عقبات أمام تقدم المجتمعات العربية

 

ما يشغل اهتمام المتخصصين والباحثين والمتابعين في البلاد العربية، هو قلة نسبة (النمو) في بلدانهم - بصورة عامة - قياساً لبقية مناطق العالم الأخرى، التي تماثلها في ظروفها الاقتصادية بدرجة ما.

إلا أن ظاهرة (الغنى) لبعض البلدان العربية ذات الاستثمارات والاحتياطات المادية الضخمة، والتي يقابلها بشكل غير معقول زيادة مساحة (الفاقة) لغالبية شرائح مجتمعاتها، فذلك ما يثير الحيرة أمام المحللين، ولكن الوقوف على أسباب الظاهرة المذكورة لا يحتاج إلى بذل كثير من الجهد، فيما لو أريد إصدار أي تقييم حيادي يتسم بالصراحة، لتوضيح صورة - النمو - هنا أو هناك بهذا المجال.. أو ذاك..

يعزو بعض الباحثين مشاكل التقدم البطيء في بلدان الوطن العربي إلى جملة أسباب رئيسية، ما تزال محط خلاف جزئي أو كلي، وان كان أغلبية أولئك الباحثين يقرون بحماس مشهود صحة عدد منها، فانتشار الأمية، وتدني معدلات مستوى المعيشة، وضعف أداء الخدمات البيئية، كلها أمثلة صارخة غير قابلة للنكران، وتعاني منها المجتمعات العربية بصورة متفاوتة. ومن منطلق هذا الفهم الواقعي قام ثلاثون مهتماً من المثقفين العرب مؤخراً، بإعداد تقرير ميداني استغرق إنجازه لديهم سنة كاملة، وقد تبنى (برنامج الأمم المتحدة للتنمية) جانب الإنفاق المالي عليه، في حين أشرفت جامعة الدول العربية على الدعاية له، ومما توصل إليه فريق الباحثين حول تشخيص مجمل الوضع التنموي والخلفيات المتحكمة به داخل البلدان العربية، هو أن هناك فارقاً كبيراً بين ما يمكن وصفه بـ (ازدهار دخل الفرد بالكويت) مقابل (قلة دخل المواطن في جيبوتي) وعزز تقرير الباحثين استعراض حصيلة أرقامه، إذ جاء فيه: (أن واحداً من بين كل خمسة مواطنين عرب يعيش على أقل من دولارين يومياً) ويزداد المشهد العربي العام قتامة - بحسب التقرير الآنف - حيث توصل ضمن إحصاء فيه، إلى أن نسبة (51%) بالمائة من المراهقين و(45%) بالمائة من الشباب يرغبون بالهجرة عن أوطانهم العربية، وهم ساخطون على نمط التعامل الرسمي في بلدانهم التي لا تقدم الفرص المناسبة لهم.

ويربط باحثون آخرون معاناة العالم العربي بثلاث مشاكل يصفونها بـ (الكبرى) هي (غياب الحريات) و(الحد من مشاركات المرأة بالحياة العامة) و(التأخر العلمي) واستند أصحاب هذا الاستنتاج إلى هذه الخلاصة، بعد إجراء مقارنات ومداخلات علمية بحركات ومعدلات (النمو) المستحصلة من دول عديدة غير عربية، حيث اتضح أن المنطقة العربية هي الأقل (نمواً) من بين دول العالم خلال العشرين سنة الأخيرة.

ويكاد يتفق الجميع على أن بيروقراطية أغلب الرسميات العربية، ومحاولاتها الدائبة للسيطرة على النشاطات الاجتماعية، والتدخل دون مسوغ قانوني في شؤون الجمعيات المدنية، والتهديد المستمر بوضع اليد فوراً على مكاتب المخالفين، كلها أمور يمكن إدراجها على لائحة الموانع اللامبررة التي تجعل من ممارسة الحريات العامة مدعاة للاستهلاك المحلي وتعيق من عمليات تقدم الحياة في عموم المجتمع العربي.