كوكب الأرض يحتضر.. وبحاجة إلى معجزة لإنقاذه بيئياً

 

يصف علماء البيئة حال الكرة الأرضية اليوم بأنها تعاني من سكرات الموت البطيء! ويقول غالبية المتخصصين العاملين في مجال تحسين ظروف البيئة: مالم تحصل أعجوبة وتنقذ أجواء الأرض من مناخها المتسخ هوائياً، ويتم القضاء على تلوث المياه العذبة وبالذات من مصادر جريانها، فكل ما في الأرض من تقصير يحول دون نظافتها، ونظافة الأجواء المحيطة بها من التلوث المؤثر سلباً على الحياة وما يتبع ذلك من خطر بيئي داهم، لعل من أول نتائجه أنه يحول دون تحقيق تنمية مستديمة.

ومما يؤسف له أن الصرخات العلمية المدوية التي تفضح بالأرقام والإشارات والوقائع ما آل إليه واقع كوكبنا الأرضي من حال بيئي متدني لم تسفر مؤتمرات قمم الدول شيئاً ممكن أن يقال عنه أنه خطوة عظيمة نحو كفالة تحسين جاد وملموس في مجال البيئة سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي أو المحلي، رغم أن المؤتمر الأول لقمة الأرض انعقد في البرازيل منذ زهاء (10) سنوات، إذ تشير الوقائع إلى أن الضالعين في نشر المواد الكيميائية القاتلة لا يتورعون عن شيء، فبث الغازات وتصاعد ثاني أوكسيد الكاربون الذي يلف أجواء الأرض وتلويث المياه العذبة لا يتسبب في تعكير الأوضاع الصحية على مستوى الأحياء فحسب بل يوضح أن الرقم الثابت المشير إلى أن (30) ألف شخص يموتون يومياً بسبب تلوث مياه الشرب، وكأنه أمر لا يعني أحداً!.

أما بالنسبة للطبيعة وما ينبغي أن تكون عليه فتوضح الأرقام نتائج مخيفة يصعب تصديقها أحياناً، فالغابات تتعرض لتدمير متوالي، إذ يختفي منها سنوياً (17) مليار هكتار، في حين أن (6) آلاف نوع من الحيوانات تتعرض للإبادة سنوياً، لذلك فقد كان هذا أحد الأسباب التي دعت (انياسيو دامونيه) أن يكتب مقالاً مهماً، نشرته جريدة (لوموند ديبلوماتيك) الشهرية في عدد شهر آب من هذه السنة 2002م، حيث صادف عشية انعقاد المؤتمر الدولي لسكان الأرض في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا، إذ اقترح (رامونيه) على قمة جوهانسبورغ الأخذ بعدة توصيات قال عنها معلقاً: (إن من دونها لن تستطيع الدول العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية - وهي المتسبب الأول بالكارثة البيئية في العالم - الوقوف في وجه تدمير الطبيعة!).

وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قد نبهت في تقريرها السنوي في 2001م إلى أن مساحات الغابات تتراجع بوتيرة تنذر بعواقب وخيمة في البلدان المدارية، وبذاك فإن الغابات الخضراء مهددة بشكل فعلي بالتصحر، وكثافة الغابات تسير باتجاه مضمحل وبوتيرة مقلقة، وهذا ما يجعل فعلياً أن العالم اليوم بحاجة فعلية لمعجزة تنقذ بيئة الأرض، مما هي عليه من تلوث شامل ينذر بالخطر الكبير على مصير الأحياء من المخلوقات والنباتات.

ويودي تلوث الهواء سنوياً بحياة (121) ألف مواطن في الشرق الأوسط، والى (379) ألف مواطن في قارة أفريقيا، ويتوقع خبراء البيئة حدوث (40) مليون حالة وفاة حتى سنة 2005م ويمكن أن يرتفع هذا الرقم الكارثي إلى (20) مليون نسمة سنة 2020م مالم يواجه خطر تردي البيئة بجهود جادة ومشتركة على المستوى الدولي.

كثر وتشعب الحديث عن الخطر الداهم الذي يسببه تلوث البيئة على حياة الإنسان والطبيعة، إذ تشير الإحصاءات الجارية المعتمدة لدى الجهات الصحية الدولية والإقليمية والمحلية، بأن مفرزات تلوث البيئة تصيب ملايين الناس دون أي تحذير، فقد تسببت بإصابة الأطفال بسرطان الدم وأورام المخ، وتشير إحصائية دولية إلى أن تلوث البيئة يسبب العقم للرجال والنساء، مما يعني تهديداً لاستمرار حياة النوع البشري على الأرض! وتأتي مواضيع مثل سوء التغذية، وقذارة المياه العادية وعدم تصفية مياه الشرب وسوء استخدام تصريف المياه المستغنى عنها المسماة (الصرف الصحي) في مقدمة الحالات التي تسبب تلوث وتردي البيئة، لذلك كله فقد دخل تلوث البيئة في دائرة الاهتمامات القصوى لدى قاطبة الحكومات، واعتبرت قضية التلوث من المشكلات المعقدة التي يواجهها العالم.

ومما يُعزى إلى إخفاقات القرن العشرين المنصرم هو ظاهرة عدم القدرة على إمداد مياه صالحة ومعقمة وتوصيلها بشبكات الصرف الصحي، بصورة لا تترك تأثيراً سلبياً على الصحة العامة، وبهذا الصدد تشير الإحصاءات الدولية الموثقة بأن (مليار) فرد يعانون من عدم وجود مياه نظيفة عندهم، و(2.4) مليار بدون خدمات بلدية للصرف الصحي وينتج عن هذا الخلل البيئي انتشار أمراض خطيرة مثل (الكوليرا) والدسنتاري (الدوسنتاريا) و(الطفيليات) إذ يؤدي هذا الإهمال في التعامل مع البيئة إلى فرض الموت على (3) ملايين نسمة سنوياً، ومن المتوقع أن تشهد سنة 2020م موت أكثر من (76) مليون شخص، أي أكثر من الذين فارقوا الحياة بسبب انتشار مرض الإيدز الخبيث.

فإذا ما بقي حال تلوث البيئة مستمراً دون إجراءات جدية للحدّ من تفاقمه، فسيعيش ثلثا البشرية خلال الـ (25) سنة القادمة محرومين من المياه المطلوبة، رغم أن نسبة (70%) من مساحة الكرة الأرضية تغطيها المياه، ومعلوم أن نسبة (2.5%) فقط من كميات تلك المياه هي مياه عذبة صالحة للشرب والاستخدام الصالح، لكن معظم هذه النسبة قد طالها التلوث الذي جعل المياه الملوثة مصدراً للموت السريع أو البطيء.

إن حياة الإنسان والطبيعة مهددة اليوم بمخاطر تلوث البيئة، بما لم تشهده البشرية بأي مرحلة تاريخية، لذلك فليس غريباً أن سمت العديد من الدول مفهوم التلوث البيئي كـ (قضية أمن قومي) بعد أن أدرجته على لائحة التحديات الكبرى التي تواجه العالم المعاصر.