رمادٌ بين يدي أبي تراب

في غدير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (ع) – 18 ذي الحجة 1423هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

حينَما وقَفَ الرَكْبُ على ضفافِ الغديرِ، اقتربتِ الشمسُ من الكفَّينِ المتشابكتين، وأرهفت الملائكةُ السمعَ للنداء المجلجل من فوق أَحدَاجِ الإِبل، وتعالى من أرجاءِ "خُم" صوتٌ ملأ الفضاءَ الرحيبَ وتجاوز العصورَ والسنينَ ودوّى في ذُرى الخلود: "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه". حينَها تعملَقَ الغديرُ بأميرِهِ، فكان كلُّ ما فيه رمادٌ بين يدي أبي تراب (ع).

تحنو لمسْكَنِكَ الضُلوُعُ الرُكَّعُّ

 

 

وإلى غَدِيرِكَ تستَطِيلُ الأَذْرُعُ

 

جَفَّتْ ينابيعُ الخُلُودِ فَكانَ في

 

 

"خُمٍّ" وبيعَتِهِ الربيعُ المُمْرِعُ

 

وتَرَقَرَقتْ عيْنُ الحياةِ و"خِِضْرُها"

 

 

وهمى الغديرُ فَعَبَّ منهُ البَلْقَعُ

 

وتألَّقَتْ شمسُ "الأميرِ" وحَوْلَها

 

 

شمسُ الهجِيرِ فأيُّ شَمْسٍ أسْطِعُ؟

 

وتَنَزَّلَت من أُفْقِها محبورَةً

 

 

زُمَرُ الملائِكِ والنُجُومُ الطُلَّعُ

 

وسما "عليٌ" فوق أحداجِ السَما

 

 

ويَسارُه يُمْنٌ بأحمَدَ تُرفَعُ

 

وتشابَكَت كفّاهُما فكأنما

 

 

شَطْرَا فؤادٍ والأنامِلُ أضْلُعُ

 

سُبحانَ من رسَمَ الفؤادَ فكان من

 

 

كفَّيهِما، فهو العظيمُ المُبْدِعُ

 

وتَسَمَّرَتْ لُغَةُ الكلامِ وأجْفَلَتْ

 

 

شِفَةُ القرائِحِ والبيانُ المِصْقَعُ

 

فَتَنَفَّسَ الصُبحُ الجَلِيُّ وصَوتُهُ

 

 

لحناً يُرَدِّدُهُ البشيرُ ويَصدَعُ:

 

هَدْيِيْ فُراتٌ من نميرِ عطائِهِ

 

 

يسقي غديرَكُمُ "البطينُ الأنزَعُ"

 

 

***

 

يا أيُّها الفَلَكُ المَهِيْبُ قداسَةً

 

 

أعيى النُجومَ إلى عُلاكَ تَطَلُّعُ

 

يا أيها اللحنُ الذي هتَفَتْ بهِ

 

 

سوَرُ القصيدِ فآيُها لكَ تَتْبَعُ

 

يا أيُها البحرُ الذي فُتِنَتْ بهِ

 

 

سُفُنُ المَدِيحِ فما حوَتها الأشْرُعُ

 

للهِ دَرُّكَ من نشيدٍ خالِدٍ

 

 

وحِكَايَةٍ بِفَمِ المَكَارِمِ تَسْجَعُ

 

ورِوايَةٍ كَتَبَتْ بَياضَ فُصُولِها

 

 

بينَ السَدَائِمِ، والفَضَائِلِ أشْمُعُ

 

في مَخْدَعِ التوحيدِ شَعَّ هِلالُها

 

 

فبِهِ خِتَامُ فُصُولِها والمَطلَعُ

 

حمَلَتْهُ لَبْوَةُ هاشِمٍ وسَرَت بهِ

 

 

للهِ، هل تحوي الجِبالَ الأسْبُعُ؟

 

وتشَققت جُدُرُ الضُراحِ فأعذَرَت

 

 

بيتَ المُهيمِنِ إذ بِنُورِكَ يُصْدَعُ

 

(وَضَعَتهُ في حَرَمِ الإلهِ وأمْنِهِ)

 

 

وبِبُرْدَةِ البيتِ العَتِيقِ مُلَفَّعُ

 

وعلى سَنامِ العَرْشِ هَلَّ وليدُها

 

