البرق والرعد... آيات بينات للموقنين

 

يقول الباري عز وجل في كتابه الكريم:

(ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبالها فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)النور43.

المقصود هنا أن البرد هو المسؤول عن تلك الشحنات الكهربائية التي تسبب عواصف البرق والرعد التي كانت وما زالت من أهم مجالات البحث والدراسات خلال عشرات السنين، وقد ظهر في هذا السبيل العديد من النظريات حتى انتهى العلماء إلى تلك الحقيقة التي قررها الحكيم الخبير في كتابه الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ولا يقف الإعجاز العلمي للآية السابقة عند هذا الحد، بل نجدها تربط بين البرد والبرق. وعندما تحاول التيارات الهوائية عزل الشحنة الكهربائية السالبة العليا عن الشحنة الكهربائية السفلى يحدث تفريغ كهربائي على هيئة برق، وينجم عن الحرارة المفاجئة التي يحدثها البرق في منطقة انبعاثه، أن يتمدد الهواء بصورة فجائية ويتمزق محدثاً الرعد، وما جلجلة الرعد إلا عملية طبيعية بسبب سلسلة الانعكاسات التي تحدث من قواعد السحب لصوت الرعد الأصلي، وقد يحدث في بعض العواصف أن يتكرر حدوث البرق داخل السحابة أربعين مرة في الدقيقة الواحدة... أما إذا حدث التفريغ الكهربائي بين السحابة وأي جسم مرتفع عن سطح الأرض فإنه يدعى صاعقة وعند تصوير وتحليل الصاعقة يتبين أن السحابة الركامية الواحدة تبدأ بنتف صغيرة تظهر في السماء ثم تتحد كل خليتين أو أكثر لتكوين الخلية الكبيرة التي سرعان ما تصبح كالجبل الشامخ وينزل منها المطر، وهنا تتبين روائع إعجاز القرآن في هذا الشأن من تلك الآية.

ومن الحقائق العلمية المعروفة أن المكونات الثلجية عندما تتجمع أو تنصهر تكتسب شحنات كهربائية في إنجاز رائع، إلا أن أهم أخطار البرق الذهاب بالبصر، وهذا ما يعانيه الطيارون من أخطار في حالات عواصف الرعد لا سيما في المناطق الحارة الرطبة حيث تبلغ ومضات البرق في الدقيقة الواحدة أربعين ومضة أو شرارة هائلة فيصيبه فقد البصر، ولا يقوى على الاستمرار في قيادة طائرته.

أما عن الصواعق فقد ورد في القرآن الكريم، في عدة آيات، مثل قوله تعالى: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء)، وقوله جل وعلا (مثل صاعقة عاد وثمود)، وقوله (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت).

فقد أثبت العلم أنه إذا ما أصيب شخص بمس من صاعقة وجبت المبادرة إلى إجراء التنفس الصناعي له لمدة لا تقل عن ساعة، فقد تعود إليه الحياة من جديد، إلا أنها مدمرة في عمومها، ويرسلها الله انتقاماً ممن يشاء.

والصواعق كما هو معروف تصاحب البرق والرعد، والسحاب في بعض الأحيان، وهي بذاتها ذات أثر قاتل في النفس، ولذلك كان رسول الله (ص) إذا سمع الرعد والصواعق يقول:

(اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك).

وقد ذكر القرآن الكريم الرعد في عدة مواضع، حيث يقول تعالى: (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق).

وقوله سبحانه: (ويسبح الرعد باسمه)

ويدفع صوت الرعد إلى الخوف والتعظيم والرجاء لقدرة الخالق.. وهذا من الإعجاز في التصوير النفسي الذي أوضحه القرآن من خلال آياته الكونية العظيمة، والرعد هو ذلك الصوت المفرقع المدوي وهو أثر من آثار الناقوس الكوني الذي صنعه الله أياً كانت طبيعته وأسبابه، فهو من صنع الله في هذا الكون، وهو يشهد بقدرة الخالق وعظمته، مما جعل صوت الرعد تسبيحاً وقد انضم إلى تسبيح الرعد بحمد الله تسبيح الملائكة من خوفه ومن تعظيمه، وإذا أمعنا النظر في موقع كوكب الأرض من الأجرام السماوية أدركنا أن كل شيء في هذا الكون قد خلق بقدر معلوم ودقة متناهية وحكمة مدبرة وهذا تأكيد لقوله تعالى:

(إنّا كل شيء خلقناه بقدر).

وقال جلت قدرته:

(وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)

إن هذا الكون في بنائه المذهل في اتساعه يشمل كوكب الأرض الذي نعيش على سطحه ويسير وفق سنن سماوية محكمة لو اختلفت لهلكنا. ويمكن الإشارة إلى ذلك من حيث وضع الأرض وما يحكمها من قوانين كونية كما يلي:

* لو كانت الأرض تبعد عن الشمس ضعف بعدها الحالي لنقصت كمية الحرارة التي تصلنا إلى ربع كميتها الحالية ولقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول وتبعاً لذلك يتضاعف فصل الشتاء فتتجمد الكائنات الحية على سطح الأرض.

* لو اقتربت الأرض من الشمس إلى نصف المسافة التي تفصلها الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض من الشمس أربعة أمثال ما تتلقاه منها الآن ولتضاعفت سرعة الأرض حول الشمس واستحالت الحياة.

* الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض غلاف واقٍ يحمي الأرض من ملايين الأطنان من الشهب التي تهبط عليها من الفضاء الخارجي ويحميها أيضاً من الأشعة الكونية التي لو قدر لها أن تصل إلى الأرض بأكملها لأبادت الحياة.

* لو زادت نسبة الأوكسجين الجوي عن معدلها الأصلي كأن تصبح 50% أو أكثر فإن جميع المواد القابلة للاشتعال تصبح عرضة للاحتراق لدرجة أن أول شرارة في البرق تصيب شجرة لا بد أن تلتهب الغابة بأكملها. ولو قلت نسبة الأوكسجين إلى 10% لتعذرت الحياة على سطح الأرض.

* ولو قدر للمياه المتجمدة في القطبين أن تذوب لارتفع منسوب مياه البحار والمحيطات، ولأغرقت أغلب مساحات القارات وما عليها من حياة.

* ولو كانت مياه المحيطات غير مالحة (حلوة) لتعفنت، وتعذرت بعد ذلك الحياة على الأرض حيث أن الملح يمنع حدوث التعفن والفساد.

* ولولا اتحاد الكلور مع الصوديوم، لما كان لكوريد الصوديوم (الملح) وجود.

* ولو لم تكن قوانين الجاذبية الأرضية موجودة فمن أين تلتقي الذرات وجزئيات الذرات، ومن أين تكون الشمس شمساً والأرض أرضاً؟!.

* ولولا الجبال لتناثرت الأرض ولما كان لها مثل هذه القشرة الصالحة للحياة.

ومن هنا يتبين الإعجاز القرآني في قوله تعالى:

(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء)

وقوله جل علا:

(وفي الأرض آيات للموقنين).