قليلة هي المواد الكمالية التي تشيع في النفوس
البهجة والسرور والاعتداد بالشخصية، وتكتسب مواد مثل (البخور)
و(الصابون) و(المسواك) اهتماماً لدى المتطلعين إلى قضاء يوم فضيل من
حياتهم. ففي مثل هذه المواد استكمال لمعنى الوجود الإنساني المبارك.
ما أدرانا بمادة البخور الفواحة التي كانت
ملازمة لجلسات الندماء في الأفراح والاتراح على حد سواء فهي مادة لها
حضور شفاف في ترقيق الأجواء والارتفاع بالمشاعر إلى ذرى الود والمحبة
والإخاء.
وتوضح كتب الأقدمين وبالذات منهم الرحالة
اليونانيون شيئاً مما تم تدوينه عن قصة البخور وتشير بعض تلك
المؤلفات التي كتبها أولئك الرحالة، الذين جابوا مناطق آسيا قبل حلول
عهود التاريخ الميلادي إلى ازدهار تجارة البخور في جنوب الجزيرة
العربية، وثمة أدلة مستحصلة من مدونات أثرية تتحدث عن فصول من يوميات
الحياة السائدة قديماً بمملكة سبأ في بلاد اليمن، التي ذكرها القرآن
الكريم في قصة الملكة بلقيس المعروفة.
ويوضح نص آشوري مرقوع كيف أن التجارة المروجة
للبخور المنقولة عبر قوافل الجمال كانت منتظمة ويدفع أصحابها الضرائب
إلى السلطات الأخرى التي يمرون من أراضيها، وعلى سبيل المثال جاء في
إحدى المدونات الأثرية أن جنود حاكم مدينة ماري (غربي العراق)
استولوا على قافلة من الجمال المحملة بمواد الحديد والمرمر والصوف
والأقمشة، التي كانت قد قايضتها وحصلت عليها مقابل كميات البخور الذي
جاءت به قبلاً من جنوب الجزيرة العربية، إذ تمت مصادرة تلك المواد
بسبب التلكؤ في دفع ضريبة المرور حيث كانت القافلة كبيرة ومتكونة من
(200) جمل، وهي في طريق عودتها داخل أراضي بلاد الرافدين.
هذا وتتحدث نصوص آشورية أخرى عن الضرائب التي
كان يحصل عليها ملوك آشور كـ (سرجون الثاني) و(سنحاريب) من التجار
اليمانيين، السبئيين، خلال القرن السابع قبل الميلاد على شكل عطور
وذهب وأحجار كريمة.
كما ذكرت النصوص الآشورية الأثرية الآنفة
الذكر عدداً من أسماء ملوك مملكة سبأ مثل: (يتامارا السبئي)
و(كريبنيل).
وتعزيزاً لمصداقية الأخبار التاريخية الواردة
عن البخور الذي يزرع في مناطق جنوب الجزيرة العربية، كشفت مؤخراً
بعثة أثرية روسية تنقب على شاطئ ميناء (قاني) بخليج عدن، عن كميات
كبيرة من البخور داخل أكياس من ألياف النخيل كانت مدفونة تحت الرمال.
وحول الأهمية العظيمة التي كانت البشرية
المتحضرة قديماً تنظر بها إلى البخور يتحدث (هيرودوت) العالم
اليوناني الذي عاش إبان القرن الخامس قبل الميلاد، إذ كتب قائلاً: (الشجيرات
التي تنتج البخور، تحرسها ثعابين مجنحة رقطاء وهناك عدد كبير منها
حول كل شجرة) لذلك فحتى عهود متأخرة كان اليونانيون يطلقون على
الجزيرة العربية اسم بلاد العرب المباركة (Arabia Eudaimon) أما
الرومان فقد كانوا يطلقون على بلاد العرب اسم (بلاد العرب السعيدة
(Arabia Felix) وفي العهود الإسلامية المختلفة كان البخور أحد أهم
العطور المعتمدة التي تضفي الجمال والبهجة والانتعاش على الحضور،
وتعطي معنىً جديداً وانطباعاً راقياً للندماء.