 

فجْراً يُقَبِّلُهُ السنامُ الأرْفَعُ

 

 

***

 

يا صِنْوَ مبعوثِ السَماءِ وخِدْنَهِ

 

 

حارَ القريضُ، فما بمدحِكَ يَصْنَعُ؟

 

مُنذُ الطُفولَةِ كُنتَ ناصرَ أحمَدٍ

 

 

والنورُ يحمِلُهُ المنارُ ويرفَعُ
 

بالدارِ كُنتَ ربيبَهُ ونَجِيَّهُ

 

 

وبدَرْبِهِ أنتَ القضيمُ الأمنَعُ

 

في الغارِ رَجْعُ صدىً لصوتِ دُعائِهِ

 

 

وبِِسَفْحِهِ أنتَ الحُسامُ الأقْطَعُ

 

في الليلِ أنتَ سُكُونُهُ ونسيمُهُ

 

 

وإذا انجَلى صُبحُ الجهِادِ فزَعزَعُ

 

أَثْقَلْتَ أملاكَ السماءِ زَنَابِقاً

 

 

فعبيرٌها مما أفَضْتَ يُضَوَّعُ

 

غَبَِطَتكَ في لَيلِ المبيتِ فجلجَلَت

 

 

أصواتُها لذُرى الخلودِ تُلَعلِعُ:

 
 

عَشِقَتْكَ أسرارُ المعالي، كُلَّما

 

 

قد أُفرِدَت في الناسِ فيكَ تَُجْمََّعُ

 

 

***

 

يا فارِسَ الهيجاءِ والسيفَ الذي

 

 

بِشَبَاهُ فُرسانُ الضَلالَةِ صُرِّعُوا

 

في يومِ "بَدْرٍ" كُنْتَ بَدْرَ سمائِها

 

 

فوق "القليبِ" وماؤُهُ يتَضَرَّعُ:

 

خضِّبْ رِشاءَكَ من دَمِ الكُفْرِ الذي

 

 

ماضِيْكَ ينزَحُهُ ورُمحُكَ يتْرَعُ

 

فحَطَمْتَ هامَةَ كُفْرِهِم وتَرَكْتَهُمْ

 

 

ذُعراً تغورُ دِماؤهم وتُرَوَّعُ

 

وبِِأُحْدَ و الأحزابِ يا ليْثَ الوَغى

 

 

 

أعْجَلتَ نَفْخَ الصُورِ نحوَكَ يَهْرَعُ

 

وقَتَلْتَ "عَمْرَهُمُ" ونَكَّسْتَ اللِوا

 

 

وعلى لِوائِكَ ألفُ نصرٍ يَسطَعُ

 

مِنْ قَبْلِ "خيبَرَ" لم تَرَ الدُنيا فتىً

 

 

يَدَعُ الحصونَ حواطِماً تتوَزَعُ

 

وشَطَرْتَ "مَرْحَبَهم" فماذا "مرْحَبٌ"

 

 

ما البابُ؟ ماذا (الأربَعونَ وأربَعُ)؟

 

 

(أأقولُ فيكَ سُمَيْدَعٌ) يا سيدي؟

 

 

(حاشا لِمِثْلِكَ أن يُقالَ سُمَيْدَعُ)

 

أعْطَيْتَ تيَّارَ البُطولَةِ رَشفَةً

 

 

وبقيْتَ أنت بها المُحيطُ الأوْسَعُ

 

 

***

 

يا مَجْمَعَ الأضْدَادِ والنورَ الذي

 

 

تاهَ البرايا في سَنَاهُ وضَيَّعوا
  

قُلْ لي بربِّكَ ما لأنَّاتِ الدجى؟

 

 

هذا الوجودُ بِفَيء مجدِكَ يَضرَعُ

 

ما زَفْرَةُ المِحرابِ ما هَجْرُ الكَرى؟

 

 

شوقاً إلى جنبيك عَجَّ المَضْجَعُ

 

ما عبرَةُ الأيتامِ ما الكَفُّ التي

 

 

مَسَحَتْ جَدَائِلَهُم فَجَفَّ المَدْمَعُ

 

ما ثوبُ قنبَرَ ما الرِداءُ وما بِِها

 

 

قُبَلُ الحصيرِ على خُدُودِكَ تُطْبَعُ؟

 

