَدْرِهِ طويلاً وأخذَ بيَدِ علِيٍ بيده الأخرى، فلما أراد (ص) أن يتَكَلَّمَ غلَبَتهُ عَبْرَتُهُ ولم يَقدِر على الكلامِ، فبكَت فاطمةُ بكاءً شديداً وبكى عليٌ والحسنانِ في مشهدٍ عصيبٍ على صفوةِ الربِ الجليلِ وعلى الملائِكَةِ الهاتِفَةِ "وللآخِرةُ خيرٌ لكَ منَ الأولى". ثم رفعَ (ص) رأسَهُ إليهِم ويدُ فاطِمَةَ لازالت في يدِه فوَضَعَها في يدِ عليٍ وقال: "يا أبا الحَسَن هذه وديعَةُ اللهِ ووديعةِ رسولِهِ محمد عِندَك فاحفظ اللهَ واحفَظني فيها، وإنَّكَ لفاعِل. "ياعلي ويلٌ لِمَن ظلَمَها، وويلٌ لمن ابتَزَّها حَقَّها، وويلٌ لمن انتَهَكَ حُرمَتَها، وويلٌ لمن أحرَقَ بابَها"... ونُكملُ نحنُ ماتبَفى من المأتم: وويلٌ لمن عصَرَها ببابِها، وويلٌ لمن كسَرَ ضِلعَها، وويلٌ لمَن أنبَتَ المِسمارَ في صَدرِها، وويلٌ لمَن أسقَط جنينَها، وويلٌ لمن لَطَمَ عينَها، وويلٌ لمن نثَرَ قِرْطَها، وويلٌ لمن ألَّم مَتنَها. ثُمَّ نادى باسم أبي الحسن للمرَّةِ الأخيرَة: "ياعلي... خذني إلى صدرِكَ". وصارت أنفاسُ فاطمَةٍ تتسارعُ وهي تسمعُ أنفاسَ أبيها تتباطأُ مع مابقي من نجواه الطويلةِ معَ عليٍ حتى إنقطَعَت أنفاس المصطَفى وإنسَلَ وصيُّهُ من بينِ يديهِ ورمى عمامَتَهُ على الأرضِ وشَهَقَ باكياً: عظم الله لكم الأجر في نبيكم.. لقد مات محمد..مات وغارت روحُهُ في سَرمَدِ الفردوسِ لتغورَ بعدَهُ عينُ الحياة.

ويَــرْعُفُ دَمْـعَاً علَيْكَ الهُدَى

تُـــفَدَّيكَ لكــن يَعِـــزُّ الــفِــــدَا

وأيَّـــامُ عِــزِّي تلاشَت سُـدى

فعُــمركَ أقـصى انـتِهاهُ ابتِدَا

 

تذوبُ الشواطِئُ في مُقلَتَيْك

وتَصْفِقُ راحاً عليكَ البتولُ

بمــوتِكَ دارَت عَلَيَّ الليـال
ولكن ستَبقى بقلبي الحياة

معتوق المعتوق

تاروت-القطيف- 28/2/1424هـ

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -  السبت 3/5/2003 - 1/ ربيع الأول/1424