تقول إحدى الأساطير الرومانية القديمة أن اسم
الصابون يعود إلى اسم جبل (سابو) حيث كانت الحيوانات تقدم على
مرتفعاته الواطئة كأضحيات، وذات مرة انهمر المطر وجرف خليطاً من شحوم
الحيوانات الذائبة ورماد الحطب، حيث كانت النار وسيلة القضاء على تلك
الحيوانات الضحايا فانجرف مزيج الشحم الذائب، ورماد الحطب، نحو الأرض
الطينية على ضفاف نهر (اليبر) وحين وجدت بعض النسوة اللائي يستخدمن
الطين في غسل الملابس أن خليط الطين مع الشحوم والرماد المذكورين قد
أضاف لغسل الملابس مزيداً من اللمعان بفعل الرغوة المستحصلة، أطلقن
على هذه المادة اسم (صابون) تميماً باسم الجبل (سابو).
واليوم ما من مكان يكاد يخلو من نوع من
الصابون الذي يوصف بـ (المنظف العجيب) لكل شيء، والصابون هذا الشيء
الذي له حضوره الدائم في المنازل والفنادق والمطاعم والمقاهي
والمكاتب.. ينظف الأجساد والملابس والأواني والرفوف والأرضيات وكل ما
يخطر على البال.
وعن تاريخ صنع الصابون كشف النقاب مؤخراً عن
أن فرق عمليات التنقيب الجارية في أطلال مدينة بابل القديمة في
العراق، قد عثرت على اسطوانات مصنوعة من الفخار عليها كتابات تعود
إلى سنة 2500 ق.م (قبل الميلاد) وتوضح بجلاء أن الشحوم كانت تغلى مع
الرماد لصناعة الصابون ويعتبر هذا الأثر من أقدم الوثائق التاريخية
حتى الآن الذي يشير إلى أن حضارة العراق القديم قد عرفت صناعة
الصابون بوقت مبكر من بين بقية الحضارات العالمية الأخرى.
في بحث دولي اعتبر الأول من نوعه لفك لغز
المكونات السرية في عيدان السواك التي تستعمل على نطاق واسع في
البلاد العربية، والإسلامية، ومناطق من قارتي آسيا وأفريقيا، لتنظيف
الأسنان وحماية اللثة من الالتهابات والأمراض، أوضح الباحثون الذي
أجروا الدراسة في مخابر جامعة (ايلينوس) بشيكاغو في أمريكا وجامعة (استيلينبوش)
بتايجربيرغ في جنوب أفريقيا، أن فريق العمل الذي أشرفت عليه
الجامعتان المذكورتان، قد توصل لكشف أسرار قدرة عودة (السواك) في
تنظيف الأسنان، والمستخلص أصلاً من جذور أو سيقان الأشجار والشجيرات
المحلية في البلدان التي تستخدمها، وتستعمل بعد مضغ أطرافها حتى
تهتريء، ثم تستخدم بمثابة فرشاة لتنظيف الأسنان، لها فعالية فرشاة
الأسنان تماماً في إزالة طبقة البلاك (السواد) الناتج عن الأكسدات
المتراكمة على الأسنان وتدليك اللثة. حيث أشار الباحثون إلى أن هذه
الأعداد تمثل بديلاً أرخص ثمناً لشرائح اجتماعية من سكان البلدان
النامية بسبب عدم توافر فرش الأسنان.
هذا وكانت دراسات سابقة قد أظهرت أن معدلات
تسوس الأسنان بين مستخدمي (السواك) كانت أقل قياساً بمستخدمي فرش
الأسنان، وأن للسواك أثره الفعال في إزالة طبقة البلاك من الأسنان.
ويرى الباحثون أن المركبات الكميائية الجديدة التي تم اكتشافها في
السواك الذي يستخدمه بكثرة سكان المناطق الريفية في البلدان النامية
قد يشكل أساساً صالحاً لصنع المنتجات الطبية منه في المستقبل.
والمسواك الذي اعتمدته المجتمعات العربية منذ
مئات السنين كان الرسول الأكرم (ص) قد دعا منذ أربعة عشر قرناً
لاستخدامه من قبل المسلمين قبل كل صلاة.. فياللإسلام العظيم.. ويا
لرسوله الأعظم (ص).
|