ما المِلحُ ما الخلُّ الذي غُمِسَت به

 

 

شُوبُ الليالي والرَزايا الوُلَّعُ

 

يا أعزَبَ الدُنيا ومِطْلاقَ الهوى

 

 

ما عادَ فيكَ لِذَي المطَامِعِ مَطْمَعُ
 

تطوي على سَغَبٍ وعِندَكَ تِبْرُها

 

 

لِيَذُوقَ من كفَّي عَطاكَ الجُوَّعُ
 

وتَجُوبُ في غَلَسٍ ومِلؤُكَ رحمَةٌ

 

 

لِتَمُرَّ طَيْفاً يشتَهِيْهِ الهُجَّعُ

 

قَصَدَتْكَ دُنياهُم فما ساوَت سِوى

 

 

نعلٍ خصيفٍ من يَمِيْنِكَ يُصْنَعُُ

 

وقطيفَةٍ رقَّعْتَها مُتَفاخِراً

 

 

هل من أميرٍ للباسِ يُرَقِّعُ؟

 

وبَقيتَ صِفْرَ الراحِ لم تملُك سِوى
 

 

كيسٍ ختَمتَ، بهِ القناعَةُ تقْنَعُ

 

رُحماكَ يا دَربَ الرشادِ وَنَهْجَهُ
 

 

تفنى الدُروبُ وذا صِراطُكَ مَهْيَعُ

 

 

***

 

سَتَظَلُّ ذِكْراكَ الخَصِيبَةُ مَنْهَلاً

 

 

ترتَادُهُ عُجْفُ الدُهورِ فتُمْرِعُ

 

وتَظَلُّ لَحناً لا يُحَدُّ لهُ صدىً

 

 

فلأنتَ أعذَبُ ما وَعاهُ المسمَعُ

 

وتَظَلُّ نَجماً لا يزيدُ بَرِيقَهُ
 

 

حَلَكُ اللياليَ غيرَ وَهْجٍ يَسْطَعُ
 

ويَظَلُّ سِرُّكَ قصَةً مكنونَةً

 

 

بين الإلَهِ وأحمدٍ تُستَودَعُ

 

وتَظَلُّ ليثاً لن تُرِيْعَ عرينَهُ

 

 

"حِمَمُ النسورِ" المُرْجِفاتُ الرُوَّعُ

 

ويَظَلُّ  قَبْرُكَ  ملجأً  يهفو لــــه      
 

 

 

خَوْفُ "الغَرِيِّ" وأمنُهُ المتَضَرِّعُ

 

سيعودُ جيشُ الكُفْرِ يسحَبُ ذيلَهُ

 

 

ويقََرُّ في المهْدِ المَروعِ الرُضَّعُ
 

فكما كفَيتَ المؤمِنِينَ قِتالَهًُم

 

 

فاكْفِ العِراقَ وأهلَهُ يا مفزَعُ

 

 

***

 

جُنَّتْ عُرُوقيَ واستَقامَت مِرَّتي،
 

 

من حُبِّكَ الصافِي دِمائِيَ تَجْرَعُ
 

ها قَد أتَيتُكَ في يمينيَ وَردَتي

 

 

فاسكُبْ عبيرَك فوقََها يتَضَوَّعُ

 

ومَدَدْتُ كفِّي نحو حَوضِكَ أنتَ لي
 

 

-لِجلاءِ هَمِّي- (شافِعٌ ومُشَفَّعُ)
  

يا ساقياً قتَّالَهُ اللبَنَ، اسقِني
 

 

لا لن أخيبَ وحَوضُ جُودِكَ مُترَعُ

 

سأظَلُّ أهتِفُ يا "عليٌ" كُلَّما

 

 

جَثتِ الخُطوبُ على دُروبيَ تَقبَعُ

 

وأظَلُّ بينَ عِداكَ أشْنَأُ بغيَهم

 

 

وأَصُفُّ مَدْحَكَ لُؤْلُؤاً يتَرَصَّعُ

 

أكَل التُرابُ الشانِئِينَ وحِقدَهم
 

 

و "أبو تُرابٍ" مجدُهُ يتَرعرعُ
 

 

معتوق المعتوق

 تاروت-القطيف- 17/12/1423هـ

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الأربعاء 19/2/2003 -  17/ ذو الحجة/1423